عكست أزمة الديون الأكبر في أوروبا، وضعا اجتماعياً كارثياً، يعاني منه شعب اليونان، المطالبة بسداد نحو 657 مليار دولار من الديون التي تراكمت عبر عقود مضت، من خلال خطط إنقاذ متلاحقة، أفضت إلى استحواذ دول شمال أوروبا مثل فرنسا وألمانيا على أهم مقدرات اقتصاد اليونان.
وكانت تلك الدول المتنفذة اقتصاديا، تمد اليونان بالديون وتشتري منها المؤسسات والمشاريع بعد تحويلها من ملكية الدولة إلى القطاع الخاص، تحت ذريعة خدمة الدين، حتى عانى اليونانيون، قصصا مريرة كثيرة لا تكاد التقارير الاقتصادية تخلو منها، لإظهار حجم الضغط السياسي والاجتماعي الذي خلفته الأزمة المالية على اقتصاد البلاد وشعبها.
وتكمن خطورة هذا الضغط الاجتماعي، بأنه شكل الرأي العام اليوناني المعادي، للتسلط الأوروبي، الذي وضع رقاب شعب اليونان، تحت سيف الديون الفرنسية والألمانية، وجاء التصويت بـ"لا" وألف "لا" لخطط الإنقاذ التي تمد اقتصاد البلاد، بمشاريع كبرى تنعش البنوك وأسواق الأسهم، وترد حال المواطنين إلى أسوأ الخيارات المتاحة، حتى غدى المتقاعد اليوناني، الذي قدم خدماته على مدى عقود ماضية، عاجزا عن استلام معاشه التقاعدي الذي لا يكاد يكفي قوت يومه.
ويحكي، عمرو عبدو، كبير المستشارين، في أسواق المال دوت كوم، لـ"العربية.نت" عن فظائع التقارير الواردة، من اليونان، والتي ترسم ملامح خطيرة عن الحال الاجتماعي، والوضع المتردي لاقتصاد الفرد في اليونان، وهي مؤشرات يعتبرها عبدو مهمة جداً في تحليله لمستقبل اليونان وتوجهاتها السياسية والاقتصادية، وهو يحللها من دافع استثماري، من أجل تزويد عملائه من المستثمرين بأهم التوجهات المستقبلية.
ويقول عبدو، ان من بين القصص، الأكثر مرارة، وتصويراً لواقع سياسة التقشف المفروضة، أوروبياً على ميزانية اليونان الحكومية، أن المريض بالسرطان "كان يصل إلى المستشفى العام، فيقال له إن كنت قادراً على العيش أو الصبر يوماً أو يومين، فاذهب إلى بيتك، لا مكان لدينا ولا موارد لخدمتك".
وأوضح أن مثل هذه القصص، والروايات التي لا تشكل مؤشرات اقتصادية مباشرة، إلا أنها انعكاسات اجتماعية، مهمة للمحللين الماليين، الذين يركزون على الأمور التي باتت تتحكم بمزاج شعب اليونان بأكمله، والذي بات يشعر بالإذلال وتحولت قضيته من أزمة مالية، إلى قضية كرامة، وعيش كريم، دون الرضوخ لإملاءات أوروبية، لطالما سيطرت على حال الاقتصاد في اليونان.
ويرى عبدو، أن أصحاب السندات، ستكون لهم الأولوية، في السداد في حال تعاظمت الأزمة، لكنه توقع أن تنقلب الحال، بعد أن أخذت الأزمة أبعادا سياسية وقومية داخل أوروبا، وبالتالي قد يقوم السياسيون بفرض كلمتهم على أولويات السداد، وترتيبات حل الأزمة.
ومن القصص الأكثر، إيلاماً تلك التي رواها مراسل فرانس برس، عن عجوز تقف برفقة زوجها الطاعن في السن، في أثينا، خاطبت المراسل باكياً، عن أنها لم تتمكن من سحب معاشها التقاعدي، الزهيد من ماكينة الصرف الآلي التابعة لإحدى البنوك اليونانية التي أغلقت وتوقفت عن توفير السيولة والنقد لعملائها.
وفي ثنايا الأزمة اليونانية الخانقة، تطل بعض القصص عن أولئك الذين يعتاشون على الدعم الحكومي، من غير القادرين وذوي الاحتياجات، وكبار السن والمتقاعدين والمرضى، الذين ستفرض عليهم سياسة تقليص النفقات الحكومية، أياماً مريرة كانوا يظنون أنها قصيرة.
وعلى صعيد، الأرقام القاسية التي تحملها أزمة الديون، يرى الخبير الاقتصادي عبدو، أن أحدث الأرقام يتمثل في تلقي، صندوق الاستقرار المالي، طلباً من اليونان لاقتراض 29 مليار يورو، وهذه قد تعد واحدة من أوجه حل الأزمة على المدى المتوسط، لكنه يرى أن المشكلة الأكبر يمكن حلها في حال دفعت اليونان، 3% من فائض ميزانيتها السنوي إلى الدائنين لمدة 40 سنة مقبلة.
وأكد عبدو، أن العدوى من الحالة اليونانية، باتت مستبعدة في الوقت الحالي، وأن انتشار الأزمة في محيط اليونان، لن يكون خطيراً كما كان الجميع متخوفاً في السابق.
بدوره اعتبر مدير المحافظ، مكدوغل مكدوغل اند ماكتير، بسام القاضي، أن حجم الديون ليست هي المشكلة الوحيدة، موضحا أن أبعادا سياسية وجيوسياسية، باتت تتحكم في مصير إنقاذ اليونان، أكثر من قضية الديون بمفردها، موضحا أن أحزاب اليسار في بقية دول أوروبا، وتحديداً في إسبانيا يخشى من أنها ستتخذ نفس خطوة اليونان.
ورأى القاضي، أن الخطورة في هذه السابقة، أن خروج اليونان، سيجر وراءه كثير من المشكلات التي لم تنفجر بعد في دول أوروبية أخرى، موضحا ان دولا كبرى في الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا والمانيا لن تسمح بانفراط عقد منطقة اليورو، من بوابة اليونان.
وعلى الصعيد الخليجي، استبعد الخبير الاقتصادي الدكتور صادق البسام، أن يكون هناك تأثيرات على البورصات العربية والخليجية، خارج إطار العامل النفسي الذي يخيم على أسواق رأس المال عالمياً، موضحا أن هذا العامل بات يشكل ضغطاً كبيراً من جراء ما يجري في اليونان والصين، التي تعاني سوقها المالية من تلاعبات مالية كبيرة.