سوف أساير قصة “دعم الديمقراطية” الأمريكية إلى الآخر؛ أي سأصدق أن الملايين التي ترصدها أمريكا وتمنحها  للمؤسسات المدنية العربية، ومنها البحرينية، هي بهدف تدريب أعضائها فعلاً على نشر ثقافة الديمقراطية في دولهم وليس لقلب أنظمة الحكم فيها وخلق الاضطراب والفوضى، وليس بقصد وبتعمد تمكين تيارات دينية متشددة من مقاليد الحكم.
في النهاية العبرة في النتائج؛ فاذا كان الوقت مبكراً للحكم في بعض الدول العربية على نتائج ربيعها؛ فإن البوادر التي برزت في تلك الدول لها مؤشراتها التي لا تشي بقرب نيل تلك الشعوب حلم الديمقراطية، فالتيارات الدينية هي التي أحكمت السيطرة على شمال أفريقيا كله.
أما تجربة العراق فهي أبعد ما تكون عن أي ملامح للديمقراطية؛ فالتعددية أزهقت وغياب الحريات العامة واستقلال القضاء والشفافية والارتهان للنفوذ الإيراني كلها أمور لا يمكن إنكارها، وهي تقصي الديمقراطية إلى أبعد حدودها.
فأين هي بوادر الجنة الموعودة للديمقراطية بعد كل هذا التدريب والإعداد والتأهيل؟
فإما أن تكون السياسة الخارجية متواطئة على الشعوب العربية تسلط عليها تيارات لا تؤمن في تكوينها ولا في خطابها ولا في أيدلوجيتها بالديمقراطية، ومتواطئة أكثر على منطقة الخليج العربي وتحديداً على البحرين لتعيد سيناريو الديمقراطية العراقية الفاشل عندنا، وتسلم دولة أخرى في المنطقة لإيران، وكأن العراق ليست درساً كافياً.
إما أن تكون السياسة الخارجية الأمريكية غبية وساذجة إلى حد كبير لتعيد تكرار التجارب الفاشلة؛ ألا ترى السياسة الخارجية الأمريكية أنها بإعلانها عن مؤسسات دعم الديمقراطية الأمريكية قد بنت مغارة لعلي بابا بأموال دافع الضرائب الأمريكي وملأتها بالأموال والكنوز للمنح المالية المغرية للاستغلال والتوظيف، فمليون دولار سنوياً ميزانية “صندوق المنح القومي للديمقراطية” تقدم من الكونجرس، وهي عبارة عن ميزانية لمؤسسة واحدة فقط، وهناك مؤسسات أخرى مثل (الفريدم هوس) بيت الحرية يحصل على مليون أخرى سنوياً من الخارجية الأمريكية، وملايين أخرى يدفعها المواطن الأمريكي من ضرائبه ليمول بها المعاهد الأمريكية الأخرى لدعم الديمقراطية، كلها أموال معروضة لكل من أراد أن يغرف منها، كل ما عليه أن ينطق كلمة السر (ديمقراطية)، إنها البديل (لافتح يا سمسم)، فتفتح أبواب الصناديق التمويلية لتوفر دخلاً  للفرد ولأسرته ومعها كارت الحصانة الأمريكية، كل ما على الفرد العربي هو تقديم نفسه كناشط سياسي أو حقوقي معارض وممنوع من العمل في دولته لتفتح له المغارة، أو بإمكانه تأسيس جمعية مدنية إن كانت دولته تسمح مثل البحرين بتأسيس منظمات مدنية سياسية أو حقوقية أو عمالية وستفتح له المغارة في الحال.
في هذه الحال.. لو كنت صاحب أجندة خاصة لما ترددت في استغلال هذا الكنز واستغلال الغباء الأمريكي إلى أقصى درجة، طبعاً إذا افترضنا أن تلك المنح الأمريكية تمنح لكل من يعمل على دعم الديمقراطية في وطنه، وأن لا أجندة أمريكية سرية تخصص لدعم فئات معينة لتمكينهم!
في كل الأحوال فقد أدركت مجموعات في الدول العربية، ومنهم بحرينيون، أن هناك أجندة أمريكية للتغيير في المنطقة، وهناك أموال مخصصة لذلك، وهناك فرص لا تعوض مفتوحة أمامهم، كل ما عليهم هو امتطاء صهوة هذا الحصان الجامح وسيمنح فرصة العمر وسيدخل مصنع (الأبطال)، إنها فرصة لأي شخصية كارتونية أن تستفيد.
الأهم أن إيران أدركت هي الأخرى أن هذه أيضاً فرصتها لدخول المنطقة العربية وخاصة الخليجية على صهوة الحصان الأمريكي، وقد نجحت خطتها في العراق فلم لا تعيدها في البحرين أو أي دولة خليجية أخرى، فالتمويل أمريكي والدعم والمساندة أمريكية فلم لا يكون الحصان إيرانياً؟
وسواء أدركت أمريكا أم لم تدرك، كان بالاتفاق معها أم كان استغفالاً واستغلالاً لأجندتها، فإن ايران نجحت في اختراق تلك الأجندة وتنفيذ أجندتها بخلق طابور إيراني خامس في الدول الخليجية، خصوصاً البحرين بمساعدة أمريكية، كل ما كان على إيران هو تجهيز أي حصان بحريني وتزويده بمفتاح المغارة ومن ثم إطلاقه ضمن السباق الأمريكي.
وهكذا ما إن ذكرت مجموعات بحرينية كلمة السر (ديمقراطية) حتى فتحت المغارة الأمريكية أبوابها على مصراعيها، فمولت المغارة الأمريكية خيولاً يمسك سرجها السيد خامنئي وأحصنة يمسك سرجها السيستاني، وأحصنة يمسك سرجها مدرسي وأحصنة يمسك سرجها آصفي وكلهم خريجو الإسطبل الإيراني بجدارة!!
فهل كان تواطؤاً إيرانياً أمريكياً؟ أم كان غباء أمريكياً وذكاءً إيرانياً؟ هل نجح العملاء المزدوجون في خداع الأمريكان؟ أم أن الأمريكان يعرفون الخطة ويدعون الغباء، هل من المعقول أن يتكرر السيناريو العراقي الفاشل ديمقراطياً الناجح إيرانياً أمام ناظرهم دون أن ينتبهوا؟
المحصلة النهائية للمغارة المفتوحة هي تمويل الاضطراب والفوضى في الدول العربية وخسارة الأمن والاستقرار وضحايا بالآلاف وموت ودماء وإزهاق أرواح وتقسيم الدول ونزاعات طائفية.
المحصلة النهائية صعود تيارت دينية متشددة وتراجع التيارات المعتدلة والمرأة والمؤسسات المدنية وتهديد للدولة المدنية.
المحصلة النهائية هي أنه آخر شيء ستفكر فيه شعوب هذه المنطقة بعد أن تخسر الأمن والمكتسبات هي الديمقراطية.
في حين كان أكبر المستفيدين من مغارة علي بابا الأمريكية في الخليج هم الإيرانيون!!