يكاد شهر رمضان الفضيل الذي يستعد للرحيل يقترن بالعمل الأدبي الخالد “ألف ليلة وليلة” الذي يبرهن مجددا على أنه “كنز درامي ومعين لا ينضب للإبداع” في العالم قاطبة على مر الأعوام والأجيال واختلاف الألسن واللغات والمناطق.
وكان الشاعر الراحل الكبير طاهر أبو فاشا قد كتب أكثر من 800 حلقة من “ألف ليلة وليلة” بثتها إذاعة البرنامج العام من القاهرة على مدى 26 عاما وما زالت تشكل زادا من الذكريات الرمضانية المبهجة لأجيال عاصرت هذا العمل الإذاعي الخالد منذ ستينيات القرن العشرين والصوت المميز للممثلة الكبيرة زوزو نبيل الذي كان يحلق بالمستمع لعوالم ألف ليلة الساحرة، بحسب وكالة أنباء “الشرق الأوسط”.
ومع عودة ألف ليلة وليلة للدراما التلفزيونية في شهر رمضان الحالي يحق التساؤل :”ما السر في أن ألف ليلة وليلة ما زالت قادرة على إبهار الأجيال الجديدة كما أبهرت الأجيال القديمة وأي خلطة سحرية حققت لها كل هذا التغلغل والإمتاع والإثارة؟!.
فبعد غياب طويل عادت حكايات ألف ليلة وليلة لدراما رمضان هذا العام فيما امتزج عبقها الخالد بأحدث تقنيات الجرافيك ومستحدثات الإبهار البصري على شاشة التلفزيون بل إن مخرج هذا العمل رؤوف عبد العزيز استعان بخبراء تقنيين شاركوا في صنع سلسلة أفلام هاري بوتر الشهيرة.
ويرى الممثل شريف منير الذي تقاسم بطولة ألف ليلة وليلة التلفزيونية الرمضانية هذا العام مع الممثلة نيكول سابا أنه على الرغم من تقديم هذا العمل الخالد في الإذاعة والتلفزيون من قبل فإن الإمكانات التقنية الجديدة يمكن أن تمنح المسلسل الحالي المزيد من الإبهار.
وإذا كانت حكايات ألف ليلة قد قدمت بصيغ متعددة وقوالب مختلفة في الإذاعة والتلفزيون والسينما فإن شريف منير أو “شهريار” في هذا المسلسل لم يجانب الصواب عندما أشار إلى أن حكايات ألف ليلة وليلة قادرة على جذب الصغار والكبار معا فيما أشارت نيكول سابا أو “شهرزاد” للمغزى الأخلاقي لهذا العمل والذي ينبغي توصيله للأجيال الجديدة.
ولئن اتفق العديد من النقاد والدارسين على أن “ألف ليلة وليلة” تشكل ذروة عالية في الخيال الإبداعي وجماليات السرد والتشويق فإن حرص كثير من المشاهدين على متابعة مسلسل ألف ليلة وليلة التلفزيوني في رمضان عام 2015 إنما يبرهن حقا على مدى ثراء هذا العمل الأدبي الخالد الذي تحول “لكنز درامي رمضاني” عابر للأجيال.
والمثير للتأمل أن ألف ليلة وليلة تحولت لظاهرة روائية كونية وهى موضع حفاوة في المركز الغربي والرؤية الأوروبية منذ أن تمكن انطون جالون في بداية القرن ال(18) وهو عصر التنوير من جمع أول مخطوطة كاملة لها من خلال جولاته في بلاد الشرق وأن يقدم ترجمة فرنسية لها بدأت تخرجها المطابع الفرنسية بين عامي 1705 و1712 أي قبل أن تعرف النسخة العربية من ألف ليلة طريقها للمطبعة في العالم العربي بأكثر من قرن وربع.
وهكذا افتتحت ألف ليلة وليلة كما ترجمها انطوان جالون عصر التنوير الأوروبي وهو عصر فولتير 1694-1778 وجان جاك روسو 1712-1778 وديدرو 1713-1748 ومومنتسكيو وغيرهم من رواد التنوير وقد تأثروا جميعا بهذا العمل الذي أهداه انطون جالون 1646-1715 إلى الأدب الفرنسي والآداب العالمية في ترجمة من 12 مجلدا.
أبهرت ألف ليلة وليلة بترجمتها الفرنسية خاصة القراء وعامتهم حتى أن المطابع الفرنسية وقتها عجزت عن أن توفر نسخا لكل الراغبين في الشراء فكانت تلجأ لتأجير النسخة الواحدة بحساب الأيام أو الساعات.
واستمر هذا الإعجاب الفرنسي والأوروبي خلال القرن ال(18) سواء على مستوى الحديث عن المتعة التي يجدها قاريء الليالي حتى إنه ليعيد قراءتها مرات ومرات ويتمنى أحدهم وقد أعادها عشرين مرة أن ينساها لكي يتمتع بقراءتها عشرين مرة أخرى أو على مستوى إدراك الأثر العميق في تغيير النظرة التقليدية لعناصر النفس الإنسانية الفاعلة وموقع عنصر الهوى أو الحب منها والذي كان يقلل الكلاسيكيون من شأنه ويقدمون عليه عنصر العقل ويغض بعض الفلاسفة من قيمته فإذا بشخصية شهرزاد تثبت أنه أقوى عناصر النفس وأنه نجح في إيقاف سفك الدماء الذي لم تنجح فيه سيوف الرجال ولا عضلاتهم وأنه استعان بالحكاية والكلمة لكي يجعلها معادلا للحياة ذاتها.
وبعد ترجمة انطوان جالون انطلقت موجة من الترجمات لألف ليلة في أغلب لغات العالم حتى لم تكد تخلو لغة من اللغات الكبرى أو الصغرى من ترجمة هذا العمل الخالد إليها .. لقد طرحت الدراسات التي انطلقت مع سلفستر دى ساسى منذ بدايات القرن ال(19) مجموعة كبرى من الأسئلة والفروض والأطروحات حول ألف ليلة وتطور مخطوطاتها وتعدد مراحلها من الليالي الهندية إلى الليالي البغدادية إلى الليالي القاهرية.
وكذلك تتبع فترات تدوينها ومحاولة تحديد التاريخ الدقيق لاستقرار النسخة المكتوبة في القاهرة نحو عام 1530 فضلا عن الوقوف أمام مستويات النص النثري بها ومصادر النص الشعرى ودلالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومحاولة القياس الدقيق لنبض العالم الإسلامي خلال المراحل المختلفة التي مرت بها حكايات ألف ليلة وليلة على امتداد أكثر من ستة قرون عاشها النص المفتوح لها حتى استقر بالقاهرة في القرن ال(16).
ومن المشاهد المألوفة في صرح أكاديمي مثل جامعة السوربون والكوليج دى فرانس أن تجد حلقات بحثية حول ألف ليلة وليلة يشارك فيها أساتذة من تخصصات مختلفة يحللون معا حكاية من حكايات ألف ليلة من زوايا متعددة مثل حكاية أبو صير وأبو قير وأن تنساب التآملات العميقة حول الجوانب الحضارية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع العربي الإسلامي.
وأيا كان المقياس الذي يمكن أن يتخذه القاريء أو الدارس معيارا لعظمة عمل أدبي ما فإن ألف ليلة وليلة ستظل في الصدارة بين تلك الأعمال العالمية الكبيرة فيما يتسع المجال الذي يضم قارئيها ليشمل الفيلسوف المتعمق والمؤرخ المدقق وعالم الاجتماع والباحث في تطور اللغة أو في انتقال الأساطير لجانب جمهور عريض من طلاب التسلية أو المتعة وعشاق الرحلة في عالم الجان والخيال والانتقال الميسور في المكان والزمان على أجنحة رخ السندباد أو أشعة مصباح علاء الدين أو الانغماس في صفوف الذين يتبعون علي بابا لاقتحام الكنز الدفين.
ويؤكد كثير من النقاد ومن بينهم عميد الأدب العربي الراحل طه حسين أن أثار ألف ليلة وليلة واضحة في حكايات فولتير سواء على مستوى المادة الخام أو التقنيات الروائية .. فقد مر فولتير بمرحلة في حياته قرأ فيها ترجمة ألف ليلة وليلة فشاقته وراقته ووجهته لدراسة أمور الشرق فغرق في هذه الدراسة إلى أذنيه وأخرج إلى الناس قصصا شرقية بارعة كثيرة.
وهناك كتاب جديد لمارينا وارنر بعنوان “سحر غريب” عن ألف ليلة وليلة الساحرة الخالدة في الشرق والغرب معا فيما تقول المؤلفة إن هذا العمل الفاتن عبر التاريخ والأجيال يثبت أن الفن قادر على رد الموت وأن السرد المبدع يعادل الحياة في مواجهة الشرور وإزهاق أرواح البشر.
وبدا الكتاب الجديد الذي يقع في 436 صفحة وكأنه تشريح منهجي معرفي لألف ليلة وليلة فيما تلفت مارينا وارنر إلى أن ألف ليلة وليلة هى” حكايات داخل الحكايات وحكايات عن الحكايات” بما يتجاوز التسلية البسيطة أو السطحية ومن ثم فالليالي بحاجة لقراءة واعية.
ومن أول وهلة يلحظ القاريء مدى الاتقان في هذا الكتاب حيث عمدت المؤلفة للشرح المضيء مع المعلومات الغزيرة والهوامش التي تخدم المتن دون أن تشوش عليه فضلا عن تنوع المصادر وتعدد المراجع التي استعانت بها في حديثها عن السحر الغريب لألف ليلة وليلة.
ومع أن الروايات الشفاهية عن ألف ليلة وليلة تسربت رويدا رويدا لأوروبا عبر حقب طويلة ومنذ زمن بعيد وتجلت مؤثراتها في أعمال عمالقة الفلسفة والفن والأدب الأوروبي مثل دانتى وشكسبير إلا إنها باتت جزءا من التيار الرئيسي للثقافة الأدبية والشعبية الأوروبية في القرن ال(18) بفضل ترجمتها للفرنسية على يد انطونيو جالاند.
وهكذا عرف الأوروبيون علاء الدين ومصباحه السحري وعلي بابا وال40 حرامي وراحوا يتناقلون حكايات ألف ليلة وليلة بانبهار وشغف فيما لا تستبعد مارينا وارنر أن يكون المترجم الفرنسي جالاند قد استحدث بعض التعديلات والإضافات أثناء ترجمته لهذا العمل الخالد وتبدو مستحسنة لهذا التوجه في الترجمة.
غير أن المقولة التي قد تكون جديرة بالاستحسان والموافقة في هذا الكتاب الجديد أن مارينا وارنر اعتبرت ألف ليلة وليلة في رحلتها بين الشرق والغرب مثال جيد للحوار والتفاعل بين الحضارات مؤكدة أن الليالي بقت كقوة غامضة تفعل أفاعيلها الإبداعية في الثقافة المعاصرة.
ولم تخف مارينا وارنر تأثرها بأفكار المفكر الراحل ادوارد سعيد عن أهمية التلاقح والتفاعل الثقافي بين الحضارات بدلا من الهيمنة الغربية على بقية شعوب العالم منوهة بأن ألف ليلة وليلة تثبت أنه إذا كانت السياسة تفرق بين الشعوب المنتمية لحضارات مختلفة فإن الأدب والفن والفلسفة التي لا تعرف الحدود والقيود قادرة على تحقيق التواصل الإيجابي بين الشرق والغرب.
وفي مقابل الأفكار الإنسانية للراحل والأستاذ المرموق في جامعة كولومبيا إدوارد سعيد كان هناك جيل من المستشرقين في الغرب لم يكف عن محاولة فهم الشرق ليس من أجل تعزيز الحوار والتفاعل الإنساني وإنما من أجل تكريس الهيمنة الغربية كما تلاحظ مؤلفة الكتاب وبحيث تتحول ثقافة مثل الثقافة العربية لساحة تغزوها الثقافة الغربية أو تتحول في أفضل الأحوال لمادة غرائبية لتسلية الأوروبيين.
وتعيد مارينا وارنر للأذهان في كتابها “سحر غريب” أن ألف ليلة وليلة ترجمت من العربية للفرنسية في عصر التنوير أو الأنوار الأوروبي، موضحة أن الاستنارة شرط للحوار والتفاعل الإيجابي بين الحضارات والثقافات المختلفة.
ومن طرائف الاكتشافات في هذا الكتاب الجديد ما تؤكده المؤلفة من أن بعض المناطق في المشرق العربي كانت تسلم في القرن ال(14) بمسألة زواج الإنس والجان بل إن الأمر وصل لحد تقنين هذه الزيجات.
وخصصت مارينا وارنر حيزا في كتابها لمناقشة قضية علاقة الإنسان بالجماد كما تضمنتها ألف ليلة وليلة من بساط الريح لمصباح علاء الدين وهى قضية راسخة في الذهن الإنساني ولعلها تتجلى بوضوح في الرسوم المتحركة كفن معاصر بل أن النظرة المتمعنة تكشف عن تأثير كبير لألف ليلة وليلة على هذا الفن المعاصر.
وإذا كانت شهرزاد قد اختارت أن تحكي كل ليلة حكاية لشهريار فداء لروحها المعلقة بكلمة منه فإنها أهدت البشرية كلها فنا خالدا وحكايات ما زالت تبهر الشرق والغرب معا.
وقد سبق وأن تساءل الباحث الأيرلندي تيم سيفرن حول حكايات السندباد البحري ورحلاته السبع وما إذا كانت كلها من نسج الخيال أو أنها يمكن أن يكون ورائها لون من ألوان المعرفة الواسعة من أسرار بحار العالم من جانب الإمبراطورية الإسلامية ولون من الاهتمام الذي نسميه الآن بالأمن القومي الواسع المدى تحرص من خلاله عاصمة الإمبراطورية في بغداد.
ولم يكن بمقدور الكاتب الإيطالي الكبير ايتالو كالفينو أن يقاوم سحر ألف ليلة وليلة وهو يبدع روايته الخالدة “لو أن مسافرا في ليلة شتاء” ومن ثم فقد تضمنت هذه الرواية التي توصف “برواية الروايات” حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة وعصر هارون الرشيد وإشارات دالة حول مقارنات بين الطبعات المختلفة لهذا العمل الأدبي الساحر.
لكن اللافت أن بعض المثقفين المصريين والعرب يتمنعون عن كشف مشاعرهم الحميمة حيال ألف ليلة وكأنها ستنال من ثقافتهم الرفيعة المستوى!.. وفي المقابل ستجد الباحثين الأجانب يضيفون أفكارا ويطورون مفاهيم حول ألف ليلة ومن واقع تأملاتهم بين طيات وثنايا المبنى والمعنى في هذا العمل الأدبي الخالد.
ويذهب باحثون إلى أن الليالي المصرية تشكل من ناحية الترتيب التاريخي المرحلة الأخيرة الأكثر نضجا والتي تمتد خيوطها بالضرورة في المراحل السابقة ولا تنفصل عنها.
وستستمر التساؤلات حول أسرار العبقرية الفنية للراوي المصري المجهول الذي صاغ حكايات مثل أبو صير وأبو قير ودليلة المحتالة وزينب النصابة ومعروف الإسكافي والصعيدي وزوجته الإفرنجية ومريم الزنارية وعلاء الدين أبو الشامات والملك النعمان وابنه الأمير شركان وغيرها من الحكايات التي يتم نسج الخيوط فيها على يد حكاء ماهر محترف مجهول صنع حكايات تأخذ بالألباب وتغري السمار في حلقة الراوي بالعودة إليها في الليلة التالية.
ومع الثراء الجمالي للشكل والمزج بين بساطة الواقعية السحرية وحيل الإبهار الخارقة حسب طبيعة الموقف فإن المضامين تشف عند التأمل في خصائص هامة في بنية مجتمعات ما زلنا نعيش امتداداتها وظواهر ربما لو خضعت لتأملات المتخصصين في شتى فروع المعرفة لوجدنا في بعضها إشارات لكثير من مشاكلنا المعاصرة.
