^ ماذا تعني الدعوة إلى الاتحاد بين العراق وإيران؟ ولماذا؟ وهل يجتمع الحَملُ مع الذئب؟ وهل يتحد المِحتل مع المُحتل؟ أم هي الخطوة الأخيرة لتفريس العراق كما تم تفريس إقليم الأحواز العربي؟ ولا يخفي على الجميع أن حكومات الاحتلال المتعاقبة في العراق والحكومة الحالية هي جزء لا يتجزأ من المشروع الإيراني في العراق، وجزء من العملية السياسية التي أنشأها الاحتلال الأمريكي منذُ عام 2003م التي لم يجنِ منها العراق سوى الخراب والدمار والقتل والصراعات الطائفية والحزبية والفئوية والسلطوية التي دمرت العراق عن بكرة أبيه. وبعد أن سحبت القوات الأمريكية جزءًا من قواتها العسكرية بفضل ما نالته من ضربات المقاومة الوطنية العراقية الباسلة، أصبحت لإيران المساحة الأكبر للعب دور أشرس سياسياً وأمنياً في العراق، ليصبح العراق ضيعة تابعة وخانعة لإيران وصولاً إلى ضم أراضيه إليه. وخلال زيارة رئيس حكومة الاحتلال في العراق إلى أسياده في طهران دعا النائب الأول للرئيس الإيراني في 22 أبريل 2012م إلى «اتحاد البلدين بشكل تام لتشكيل قوة كبيرة على الصعيد العالمي»، ويَعرف هذا النائب أنه ليست هناك أية مصالح ثنائية بين البلدين بل هناك مصلحة واحدة هي المصلحة الإيرانية، أي اتحاد لاجتثاث العراق من وطنه العربي وتفريس هويته لإبقائه دائماً تحت مذهبية ولاية الفقيه. وهناك سبب آخر لهذه الدعوة وهو مساندة العراق لإيران خلال مرحلة الحظر الأمريكي والغربي لها بعد خوفها من تغيير حليفها النظام السوري. فإيران ليست معنية ببقاء النظام السوري أو مغادرته، لكنها تعمل على دعمه من أجل تأخير وقت سقوطه قدر المستطاع ليتسنى لها ترتيب جدارها الخارجي الذي بدأ يتصدع بسبب العقوبات الاقتصادية والحصار المفروض عليها بسبب برنامجها النووي. وهي أيضاً غير معنية باستقرار العراق وبأمنه بقدر ما يَهمها فقط الاستفادة من خزائن ثروته النفطية وبخاصة حقول جزيرة مجنون التي تعمل الآن على وضعها موضع اليد بمشاركة مع عناصرها في حكومة العراق المُحتل. وهو ما يُمثل استمراراً لسرقة نفط العراق وتسليم سيادته على أرضه ومياهه وأجوائه المخترقة يومياً إلى النظام الإيراني، وصولاً إلى جعل العراق قاعدة تنطلق منه لضرب الأقطار العربية. ويَدعي حُكام العراق بأن الدعوة الإيرانية ما هي إلا (تعبير مجازي عن الطموح بالتعاون وبناء علاقات جيدة بين البلدين)؛ وأن (يكون العراق وسيطاً لحل المشاكل الإيرانية العربية وبخاصة بعد أن ترأست بغداد القمة العربية الثالثة والعشرين)؛ ودعت بغداد (الدول العربية بأن تستفيد من هذه العلاقة «العراقية ـ الإيرانية» وألا تنظر إليها بعين أخرى)؛ وأكد حُكام العراق أن (هذا الأمر يدعونا إلى علاقات متوازنة مع الجميع وألا نسمح لأي طرف أن يُملي علينا خياراته)! وتعتبر هذه الدعوة الثالثة للعراق بشأن الاتحاد معها، وكانت مصر ومن ثم سوريا وجهتا دعوات للاتحاد مع العراق خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي ولكنها لم تنجح. ومن خلال هذه الدعوة الاتحادية ستنال إيران مساحة أكبر بتشكيل حكومات العراق والتشجيع على فرض الديكتاتورية وإقصاء بعض المكونات السياسية ذات التوجه العربي وأشياع المذهب السني وكل مَن يعترض