^   رغم أن بعض الأهداف التي تسعى المنظمات الأجنبية (غير الحكومية)، إلى تحقيقها قد ترتبط بتقديم المساعدة على حل مشاكل ملحة في بعض المجتمعات العربية الفقيرة، فإنه من الطبيعي عندما تنتصب مثل هذه المنظمات التابعة لدول أجنبية فإن مهمتها لن تكون في جميع الأحوال مهمة إنسانية، لأنها ليست جمعيات خيرية، فهي في الواقع تعمل تحت ستار المساعدة على التحول إلى الديمقراطية، في حين أنها تعمل فعلياً على التأثير في السياسات والتوجهات لصالح هذه البلدان، بما في ذلك العمل في مجالات التجسس وجمع المعلومات والتحريض والتدريب على زعزعة الأنظمة السياسية القائمة. إن من أهم مؤشرات فعالية المجتمع المدني هو استقلاله المالي، وأي استفادة له من التمويل كيفما كان حجمه ومصدره يسيء إلى استقلاليته ومصداقيته في النهاية، إضافة إلى أنه عندما يوجد تمويل أجنبي توجد معه شروط يفرضها الممولون وأهداف غير معلنة يسعون إلى تحقيقها (غير نشر الديمقراطية)، خصوصاً أن هذا التمويل مغر في حجمه، ويكون مصحوباً بحزمة من التسهيلات والامتيازات المرتبطة بحرية الحركة وتغطية تكاليف السفر والإقامة والتنقل عبر العالم، وقد أفضى ذلك على تحول في أنشطة معظم الجمعيات المدنية المحلية التي أصبحت تفضل القيام بالأنشطة التي تمولها الجهات الأجنبية في مجالات حقوق الإنسان وقضايا المرأة والشباب، بدلاً من القيام بأنشطة تستهدف الاستجابة للحاجيات المحلية الوطنية الأكثر عجالة وذلك طمعاً في الحصول على هذا التمويل، وهو ما يجعل هذه الجمعيات مجرد آليات لتنفيذ المخططات للأجهزة الغربية، وبالتالي لم يعد المجتمع المدني سلطة مستقلة تقف بين الفرد والدولة للحد من تعسف السلطات العمومية وحثها على الاستجابة لحاجيات المواطنين. فالتمويل الأجنبي يفقدها أي استقلالية تجاه سياسات الدول المانحة مثل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرها، وفيما يلي نستعرض أهم المخاطر المنجرة عن أنشطة هذه المنظمات الأجنبية وتمويلها: أولا: من الناحية السياسية، تستغل الدول الأجنبية إمكانياتها المالية لتحقيق أهداف سياسية وثقافية داخل الدول العربية من خلال تنظيمات المجتمع المدني والأخطر من ذلك أن بعد اتفاقيات الشراكة والإطار مثل اتفاقيات التجارة الحرة أو اتفاقيات التعاون أو القروض أصبحت مشروطة بالسماح بدخول وتدخل هذه المنظمات غير حكومية والسماح لها بالنشاط بكل حرية بل إن بعض يصبح فوق القانون وخارج المساءلة يمتلك أفرادها والمتعاونين معها نوعاً خارقاً للعادة من الحصانة غير المعهودة في العلاقات بين الدول. الوجه الثاني للمشكلة أن هذه المنظمات بما تمتلكه من أموال وفيرة ومن دعم سياسي ومن غطاء الحصانة الواسعة من شبكات عالمية ضخمة تتواصل معها وتغطي نشاطاتها وتجاوزاتها قد تضاعف عددها في الدولة الواحدة فيصل إلى العشرات (بين 20 و60) بما يؤمن لها حرية الحركة والعمل، بحيث إذا ما تم إيقاف بعضها، يستمر الباقي في الحركة ضمن نفس دائرة الأهداف. الوجه الثالث لهذا الخطر الداهم يتمثل في وقاحة العلانية في عمل وتحركات بعض هذه المنظمات التي لا تخفي تدخلها في الشأن الداخلي للدول على أساس أنها باتت بمثابة أكاديميات للتغيير والتحوير والتثوير تعمل خارج القانون وفوقه لأنها تحظى بالدعم الأمريكي الرسمي، تخاف الدول من المساس بها. الوجه الرابع للإشكاليات التي تثيرها مثل هذه المنظمات وحتى الاتفاقيات التي تقيد البلدان العربية هو التناقض وعدم الصدقية، ومثال ذلك عقد الشراكة المبرم بين بعض دول العربية مع دول الاتحاد الأوروبي والذي جاءت معه عشرات المنظمات المدنية لحث هذه البلدان على تنفيذ التزامات محددة مع الاتحاد الأوروبي، مع أن بعض بنود هذه الاتفاقية تتناقض مع أبسط حقوق الإنسان التي تتضمنها الاتفاقيات الدولية الأشمل، حيث تهدف فقط لتنفيذ الاستراتيجية الوقائية للاتحاد الأوروبي في منع الهجرة من الجنوب إلى الشمال، بحيث تتحول دول المغرب العربي مثلاً إلى حارس للحدود الأوروبية، وهي الاستراتيجية المخالفة طبعاً للتصور الحقوقي والديمقراطي لمسألة الهجرة، القائم على حرية تنقل الأفراد وهذا وجه آخر من وجوه استغلال الدول الأوروبية للمجتمع المدني العربي لتنفيذ مخططاته الاستراتيجية في الجوانب والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على حساب كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية