كتب – جعفر الديري: دعا ناشطون بحرينيون في مجال الثقافة والإبداع؛ الدولة إلى تبني استراتيجية واضحة لصناعة الكتاب؛ أسوة بما يحدث في الدول الغربية والمتقدمة. وانتهزوا فرصة احتفال اليونسكو باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف؛ لدعوة القطاع الخاص للتشجيع على الفعل الثقافي، لافتين إلى أهمية الثقافة باعتبارها حالة إنسانية تقفز بالوعي، وفعلاً اقتصادياً؛ يمكّن من انتشارها، إذا تم تبنيه بشكل صحيح. وفيما قالت الروائية فوزية رشيد إن مملكة البحرين، ومنذ آلاف السنين؛ بلد الانفتاح والتعايش، وهي ضدّ أي انغلاق أو أي شيء يمنع التطور، تستقطب ما في صالحها من روح، وأكّدت أن كل ما في صالح الناس سيترسخ في الواقع البحريني؛ دعا السينارست أمين صالح وزارة الثقافة إلى مزيد من الاهتمام بالمبدعين؛ خصوصاً السينمائيين الشباب؛ الذين يثبتون يوماً بعد يوم جدارتهم بتحقيق سينما بحرينية متفوقة؛ مشيراً إلى الأفلام القصيرة التي لفتت الأنظار خلال مشاركتهم مؤخراً في مهرجان الخليج السينمائي. فيما أشاد الكاتب عبدالقادر عقيل؛ بمشروعي “الإصدار الأول” و«الكتاب المشترك”، اللذين تتبناهما وزارة الثقافة، مؤكداً أن هذين المشروعان؛ استطاعا تقليص مسافات واسعة أمام الكاتب، كان يقطعها في سبيل الإصدار. دور مساند للنت تساءلت الروائية فوزية رشيد: ربما تراجعت وسائل النشر التقليدية، ولم يعد الناس يقبلون على الكتاب المطبوع. لكن هل يعني ذلك تراجع الكتاب؟! لافتة إلى أن الكتاب ينشر اليوم على النت، وهناك إقبال على اقتناء الكتاب عبره، وبإمكانك أن تطلب الكتاب عن طريقه. وأكدت أن قيمة الكتاب ستبقى؛ وأن المنافسة التي تقوم بها وسائل أخرى إلى جانب النشر التقليدي تخدم الكتاب، ولا تتراجع به، وحتى مع النشر الإلكتروني؛ سيظل الكتاب وراءه مبدع ومؤلف ينشر. ولفتت رشيد بشأن قياس تطور أو تراجع الكتاب، إلى أهمية تضمين الإحصائية، جميع وسائل النشر وليس الكتاب المطبوع وحسب، مشيرة إلى أنها لا تشتري الصحف بالشكل التقليدي، إنما تقرأها عن طريق النت. وكذلك تقرأ مواقع الجمعيات والمؤسسات المدنية الثقافية؛ التي تنشر وتضع الإعلانات، وتتيح سهولة قراءتها. وبينت رشيد أن الوطن العربي يعاني بشكل عام من محدودية القراءة بالنسبة للكتب، بسبب معوقات كثيرة، لافتة إلى أن مملكة البحرين جزء من الحراك العالمي، وما يحدث في العالم ينعكس عليها، ومنها تعدد وسائل النشر. على عكس الدول الغربية، التي توجد فيها صناعة قائمة بنشر الكتاب. التركيز لا يطال المثقف وشددت رشيد على أهمية وجود صناعة لنشر الكتاب البحريني، ففي البحرين لا يتم التركيز على دور المثقف أو النتاج الإبداعي بالشكل المطلوب، يوجب اعتباره مادة يومية. كما إنّ الوعي بالكتاب وبالمبدع؛ ليس كافياً إذا قسناه في الدول الغربية أو في الدول المتطورة من حيث الاهتمام به، مضيفة: إنك لتجد هناك ربطاً بين أفكار الكتّاب وصناعة القرار السياسي، وتجد استراتيجيات سياسية تبنى على أفكار أو رؤى أو خيالات كتاب. وتجد تماساً بين السياسة والثقافة أو المثقف. لكن المثقف البحريني والعربي بشكل عام لا توجد لديه إمكانية لفعل ذلك، لأنه لا ريع له من بيع الكتاب. كما إنه يعمل بوظيفة أخرى، فليس لديه اعتماد كلي على الكتاب. وطالبت رشيد القطاع الخاص بتشجيع الفعل الثقافي، مبينة أن الثقافة توحد البشر، وهي حالة إنسانية تقفز بالوعي، والعقل الثقافي والإبداعي والفني هو تجليات تجمع الناس وتوحدهم وترتقي بهم وبوعهم، وبالتالي هي نوع من التحدي، وفعل اقتصادي يمكن من انتشار الثقافة إذا تم تبنيه بشكل صحيح. وأوضحت رشيد أن مملكة البحرين، ومنذ آلاف السنين، منفتحة ومتسامحة يعيش أهلها في ألفة، وهي ضد أي انغلاق أو أي شيء يمنع التطور، وتسعى لترسيخ كل ما في صالح الناس في واقعها المعاش، مردفة: لقد كنا متعايشين، ومتطلعين دائماً للبناء. ربما تختلف الرؤى، لكن البحرين تستقطب ما في صالها من روح، فالأوطان ليست مجرد مبان. ومهما حدث في البحرين ومهما اشتدت الأزمات، سرعان ما ترجع روح الأم في البحرين وتبث كل ما هو إيجابي. المبيعات قائمة في أوروبا ومن جهته قال السيناريست أمين صالح إن الوضع العام في العالم؛ يدل على تراجع الكتاب، لكن هذا لا يدل على أن هذا ليس وقت الكتاب، مشيراً إلى أن صناعة الكتب في أوروبا لاتزال تحقق مبيعات، ولاتزال سوق الكتب منتعشة، كما إن المهرجانات والأمسيات الأدبية لاتزال تقام في كثير من الدول، وجميعها مؤشرات على أن الكتاب لازال يحظى بمكانته وإن بدرجة أقل. ولفت إلى وجود اهتمام بالكتاب الورقي؛ لكن ليس بالدرجة المطلوبة، بدليل تفاوت حجم الجمهور في معارض الكتاب، منبهاً إلى تأثير الأوضاع الاقتصادية؛ التي لا تترك متسعاً لشراء الكتب، اللهم إلا لكتب معينة محدودة.
