بدأنا بالأب وحددنا له موعداً للجلسة: دخل علينا مُطأطأ الرأس وقد غمر الخجل وجهه، علامات الكبر بادية على ملامحه ولكن الخجل من العار قد أحنى ظهره، هكذا قد يفعل بنا أبناؤنا بعد سنوات التربية والشقاء ورفع اللقمة من فمنا ووضعها في فمهم قد يُحنون ظهورنا وقد يتسببون بدنو أجلنا، بدأ حديثه بسؤاله لي: ألا يحق لي أن أختار لها الشريك المناسب الذي أضمن أنه لن يكسر قلبها يوماً؟ فأجبته: الخطأ الذي نرتكبه أننا لا نتحاور مع بناتنا، لا نوضح لهن أسباب المنع والرفض والعقاب والثواب، لم نغرس في أذهانهن منذ الصغر حرية إبداء الرأي وحرية التحاور معنا، نخوض الحياة بعرضها وطولها بحثاً عن لقمة العيش لهن، وننسى بأنهن محتاجات للتوجيه والإرشاد منذ الصغر، حتى عندما يصلن لمرحلة النضج وبداية سلكهن لطريقهن الخاص يكنّ جاهزات بما غرسناه فيهن منذ صغرهن.

دخل إخوان البنت بعد جلسة الأب: منذ دخولهم من باب المكتب عرفت مَن مازال الغضب يتملكه ومَن تسلل اللين قلبه، استمعت لكليهما وتركت لهم المجال للبوح بكل مكنونات قلبهم، ما حصل قد أشعل فتيل الغضب في قلبهم، كيف لهم مواجهة الناس، كيف لهم القبول به بعد أن تحداهم وغرر بأختهم، وهم أيضاً سيتحدونه ولن يرتضوا أن يكون الزواج خلاصه من جريمته ولابد له من أن يحصل على عقابه المناسب، كلاهما لم يتزوجا بعد، طرحت سؤالي على الأكثر غضباً فيهم: هل تخوض علاقة عاطفية في الوقت الراهن؟ تردد في الإجابة وأراد التهرّب وقال لا يوجد وجه مقارنة فأنا رجل، قلت له: بكل تأكيد أنت رجل وستخبرني بالمقولة المشهورة المضروبة بأنك حامل لعيبك، والفتاة التي تخوض معها علاقة عاطفية ليس لها أب يخاف عليها، ليس لديها إخوان مثلك يفكرون بنفس تفكيرك؟ ووجهت له سؤال آخر: هل هي بيضاء أم سمراء، طويلة هي أم قصيرة؟ كل ذلك ذوقك واختيارك، كيف تفرض على غيرك الطويل وهي ترغب القصير؟ كيف تفرض لغيرك الأبيض وهي ميّالة للأسمر؟ فالعين أيضاً تعشق قبل القلب ولذلك وِجدت النظرة الشرعية. في النهاية هذا اختيار وذوق ورغبة لدى كل شخص فينا، ما تستحسنه أنت لا يتقبّله غيرك، والأخت ليست أسيرة بل هي إنسان له مشاعر وأحاسيس وذوق خاص بها، ألم تتحدث معها يوماً وتتحاور معها لتعرف ما الذي تخوضه في حياتها؟ هل وجهتها، هل أخبرتها بقصص الشباب وتفننهم في كسر قلوب الفتيات؟ هل أخبرتها أنك تحبها وتتمنى لها ما هو أفضل وأضمن؟ بكل تأكيد الحوار غائب بينكم والمشاعر مفقودة لذلك بحثت عن الأحاسيس في مكان آخر، ولا تخبرني أنها يجب أن تكون آلة ومحرومة من الإحساس أيضاً؟



أما الفتاة فكانت هادئة والخجل قد غمرها من فعلتها، تداركت الموقف وحدثتني قائلة: عندما رفضه والدي حاولت تركه والابتعاد عنه، ولكنني اختنقت من فراقه، أحسست بأنني سأموت بغيابه عن حياتي، هل هذا كما تخبرونني بأنه طيش الشباب؟ أم أنه العشق وقد أردناه بالحلال قبل أن يحصل ما حصل؟ أخبرتها أنها ستحمل هذا العبء مدى حياتها، وهذا الخطأ الذي ارتكبته في صغرها لن يُغفر لها في مجتمعنا حتى تُلف بالكفن وتدخل قبرها، وإن غفر لها الله لن يغفر الناس أبداً، التحدي الذي خاضته مع عائلتها لتكسب فارس أحلامها لم يخرج منه رابح، فكلا الطرفين خاسر.

في النهاية تزوج الشابان في ظروف متوترة وحزينة، أهل الشاب ينظرون للفتاة بريبة، وأهل البنت ينظرون للشاب أيضاً بريبة خوفاً من أن يكون فقط يريد النجاة من العقوبة، وكل ما يسعني قوله هو لا تمارسوا الضغط على بناتكم حتى لا يعتقدن أن الحرية في الزواج، وفارس الأحلام على صهوة جواد أبيض هو المنقذ، انصحهوهن، أرشدوهن ولكن لا تمارسوا عليهن كل أساليب الضغط والجبر، فإن أجبرتموهن سيجبرنكم، ولكن إن هن أجبرنكم سيخجلنكم ويخجلن أنفسهن.

شيخة الرويعي "وسيط قانوني"