على الوجود الإيراني في العراق، وإلى سلب ما تبقى من حقوق العراق السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية. في الوقت الذي يدعي فيه هؤلاء الحُكام باستقلالية حكومتهم وبعدم خضوعها لأي تدخلات خارجية لا سيما من إيران! وتتهم مجموعة من المكونات السياسية العراقية بوجود (تحالف بين رئيس حكومة العراق وإيران) وطلبت أن (يتخذ رئيس الحكومة موقف حازم من التدخلات الإيرانية المستمرة في الشأن العراقي). إن دعوة الاتحاد الإيرانية هذه ليست موجهة فقط ضد السيادة العراقية وهويتها العربية، إنما تكون تحدياً لجامعة الدول العربية، وبخاصة بعد دعوة مجلس التعاون الخليجي في قمته الأخيرة في (19 ديسمبر 2011م) بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد بين أقطاره ومبادرة مملكتي البحرين والعربية السعودية نحو تحقيق هذا الاتحاد قريباً، كما إن هذه الدعوة تأتي بعد التنديد العربي والخليجي بزيارة الرئيس الإيراني للجزر العربية المحتلة بتاريخ 11 أبريل 2012م، وتعمل على إبعاد العراق عن محيطه العربي، وتُمثل مخالفة لميثاق الجامعة العربية (1945) والتزامات العراق بميثاق الدفاع العربي المُشترك (1950م). إن التنسيق والتعاون بين الأقطار العربية وإيران مطلوب إذا كان لا يتقاطع مع الإرادة الوطنية وموجبات الانتماء للوطن والأمة العربية، وإن القفز على هذه الحقائق مرفوض ولا يُحقق للعراق ما يصبو إليه من استقرار في الأمن، بل إن هذه الدعوة تخدم المصلحة الإيرانية فقط. وإيران دولة كبيرة وجارة، والتعاون والتنسيق معها وإيجاد علاقة إيجابية بينها وبين الأقطار العربية من شأنه أن يُعزز أمن المنطقة ويعمل على تطوير العلاقات السياسية والتبادل الاقتصادي بشكل كبير في المنطقة العربية والخليجية، ولكن ذلك لا يكون على حساب سيادة الأقطار العربية الوطنية، وأن لا يمس هذا التعاون هويتنا القومية، فكما هي المصالح الإيرانية عزيزة على إيران وقيادتها وشعبها فنحن أيضاً لن نعمل على الإضرار بمصالحنا ولن نقوم بأي عمل يُعرض سيادتنا الوطنية وهويتنا القومية إلى التفريس وبأي ثمنٍ كان. إن الحكومات العربية مدعوة إلى تحقيق اتحاد عربي بينها، اتحاداً بعيداً عن المصالح القطرية، وألا يخدم التبعية أو المذهبية الطائفية، فأطماع الدول الغربية والإقليمية مازالت مفتوحة، فجميع مشاريعها السياسية وبرامجها الاقتصادية وخططها الأمنية تعمل على تحقيق تلك الأطماع، وقد نالت أقطارنا العربية من مشرق الوطن إلى غربه الكثير من تلك المشاريع. إن اتحادنا العربي سيعمل على دحض هذه الدعوات الاتحادية الإقليمية سواء مع العراق أو مع غيره، فعلى الحكومات العربية أن تنهض وتنقذ العراق وشعبه من الابتلاع الشامل، وألا تلجأ هذه الحكومات إلى واشنطن فهي شريكة في هذا المَسعى، وإن (لا قدر الله وأراد) وتم هذا الاتحاد الأسود فإن وباله على الأقطار العربية لن يكون حميداً، وحميداً لطهران وواشنطن والعدو الصهيوني، الأعداء الثلاثة المتفقين والمتآمرين على الأمة العربية للاستيلاء على أراضيها وسرقة ثرواتها من أجل إفقارها وتحويلها إلى توابع لهذا الثلاثي الذي لا يرحم أحد ولا ينجو من إرهابه أحد. فوحدتنا بإذن الله إذا أراد هي وحدة عربية.