وأكد صالح أنه عند المقارنة بين جيله وهذا الجيل، سنجد فرقاً واضحاً، مبيناً أن عادة الاحتفاظ بالكتب المتنوعة لم تعد قائمة، وإنما هناك تخصص في شراء كتب معينة. إلى جانب أن عادة الاحتفاظ بالكتب لم تعد ذات أهمية، حتى بالنسبة لأصحاب المكتبات الخاصة. وحتى القصص والروايات التي يقرأها جيله يجتازونها إلى غيرها؛ ولا يحتفظون بها. لذلك يصعب في رأيه تحديد هل سيستمر الكتاب الورقي أم سينتهي؟! مشيراً إلى خطأ من توقّع تخلي الصحافة الورقية عن مكانها للصحافة الإلكترونية. العودة إلى الرواية وبين صالح أن عودة السينما للرواية المكتوبة بين حين وآخر؛ يدل على حاجتها للكتاب، معللاً ذلك؛ بالطبيعة الإنسانية التي تحب السرد. وهي رغبة تعيش مع المشاهد منذ الطفولة، حين يسهر الناس مجتعين حول الراوي يقص عليهم المواعظ على شكل قصص. وهي رغبة لا يعتقد أنها ستنتهي، مبيناً صالح أن حتى الأفلام عبارة عن قصص تعتمد على السرد، فحب السرد يظل مع الإنسان لأنها رغبة متصلة في داخل النفس، وحتى الإشاعة عبارة عن قصص، إلى جانب أن الإنسان بطبيعته ملول لا يستقر على حال معينة. ونجده يحب التنويع في القصص والأفلام، مبيناً أنه أمر لاحظه المهتمون ليس في العالم العربي وحسب؛ بل في هوليوود؛ حيث يحن الناس لأفلام الخمسينات والستيات. ما دفع إلى تخصص فضائيات لعرض الأفلام القديمة، موضحاً أنها موجات متتابعة؛ إذ تأتي موجة أفلام الرعب وبعد الملل منها تأتي موجة الرومانسية، لتبدأ بعدها موجة أخرى. فهي إذن حلقة دائرية، مثل موضة الملابس؛ لأن الإنسان بطبيعته لا يستقر على شيء، لذلك يصعب أن نتنبأ بأن العقد المقبل سيكون عصر الصورة. حفل تدشين من ناحيته لفت الكاتب عبدالقدر عقيل؛ إلى أهمية مشروعي وزارة الثقافة “الإصدار الأول”، و«النشر المشترك”؛ حيث لا يتم طباعة الكتاب وحسب؛ بل يتم الاحتفاء بالكتاب، إذ أصبح تقليداً متبعاً، حيث يتم تدشين الكتاب بحضور الجمهور ومناقشة الكاتب، مبيناً أن وزارة الثقافة؛ رغم أنها ليست متفرّغة لهذا الأمر وحسب، إلا أنها تقدم للمؤلفين ما يمكن من مساعدة، وتسعى لتقديم الأفضل، إلى جانب مؤسسات أخرى. وأكد أن واقع النشر تغير عن الأمس، فواقع جيل اليوم لا يمكن مقارنته بما كان قبل عقدين؛ حيث الصعوبة المالية وصعوبة التوزيع والإخراج، في مقابل أمور كثيرة تيسرت، مشيراً إلى أن جيله كان يطبع في أسرة الأدباء والكتاب على طريقة التصوير، ثم يتم جمع الورق؛ وعمل أمور معقدة، الفارق كبير بينها وبين المتاح اليوم؛ بفعل أمور كثيرة؛ منها الفيس بوك، حيث المجال مفتوح للنشر دون تحفظ. حتى في موضوع الرقابة. الإبداع يفرض نفسه وقال عقيل إن شكوى الكتّاب الدائم لا مبرر له؛ نظراً لأن الإبداع يفرض نفسه، والكاتب عندما يتسلم 500 نسخة مثلاً يعلم أنه لا يريد النشر من أجل المال. فهو يعلم أن الكتاب ليس سلعة وليس مجالاً للتجارة؛ لكنه يغفل عن السر ليس في الكتاب بل في صناعته. ففي الغرب صناعة للكتاب. لذلك نجد الكاتب لدينا لا يطبع سوى 3000 نسخة في أحسن الأحوال، لأنه لم يدخل كصناعة. بينما في تلك الدول نجد دار النشر تطلب من الكاتب الترويج لكتابه. وأكد عقيل أن فكرة أن يقوم المبدعون والكتّاب بإنشاء دار نشر خاصة بهم؛ طرح غير واقعي، مبيناً أن النشر ليس من مهمة المبدع، فدوره يقتصر على الإبداع، متسائلاً: كم ستصمد دار النشر؟! لقد حاول مثقفون إنشاء مثل هذه الدور، لكنهم لم يستمروا.