كتب ـ علي الشرقاوي:
يقول الشاعر الإماراتي سلطان العويس ابن الطواش المشهور، إن الشعر يخاطب الروح وينتقل للقارئ دون وسيط ويجلس هناك في أعماقه، بينما الرواية في واقعها قصص يسرد كتابها بعض أحداثها كقصص الجدات.
ويرى الشاعر الراحل في مقابلة متخيلة مع «الوطن»، أن البيئة لا تخلق شاعراً دون وجود الموهبة، قبل أن يتابع «الشعر كالشباب لكن الأخير يغادرنا دون استئذان ونحن منهمكون بالعمل».
*العالم الذي نعيش ما عاد كالأول، إنسان عصر الكمبيوتر والإنترنت وثورة الاتصالات لم يعد يهتم بالشعر كما كان سابقاً.
الشعر كان ديوان العرب وسيبقى ديوان العرب.
*مع موجة التطورات الهائلة في السنوات الخمسين الأخيرة، بدأ الناس يتجهون إلى الرواية أكثر من الشعر.
الرواية في واقعها ليست إلا قصصاً يحاول كتابها أن يقصوا علينا بعض أحداثها، بالضبط كما جداتنا تقص علينا القصص، سواء كانت هذه القصص واقعية معاشة أو من وحي الخيال.
أما الشعر فهو يخاطب المشاعر، يخاطب الروح، لذلك قيل إن الشعر هو روح تنتقل من الشاعر إلى القارئ دون وسيط، و تجلس هناك في أقصى أعماق المتلقي.
*هل تقول هذا الكلام لأن الشعر في قلبك وأحاسيسك يتغلب على الرواية؟
لا.. كلامي هذا مبني على قراءة واطلاع لكل ما يجري في الساحة الثقافية العربية والعالمية، لكل من الفنون قراؤه، وإذا كنت تتصور أن الرواية تحولت إلى ديوان العرب، لأنها تقرأ أكثر من الشعر، فإني من هذا المنطلق أقول إن المسلسلات الدرامية التلفزيونية هي ديوان العرب، لأن مشاهديها بالملايين.
*نعرف أن سلطان بن علي العويس ولد عام 1925 ولكن أين؟
في إحدى حارات بلدة الحيرة بإمارة الشارقة.
*هل يمكن أن تعطينا نبذة مختصرة عن أسرتك؟
الأسرة التي اأتمي إليها أسرة عرفت بحبها للأدب والثقافة، وبرز بينهم عدد من الشعراء والباحثين والأدباء، أشهرهم الشاعر سالم بن علي العويس، والمؤرخ عمران العويس، والأديب أحمد علي العويس.
*بهذا المعنى فإن الأجواء المحيطة بك كانت مهيئة لتكون شاعراً.
قبل أن تكون الأجواء والبيئة لابد من وجود الموهبة، لأن البيئة دون الموهبة لا يمكن أن تصنع شاعراً.
*المهم نشأت في بيئة أدبية.
ونهلت من معين الأدب، ما أهلني أن أكتب ما يسمى بالشعر، أو كلام يحاول أن يوصل إحساس ومشاعر إنسان إلى إنسان آخر وإن اختلف معه في المكان والزمان.
ويكفي أن هذا الشعر ربطني بعلاقات صداقة مع كثير من الشعراء والأدباء المعروفين في العالم العربي، بل وتبادلت معهم القصائد والإهداءات، إضافة إلى الزيارات للتواصل مع هؤلاء الأصدقاء، أو استقبالي لهم في بيتي المفتوح دائماً وأبداً لعشاق الشعر ومتذوقي الأدب.
*هل تحدثنا عن الشارقة؟
الشارقة إحدى الإمارات السبع المكونة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهي ثالث أكبر إمارة من حيث المساحة، ويتبع الإمارة على الساحل الشرقي على خليج عمان 3 مناطق هي كلباء وخور فكان ودبا الحصن.
*في تصورك متى بدأ تأسيس الشارقة كمكان قائم بذاته؟

يقول المؤرخون إن تأسيس إمارة الشارقة يعود إلى 6 آلاف سنة، ويعتقد أنه كان يطلق عليها في ذلك الوقت اسم «ساركوا».
