لا يمكن للبحرين أن تتأخر أبدا عن دعوة تتلقاها من الشقيقة الكبرى مصر لحضور أحد أهم منجزاتها في العصر الحديث، ألا وهو حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، وذلك لأن المملكة، قيادة وحكومة وشعبا، تعد واحدة من الدول القليلة التي وقفت بجانب القاهرة في الأزمة التي مرت بها خلال السنوات الأخيرة، ولم تألوا جهدا في تقديم كل أوجه الدعم والمساندة التي تحتاجها القاهرة لاجتياز مرحلة صعبة من مراحل تطورها الحضاري.
وكان حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى ال خليفة عاهل البلاد المفدى قد تسلم قبل فترة دعوة الرئيس المصري لحضور حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، وهو ما عكس رغبة قيادة البحرين في المشاركة في كل ما تحققه القاهرة من منجزات في عهدها الجديد، وحرصها على ألا تفوت فرصة كبيرة كهذه تمثل نقلة نوعية ولحظة فارقة في تاريخ مصر والمنطقة ككل لتؤكد للكافة أن البحرين قلبا وقالبا مع كل ما تتخذه مصر من إجراءات لتحقيق وضمان الرخاء والازدهار لشعبها، وإنها ستكون كعهدها دوما نعم السند والشقيق والداعم للعلاقات الأخوية التاريخية الوثيقة القائمة بين البلدين والشعبين، البحريني والمصري.
ويبدو الحضور والتواجد البحريني في هذه المناسبة، وعلى أعلى المستويات، حيث يشارك جلالة العاهل المفدى على رأس وفد بحريني كبير ورفيع المستوى، يبدو هذا الحضور لافتا إلى أكثر من سبب، لعل أبرزها: طبيعة الحدث ذاته، وهو بالنسبة لكثيرين من المهتمين والمعنيين حدث مهم سواء لمصر نفسها أو للبحرين أو للمنطقة والعالم، وذلك بالنظر لأن القناة الجديدة التي تمتد على طول 35 كيلو مترا في موازاة القناة الأساسية ستسهم في زيادة الدخل القومي المصري، وتتوقع الحكومة هناك زيادة عائدات القناة بنسبة 259 % عام 2023 ليكون 13.226 مليار دولار مقارنة بالعائد الحالي 5.3 مليار دولار، وذلك حسب التقديرات المتداولة، فضلا عن أن هذا الحدث يضع إحدى الدول العربية في مقدمة الدول التي تدير وتتحكم في أحد أهم الممرات المائية الدولية، وهو أمر يزيد من ثقل المنطقة برمتها التي تتحكم بدورها في أكثر تلك الممرات أهمية ومحورية في المنطقة والعالم، والتي يمر عبر مضايقها وممراتها نحو 40% من تجارة العالم.
كما سيضمن حضور البحرين حفل تدشين القناة الجديدة مع أقطاب دول العالم، المشاركة في لحظة تاريخية فارقة تمثل تطورا مهما لحركة الشحن والنقل البحري والممرات المائية العالمية، حيث تعد المملكة حجرا رئيسيا فيها، وساهمت بدور في حمايتها وتأمين سلامتها، سواء عبر مياه الخليج ومضيق هرمز أو عبر مياه خليج عدن والمحيط الهندي والبحر الأحمر وباب المندب، وتسعى من خلال وضعيتها تلك وتاريخها كوسيط ومنطقة عبور دولي لأن تستفيد من القناة الجديدة في تنمية مكانتها وزيادة ثقل دورها.
وستزيد القناة الجديدة، وحسب بيانات موقع قناة السويس الرسمي، من القدرة الاستيعابية لهذا الممر الحيوي لتكون 97 سفينة قياسية في اليوم عام 2023 بدلا من 49 سفينة يوميا عام 2014، ما يتيح للسفن المارة من العبور المباشر دون توقف في كلا الاتجاهين، وتعد دول الخليج، ومنها البحرين، من الدول المستفيدة من هذه التطويرات، إذ إن نسبة لا بأس بها من تقديرات السفن المشار إليها سلفا، الحالية أو المتوقعة، ترد بالأساس من منطقة الخليج العربي وتفد إليها، وهو ما يجعل من الممر بتطوراته شريان حياة لمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يتكامل دورها مع مشروعات التنمية المستدامة هناك.
