بعض الأسماء التي سخرت حياتها لطاعة الله عز وجل وتركت أجمل الأثر بصيتها الجميل وعبادتها الاستثنائية، تظل آثارها في مخيلة الأجيال تتدارس سيرتها وتتعظ من قطوف مسيرتها. هم أولئك الذين سبقونا إلى رياض الرحمن وانتهت حكاية أعمالهم، وباتوا يتنعمون في عالم آخر نجهل صوره، جزاء بما قدموا من خير وفير وطاعة للرحمن الرحيم، فكانوا يستثمرون كل دقائق حياتهم من أجل أن يجملوا ساعة رحيلهم وما بعدها من ساعات عالم البرزخ المجهول.

الحاج خليفة العوضي رحمه الله نموذج من نماذج الخير، رسم صورة جميلة للأخلاق النبيلة وطيبة القلب والعبادة المخلصة، فتداولها كل من عرفه ومن لم يعرفه، وتأثر بسيرته العطرة. حكاية مؤثرة يقدرها المولى الكريم بين الحين والآخر بطلها «خليفة العوضي» ولكن بسطور مختلفة حتى تتعظ نفوسنا الغافلة وتتذكر مصيرها المحتوم، والسيرة النبيلة التي يجب أن تسير عليها حتى تجمل «ساعة الرحيل». لقد سخر الله الكريم الرحيم لخليفة العوضي رحمه الله أجمل الأجواء في ساعة رحيله، في يوم ماطر بارد جميل، ودفن في أرض باردة فالجزاء من جنس العمل. فقد شاهدناه يوماً ما في صلاة الفجر من نافذة مسجد الإيمان في يوم شديد المطر في تلك السنة التي ارتفع فيها منسوب الماء بصورة كبيرة في شوارع البحرين، وهو يخوض الماء المرتفع على الرغم من مرضه بمعية ابنه قاصداً المسجد لأداء صلاة الفجر، حتى رزقه المولى الرحيم برحيل مؤثر في يوم ماطر بارد تستجاب فيه الدعوات، ويقف أهله ومحبوه أمام قبره يدعون له بالثبات والرحمات.

حرص رحمه الله في حياته وصحته وحتى أثناء مرضه وفقدان بصره على ارتياد المسجد والتبكير للصلوات والصلاة في الصف الأول في تلك المساحة الأثيرة إلى قلبه «وراء الإمام مباشرة، والتي فقدته فيها كثيراً بعد أن أثقله المرض وحبسه عن القدوم للمسجد. نعم افتقدته كما افتقدت كل صورة جميلة رسمها «جيل الطيبين» في مسجدنا. وما إن ينتهي من صلاته إلا ويسبح ويهلل ويرفع يديه للدعاء، فلا يترك هذا المنظر بعد كل صلاة.. ثم يمد يده لمصافحتي في المحراب ويمتعني بأحاديثه الجميلة ونصائحه الأبوية.. وأستذكر دعاء كان يردده ويحثنا على تردديه «يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون».. إلى قوله: «وخير أيامي يوم ألقاك فيه». فكان لسانه رطباً بذكر الله تعالى حتى قبل وفاته على فراش المرض، فكان يحفظ أسماء الله الحسنى ويرددها في كل حين، ثباتاً من الله تعالى على الطاعة التي اعتاد عليها.

لقد ترك رحمه الله أثراً جميلاً بقلب طيب نقي هين وافتقده كل أفراد عائلته الطيبة عائلة «العوضي» التي نكن لهم كل حب وتقدير، فهم جيران المسجد ونشأنا معهم منذ نعومة أظفارنا، وتربى أبناؤهم في المسجد على حب كتاب الله. كما كان شديد الحرص على جمع ما يزيد من «الخبز» وبقية أصناف الطعام من الجيران ومن أهل المسجد، ليطعم به الأنعام التي كان يعتني بها. رحمه الله بواسع رحمته وجعل الفردوس الأعلى مآله.

ومضة أمل

قصتنا قصة قصيرة.. اللهم اجعلها من أجمل قصص الخير والاستقامة والسعادة في الدارين.