*ماذا كان عمل أهل الشارقة في المرحلة القديمة؟
كان عدد سكان إمارة الشارقة قليلاً، ويعتمدون على التجارة والملاحة والزراعة والصيد والقنص واستخراج اللؤلؤ، وكانت معظم التجمعات السكانية تستقر حول «الفلج» وهو مجرى مائي تحت الأرض.
في عام 1507م غزا البرتغاليون الساحل الشرقي وحكموه، ليتمكنوا من السيطرة على تجارة التوابل، وبنوا الحصون في خور فكان وكلباء ودبا، واستمر حكمهم للمنطقة حوالي قرن من الزمان، حتى تمكن الهولنديون من السيطرة على المنطقة لذات السبب.
وفي القرن السابع عشر وصل البريطانيون وبدؤوا التجارة مع القواسم جدود الأسرة الحاكمة اليوم في الشارقة، وفضل الأوروبيون منطقة الخليج والبحر الأحمر باعتبارهما منطقة طرق رئيسة للربط بين الشرق الأوسط والهند.
وبحلول القرن الثامن عشر أسست قبيلة القواسم الحاكمة، قوة بحرية مهمة في جنوب الخليج، وتمركزت قوتهم في رأس الخيمة والشارقة، وأصبح الشيخ سلطان بن صقر بن راشد القاسمي شيخاً للشارقة سنة 1804 وحكمها ما يزيد عن 50 عاماً.
وبانتهاء القرن تدهورت العلاقة بين القواسم والبريطانيين، كما ورد في كتاب «أسطورة القرصنة العربية في الخليج» للشيخ د.سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، بأنه في حين كان البريطانيون يتهمون القواسم بالهجوم على سفنهم، فإن القواسم كانوا يتهمون البريطانيين بسوء السلوك. وفي عام 1809 أوقف البريطانيون هجماتهم البرية على قبيلة القواسم في رأس الخيمة، وبحلول عام 1820 تم توقيع أول اتفاقية متكونة من عدة اتفاقات للسلام تضمن السلام والأمن في البحر وحماية البريطانيين ضد الهجمات لمدة 150 سنة.
وبهذه الاتفاقية أصبح الساحل معروفاً بساحل عمان المتصالح، بينما عرفت المشايخ في عمان بالدول المتصالحة، وبقيت هذه الأسماء من عام 1853 وحتى قيام دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971.
واشتهرت إمارة الشارقة بالتجارة واستخراج اللؤلؤ، واختصت تاريخياً بمبادرات كثيرة خلال سنوات التنمية والتطور، ففي الفترة بين عامي 1823 و1954 كانت الشارقة قاعدة للمندوب السياسي لبريطانيا في ساحل عمان المتصالح، وفي عام 1932 أنشأت الحكومة البريطانية مدرجاً للطائرات في الشارقة، تهبط فيه طائرات الرحلات الجوية الإمبراطورية في طريقها من الهند إلى بريطانيا.
*حدثنا عن أول مطار بني عام 1932 والذي مازال مستعملاً حتى اليوم كشارع رئيس للسيارات، كيف كان هذا المطار عند تأسيسه وخاصة أنه جزء من ذكريات طفولتك؟
كان هذا المطار عند تأسيسه يقع في الصحراء على بعد ميلين من المدينة، وكان يتم تموين المسافرين بواسطة الحمير، بما في ذلك التموين الداخلي للطائرات، أما المياه فكان يتم الحصول عليها من الآبار، والتجار يسافرون من المدينة بواسطة الإبل لعقد صفقات تجارية مع الأجانب.
*المعروف أنك أحد رجالات الشارقة.. هل تحدثنا عن بداية التعليم فيها؟
تم تأسيس أول مدرسة في دولة الإمارات العربية المتحدة في إمارة الشارقة عام 1953، وكانت تضم تلاميذ من جميع أنحاء البلاد.
*إلى متى بقيت الشارقة تحت سيطرة البريطانيين؟
استمرت الشارقة قاعدة للبريطانيين وكشافة الخليج المتصالح حتى نهاية الانتداب البريطاني واستقلال الإمارة عام 1971، وفي عام 1972 أصبح الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكماً لإمارة الشارقة.