هذا بالإضافة إلى الفرص التي يمكن أن تجنيها البلدان، البحرين ومصر، من وراء المشروعات الاستثمارية التي يمكن تنفيذها إثر افتتاح القناة الجديدة، التي ينتظر تدشين بعض الموانئ والخدمات اللوجستية بها لخدمة الأساطيل المارة وتنمية منطقة قناة السويس ككل وجعلها مركزا صناعيا وتجاريا، وهي فرص بالتأكيد وفيرة، وتدعمها العديد من العوامل، من أهمها: عمق ومتانة العلاقات البحرينية المصرية، والتي تمتد لعقود سابقة، وزادت كثافة خلال السنوات الخمسة الأخيرة، والمستوى المتطور الذي وصل إليه التعاون المشترك بين البلدين في المجالات المختلفة.
ويلاحظ هنا أن العلاقات البحرينية ـ المصرية قائمة على ركنين أساسيين، أحدهما يتعلق بفرص التعاون الاقتصادي الواسعة والمشروعات الاستثمارية القائمة بينهما أو المنتظر قيامها، وهي كثيرة، والتي ساهمت في رفع حجم معدلات التجارة بين البلدين، حيث بلغت نحو 39.3 مليون دولار حسب الجهاز المركزي للمعلومات للربع الأول من العام 2015، وهناك جهود جبارة من حكومتي البلدين ومجالس الأعمال المشتركة والغرف التجارية، فضلا عن رجال الأعمال لزيادة هذه الفرص ودراسة المشروعات التي يمكن أن تطلقها القناة الجديدة لتوسيع أطر التعاون البحريني المصري المشترك وزيادة فاعليته.
الركن الثاني يتعلق بمقومات التحالف الذي يربط البلدين، وهي مقومات تتجاوز العلاقات الدبلوماسية المعروفة أو حتى التاريخية، وإنما تشمل بجانب ذلك العلاقات التي تجعل من كلتا الدولتين عمقا استراتيجيا للآخر، العسكرية منها والأمنية والمصيرية، إن صح التعبير، وهنا تجدر الإشارة إلى حقيقة إدراك البلدين ووعي قادتهما بما يحاك ضد دول المنطقة ككل من مؤامرات وما يهددها من أخطار، وأنهما لا يمكن أن يقفا مكتوفي الأيدي أمام الإخلال بمقومات قوتهما والتهديدات التي تنال منهما، خاصة أنهما يعيشان وضعا أمنيا مستهدفا من القوى الخارجية وأذرعها التي تعمل بمثابة "طابور خامس"، ناهيك بالطبع عن رؤاهما المشتركة ومواقفهما المتضامنة تجاه الأحداث التي تمس أمنهما واستقرار شعبيهما، والأحداث التي شهدتها الدولتان في السنوات الأخيرة خير شاهد على ذلك.
ولعل من النافل الإشارة إلى تصريحات العاهل المفدى ناحية مصر ودعم مواقفها، وتأكيده أكثر من مرة وبمعان مختلفة أن استقرار مصر هو استقرار للمنطقة ككل، وأنها تمثل للبحرين عمقا استراتيجيا وثقلا عربيا ومحورا أساسيا في الإقليم.
وكذلك الأمر بالنسبة لمصر التي أكدت مرارا وتكرارا تقديرها لموقف البحرين الداعم والمساند لها، ورفضها التدخل في شؤونها الداخلية، وأنها لن تتخلى عنها ضد أية محاولة للنيل منها بفعل الامتدادات الخارجية للمشكلات التي تواجهها، وأن أمن البحرين خاصة والخليج عامة هو موقف استراتيجي ثابت لا يمكن أن يتأثر أو أن ينال منه أحد، وأن أمنها من أمن مصر، وأمن الخليج ككل خط أحمر لا يمكن المساس به.