وهل يمكن لحكاية دليلة المحتالة إلا أن تكون تجسيدا لصراعات السلطة وتعدد أنواع ذلك الصراع بين سلطة الحاضر وبقايا سلطة الماضي والقوة الناعمة الخفية والقوة الخشنة الظاهرة وهل يمكن ونحن نتأمل صورة الفرنجة في أدب عصر الحروب الصليبية من خلال ألف ليلة وليلة عبر حكاية الملك النعمان مثلا أن نغفل صور الأمراء والقادة وهم يرتمون في أحضان الشهوات ويغلبون مصالحهم على المصالح العامة وما يترتب على ذلك من أثار مدمرة؟..
بينما نرى في المقابل عنصر المرأة الإفرنجية في صورتها الإيجابية مقاتلة شجاعة أو مخططة أو جاسوسة ناجحة في خدمة أهداف أمتها وهى تلعب دورا هاما في إحداث النصر لفريقها مقابل الاختفاء الكامل لدور المرأة العربية في حلبة الصراع بالمعنى الإيجابي؟ والتصوير الكاريكاتوري لبعض الشبان العشاق عندنا والذين لا يرون في المرأة الإفرنجية إلا صيدا جسديا سهلا فيفاجأون بأنها أصلب منهم حتى في ميدان الفروسية والقتال؟.
إن الجوانب الثرية في ألف ليلة لاحدود لها وهى تتضاعف عندما نتأملها منطلقين من داخل العمل إلى خارجه ومن مثله إلى إشعاعاته وهو ما يحدث غالبا في كثير من الدراسات الأجنبية التي تدور حول الليالي لكن هذا الثراء قد يتوارى بدرجة أو بأخرى إذا اتبعنا المنهج العكسي فنظرنا إلى العمل من خارجه وتحاورنا حوله وليس من خلاله وهو ما يحدث لدينا كثيرا عندما تثور معارك حول ألف ليلة وليلة مطالبة بالحظر أو بالإباحة أو التحريم أو التجريم أو الدخول في دائرة الحريات ومقتضياتها.
وقد يكون كثير من المتحاورين من لم يجد الوقت الكافي للعكوف على العمل ذاته وهى طريقة مؤسفة شاعت في حياتنا الثقافية وتطفح بأسئلة ساذجة مثل :مع أي فريق أنت؟ وهل توافق أو تعارض؟!.
وإذا كانت هذه الطريقة قد أفرزت ظواهر عجيبة مثل اتهام ألف ليلة وليلة بأنها تخدش الحياء فإن من يجد وقتا لمتعة التآمل في عمل كهذا سيجد أنه يصدر عن احترام فطري بسيط لكل ما تدعو إليه الأديان بل إنه يعمم فلا يجعل هذا واجب الإنسان وحده بل يتعداه إلى جميع المخلوقات من إنس وجان وطير وحيوان ويرتفع به إلى أفاق السماء ويهبط به إلى قاع البحر.
وهناك عشرات الأمثلة للخيرين من الجن والصالحين من الأسماك وحتى داخل الديانات في عالم الإنسان هناك احترام لعقائد كل الأديان مما يجعل ألف ليلة وليلة أبعد ما تكون عن اتهامات يرددها البعض دون معرفة كافية ووعي ثقافي بطبيعة هذا العمل الأدبي الخالد.
إذا كان الأمر كذلك فهل يمكن تطوير مفهوم للحداثة الشرقية يدخل فيها عنصر الواقعية السحرية كما تجسده ألف ليلة ؟!..كان عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ينادي بأن الحداثة تشبه شجرة لها فرعان :فرع غربي يعتمد على ما توصل إليه الغرب وفرع شرقي يعتمد على تراثنا وحضارتنا وهكذا بالنسبة له يمكن أن توجد حداثة شرقية فالحل ليس في الابتعاد عن الغرب أو تقليده ولكن في المزج بين مالدينا وهو عظيم وما أنجزه العالم وهو كثير !.