في نفس العام بدأ ضخ النفط في حقل مبارك على بعد 80 كم في البحر قرب جزيرة أبوموسى، وبدأ الإنتاج بعد سنتين بأعلى معدل له وهو 35000 برميل يومياً، وبعد سنوات قليلة تم اكتشاف الغاز وبدأت حفرياته عام 1990.
*إذاً الشارقة مزيج رائع بين الماضي والحاضر يتقابل الشرق مع الغرب في تناغم ساحر، حيث يعانق شموخ الماضي عبق الحاضر بنكهته العصرية الحديثة.

وتقف الأسواق التقليدية القديمة بجانب مراكز التسوق الحديثة في ندية لتكون معاً مدينة الشارقة الحديثة التي اشتهرت بكرم ضيافتها النابع من عراقة تاريخها.
*بعد أن أخذتنا معك في هذه الجولة الرائعة في تاريخ إمارة الشارقة عد بنا إلى تاريخك الشخصي وتجربتك الخاصة.

كانت التجارة عملاً يمارسه الإنسان للحصول على قوته وقوت عياله، ولأن عائلتي ارتبطت بالتجارة منذ القدم وتحديداً تجارة اللؤلؤ، ما كان علي سوى أن أواصل عمل العائلة، كان والدي علي بن عبدالله العويس طواشاً مشهوراً.
واستفدت من تجربة والدي العملية كثيراً، فاتسعت تجارتي وتطورت وفقاً لظروف العصر، ومارست مجموعة من الأعمال غير تجارة اللؤلؤ، فتجارة اللؤلؤ وحدها لا يمكن الاعتماد عليها، خاصة أن الحياة تتغير يومياً، ما يجعل التاجر في بحث مستمر عن الجديد والمطلوب وغير المتوفر، وكل الأعمال التي مارستها كانت تصب في عمل التجارة.
وأفاد العمل في التجارة في إثراء أعمالي الشعرية، فالتنقل بين الهند والإمارات على سبيل المثال أكسبني الكثير، وجعلني أرى العالم بحدقة أوسع تجاه كل ما يدور حولي من أحداث وتجارب، ما منحني خبرة حياتية واسعة، وما كان بالإمكان الحصول عليها دون العمل التجاري، فالتجارة تحتاج إلى معرفة حقيقية لما يجري في السوق المحلي والعالمي، وصدر لي ديوان واحد فقط بالإضافة إلى مجلد جمعت فيه أشعاري سواء المنشورة في الديوان أو الصحف والمجلات.
*لكنك مقلٌ في كتابة الشعر رغم أنك نظمته على مدى 30 عاماً.
الشعر كالشباب، ولكن هذا الشباب غالباً ما يغادرنا دون استئذان، خاصة إذا كنا منهمكين في العمل اليومي والبحث عن القوت.
*رغم ذلك تعتبر في مقدمة شعراء الإمارات، وحلقة الوصل بين جيلين من الأدباء والشعراء وفي طليعة شعراء الغزل في الخليج العربي.
هذا وحده يكفيني، فالشاعر لا يحتاج في بحثه عن لذة الكتابة أكثر من أن تبقى له قصيدة أو أكثر يرددها الناس في الحاضر أو المستقبل، وأن يضعك الباحثون في صفوف العديد من المدارس والأساليب الشعرية في تاريخ الحركة الأدبية الإماراتية.
*قال عنك الأديب السوري الكبير حنا مينا «وأنا أقرأ نبأ وفاة المغفور له، الشاعر الرقيق والشفاف غزلاً الدمث الطيب خلقاً، الأريحي بناناً وجناناً، سلطان بن علي العويس، تعتادني ذكرى ذلك اللقاء وتلك الاحتفالية، وتتردد في خاطري قولته بالغة اللطف عجيبة الدلالة خارقة المألوف، أشكرك لأنك قبلت جائزتي، فأضع رأسي بين كفي بينما الدمعة تتحير في المقلتين».
إنه الوفاء، هذا الذي أخشى أن نفقده في عالم اليوم.
*ما هي كلمتك الأخيرة لنا؟
أتمنى على كل تاجر مقتدر أن يوقف بعض المال على مجالات الخير.
*انتقل سلطان العويس إلى جوار ربه 4 يناير عام 2000.
الحمد لله الذي جعلني ضيفاً على هذه الحياة لمدة 75 عاماً.