قالت رئيس وحدة المؤيد لعلاج وزراعة الكلى الدكتورة سمية الغريب إن قضية تجارة الأعضاء البشرية، وخصوصاً شراء الكلى من الدول الفقيرة أصبحت قضية كبيرة ومقلقة وخطيرة على مستوى دول الخليج ومن بينها مملكة البحرين، حيث سجلت البحرين شراء 123 كلى من الخارج، توفي منها 26 حالة نتيجة عدة أسباب يأتي في مقدمتها الالتهابات ويليها التسمم في الدم، وكذلك الرفض الحاد، فضلاً عن أسباب أخرى متعددة منها الفشل الكبدي نتيجة التهاب الكبد الوبائي، وكل تلك الأسباب تحدث نتيجة زراعة الكلى في ظل أجواء غير صحية وغير قانونية في تلك البلدان؛ تقودها مافيا الاتجار بالأعضاء البشرية رغبةً في كسب المال دون أدنى مراعاة لصحة أو حياة المتبرع أو المتبرع إليه.
وأفادت الدكتورة الغريب بأن وزارة الصحة في مملكة البحرين سجلت 123 مريضاً بالفشل الكلوي قاموا بشراء الكلى من خارج البحرين، منها 36 من الفلبين، و31 من إيران، و20 من باكستان، و15 من الهند، و12 من مصر، و7 من العراق، وواحدة من سوريا، وواحدة من بنغلاديش، لافتةً إلى أن 26 شخصاً من بين هؤلاء الذين قاموا بزراعة الكلى في الخارج قد توفوا ولقوا حتفهم، حيث أن غالبية الذين يزرعون الكلى في الخارج يصابون بمضاعفات شديدة ينقلون على ضوئها إلى المستشفى في حالة صحية سيئة جداً نتيجة آثار العملية التي أجريت لهم دون أي غطاء قانوني أو شرعي، وتابعت: "إن أكثر المضاعفات التي يعاني منها المرضى الذين قاموا بزراعة الكلى خارج البحرين تتمثل في التهابات أماكن العملية الجراحية، وحالات التسمم في الدم، وانفتاح الجروح وعدم التئامها لسوء وسرعة إجراء العملية الجراحية للتغطية على آثار العملية التي أجريت بعدم شرعية، وكذلك نقل الأمراض المعدية مثل التهاب الكبد الوبائي، والإيدز، والملاريا، والدرن "السل"، والكثير من الأمراض المعدية غيرها، بالإضافة إلى حالات الرفض الحادة نتيجة عدم تطابق الأنسجة، حيث قد تنتهي كل هذه المضاعفات بوفاة الشخص الزارع للكلى.
وتتوقع الدكتورة الغريب أن عدد حالات الاتجار بالأعضاء البشرية قد زاد مؤخراً، إلا إنه لا يمكن الوصول إلى المعلومات الحقيقية عن هذا العدد وذلك لمجموعة أسباب تتمثل في الطبيعة السرية التي تتم فيها عملية التوسط في النقل من خلال الشبكات الإجرامية المنظمة، والأوضاع الاقتصادية المتردية وارتفاع نسبة البطالة في كثير من الدول، والثغرات التشريعية في القوانين الوضعية حيث يتم تأمين وصول المتبرع إلى مكان إجراء الجراحة باعتباره سائحاً، فضلاً عن عدم وجود تشريعات تلزم المستشفيات تقديم إحصائيات عن عمليات نقل الأعضاء البشرية التي تتم فيها سواء من حيث النوعية أو العدد، وحرص المتلقي على إتمام الصفقة بصفة سرية لإنقاذ حياته من الهلاك، وامتناع بعض الحكومات عن حظر عمليات نقل الأعضاء أو التبرع بها حتى لا يكون للحظر نتائج عكسية على عمليات نقل الأعضاء التي قد تنقذ حياة المرضى أو تسهم في زيادة التقدم العلمي، لافتةً إلى أنه من الصعوبة بمكان تحديد حجم ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية بشكل دقيق، نظراً الى ما يكتنف هذا الموضوع من مشقة في بيان محدداته باعتباره من الموضوعات الغامضة والتي تحتاج إلى البيانات والإحصاءات الواضحة.
وأشارت الغريب إلى وجود "مافيا" في بعض البلدان اتخذت من آلام الناس وأمراضهم وسيلة لتحقيق الأرباح عبر التجارة بالأعضاء البشرية، فمقابل إنسان يتألم من المرض ثمة آخرون يتألمون من الفقر والجوع والتشرّد، وتقوم هذه المافيات المجرمة بأخذ العضو البشري من المحتاج للمال لتعطيه المريض المحتاج لهذا العضو محققة بذلك أرباحاً خيالية، رغم أن تجارة الأعضاء البشرية جريمة تعاقب عليها القوانين العالمية والمحلية، وتحرّمها الأديان، لكنّ المجرمين الذين همهم كسب المال الحرام كثيرون، وكذلك الضحايا من المحتاجين للمال والمحتاجين لزراعة الأعضاء كثيرون أيضاً، حيث تقوم هذه المافيا بتسهيل عملية الاتجار بالأعضاء البشرية تعمل على دراسة الوضع والبحث عن الأعضاء من المحتاجين والاتجار بها على مستوى دولي. وأضافت: "في البداية عن شراء الكلى تقوم المافيا "الوسيط" بأخذ المريض "الضحية" إلى احدى الدول التي تكون فيها الاتجار بزراعة الأعضاء نشطة، ويتم هناك البيع بالخفاء بحيث تؤخذ الكلى من المحتاج "المتبرع" وتزرع للمريض من غير الدراية الكافية بكفاءته الصحية وخلوه من الأمراض المعدية، وبعد إجراء العملية مباشرة يتم إرسال المريض إلى بلده للتخلص من آثار العملية التي تم اجراؤها من غير غطاء شرعي أو قانوني".
وأكدت الدكتورة الغريب أن بيع العضو البشري باطل قانونًا، ويعتبر بيع الكلى أو أي عضو بشري آخر، عملاً غير أخلاقي يرفضه الوجدان العام مهما كانت دوافعه، حيث يحوّل الإنسان إلى سلعة تجارية تخضع لسوق العرض والطلب، وهذا ما لا يجوز دينياً وأخلاقياً وقانونياً في حال كان الغرض منه البيع والشراء والحصول على المال، أما التبرّع بدون مقابل فلا يُعد من أعمال التجارة في الأنسجة أو الأعضاء البشرية، بل يُعتبر من الأعمال الخيّرة ذات الدوافع النبيلة التي تُساهم في إنقاذ حياة إنسان آخر. وقالت الدكتورة الغريب : "لا يخفى أن منظمة الصحة العالمية وجمعيات الكلى في الدول الأوروبية والأمريكية وفي العالم المتحضر؛ تسعى جاهدة لوضع حد لهذا العمل غير الإنساني الذي يستغل حاجة الناس المادية لبيع أعضائهم، كما أن جمعيات الكلى في الدول العربية، ومن خلال مسؤولية التوعية المجتمعية، بدأت تأخذ خطوات حثيثة توعوياً لوقف عملية الاتجار بالأعضاء البشرية، خصوصاً مع الاحصاءات التي تتحدث عن المضاعفات الناجمة عن زراعة الأعضاء".
وحول سبب طرح هذا الموضوع وإثارته الآن، أوضحت الدكتور سمية الغريب أنه أجج مشاعرها كرئيس قسم علاج وزراعة الكلى وفاة الضحية رقم 26 في مملكة البحرين بسبب زراعة كلى في الخارج، وذلك يوم "السبت" الموافق 27 يونيو 2015م، متسائلة: إلى متى ننتظر المزيد من الضحايا دون إثارة هذه القضية المهمة؟ وتابعت: "كرؤيا عامة للوضع، وأنا كمسؤول بصفة خاصة أرى أن الوضع خطير ويجب على الأطباء والمسؤولين والمجتمع ككل الوقوف وقفة جادة، فمرضى السكري والضغط في البحرين المعرضون للفشل الكلوي كثيرون، ومرض أكياس الكلى المتعددة والأمراض الوراثية منتشرة في مجتمعنا وخصوصاً بين الأقارب، لذا ينبغي عدم الاعتماد على التبرع بالكلى من الأقارب فقط لوجود أمراض وراثية تمنع هذا التبرع، وعليه هناك حلين لا ثالث لهما ، يتمثل الأول في أن يعي المجتمع خطورة الوضع وعلى كل فرد في مجتمعنا الصغير هذا وفي البحرين التوقيع بإقرار عدم الممانعة بأن يتبرع بأعضائه في حال وفاته لمساعدة أهله وبلده، ولن يتم هذا إلا من خلال ثورة اجتماعية لتصحيح هذا الخمول والتهاون في هذه القضية المهمة. أما الحل الثاني فيتمثل في قيام كل من المسؤولين عن التشريع في حكومة مملكة البحرين ووزارة الصحة والمستشارين القانونين بصفة خاصة، وهؤلاء إلى جانب رجال القانون والدين في المملكة بالحث على عملية التبرع بالأعضاء من غير الأقارب، وسن القوانين الشرعية الواضحة والتي تنظم هذه العملية من جميع النواحي أخلاقية كانت أم طبية، وتقع على عاتقهم أيضاً إنعاش زراعة الأعضاء من المتوفين دماغياً بعد تقنين ودعم ثقافة توقيع بطاقة التبرع عند المواطن البحريني أثناء حياته فيساهم عمله هذا بتخفيف معاناة وألم مريض الفشل الكلوي وينقذ حياته وكذلك الآخرين أمثاله في بلدنا الحبيب.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}