تعرفنا على المفكر البحريني محمد الزكري القضاعي عبر بوابة العالم الرقمي، وبالتحديد مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره باحثاً في حقل الأنثروبولوجيا، وهو حقل بحثي نعاني خصاصاً كبيراً فيه هنا في المنطقة العربية، على غرار الخصاص الذي تعاني منه المنطقة في حقول علمية أخرى، إضافة إلى أنه أستاذ ومحاضر في جامعة بي تي يو كوتبس «BTU Cottbus» الألمانية.
تطورت هذه العلاقة إلى الاشتراك في عمل بحثي أشرف عليه وصدر منذ أشهر بعنوان «التصوف الذي معنا وبيننا»، وهو عمل صدر في الساحة الألمانية، وتضمن ترجمة للورقة النظرية التي أطرته إلى اللغة الألمانية، ومعها بعض فصوله، وأنجز الترجمة متياس هنيش.
لكن مفاجأة متابعة أعمال د. محمد الزكري جاءت في مضامين العدد الأخير لمجلة «الحقوقية» البحرينية، وهي مجلة علمية دورية محكمة، تُعنى بنشر الدراسات والمقالات والقضايا الحقوقية والقانونية، وتصدر عن «جمعية المرصد لحقوق الإنسان»، ويُشرف عليها أحد رموز التأليف القانوني والحقوقي في البحرين، د. علي فيصل الصديقي، ومرد المفاجأة أن العدد تضمن مساهمة لمحمد الزكري بعنوان «الوعي الانتخابي وفضاءات المجالس التشريعية بين الحداثة وما بعد الحداثة: ملاحظات حول الحالة البحرينية»، «جاءت في العدد الثالث، يونيو 2022، وهو في الواقع عدد خاص حول النظم الانتخابية، ويصدر بالتزامن مع الانتخابات النيابية والبلدية في مملكة البحرين 2022».
الحديث عن مفاجأة لأن الدراسة التي يبدو ظاهرها يهم مملكة البحرين وحسب، يتجاوز أفقها النظري أوضاع المملكة في المجالين التشريعي والانتخابي، لأنه يهم أوضاع أغلب دول المنطقة، والتي تتعدد فيها طبيعة الأنظمة السياسية وبالتالي تتعدد معها طبيعة الحكومات المنتخبة، أداء المؤسسات التشريعية، طبيعة النخب السياسية، الأفق القانوني للنصوص التشريعية المؤطرة دستورياً وعرفياً للاستحقاقات الانتخابية.
وليس صدفة أن مشروع المجلة كما نقرأ في ورقة تعريفية صدرت عن د. علي الصديقي، يُفيد «تنمية وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان في مملكة البحرين والوطن العربي، وترسيخ مبادئ وثقافة الحقوق والواجبات»، لأن قراءة مضامين هذه الدراسة يصب في الاتجاه نفسه، حيث ينتقل بنا محرّرها من الشق المحلي البحريني الصرف، نحو الشق الدولي، مع استحضار عدة تجارب قانونية ودستورية من المجال الغربي، من قبيل التجربة الألمانية والأمريكية.
وفي الحالتين معاً، نحن أمام مقاربات نظرية نوعية، لا تصدر إلا عن أهل النظر الثاقب والنافع في آن، للأوطان والأمة والإنسانية. على سبيل المثال، في الشق البحريني الصرف، يتوقف مفكرنا عند فرضية تفتح آفاقاً في الاشتغال مفادها أن مشروع دولة ما بعد الحداثة في مملكة البحرين، يبقى أكثر تجسيداً في مجلس الشورى من تجسيدها في مجلس النواب، متوقفاً عند تداعيات وتبعات التنوع الثقافي والهوياتي في البحرين، ومنه معضلة تدبيره، حيث نجد العلماني والمدني والديني والمسلم ــ السني والشيعي ــ واليهودي والنصراني، وفي سياق البحث عن أجوبة نظرية وعملية في سياق تدبير هذا التنوع، ينهل محمد الزكري من خلاصات تجارب عالمية، من قبيل ما نعاين مع ظاهرة «مصالح جماعة أقلية» أو ظاهرة «الناخب العائم» في الساحة الأمريكية، ضمن أمثلة أخرى.
وواضح أننا إزاء أرضية نظرية لا تهم البحرين وحسب، ومن هنا أهمية التنويه بهذه المقاربات الهامة والنافعة.
* مدير مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث بالرباط
تطورت هذه العلاقة إلى الاشتراك في عمل بحثي أشرف عليه وصدر منذ أشهر بعنوان «التصوف الذي معنا وبيننا»، وهو عمل صدر في الساحة الألمانية، وتضمن ترجمة للورقة النظرية التي أطرته إلى اللغة الألمانية، ومعها بعض فصوله، وأنجز الترجمة متياس هنيش.
لكن مفاجأة متابعة أعمال د. محمد الزكري جاءت في مضامين العدد الأخير لمجلة «الحقوقية» البحرينية، وهي مجلة علمية دورية محكمة، تُعنى بنشر الدراسات والمقالات والقضايا الحقوقية والقانونية، وتصدر عن «جمعية المرصد لحقوق الإنسان»، ويُشرف عليها أحد رموز التأليف القانوني والحقوقي في البحرين، د. علي فيصل الصديقي، ومرد المفاجأة أن العدد تضمن مساهمة لمحمد الزكري بعنوان «الوعي الانتخابي وفضاءات المجالس التشريعية بين الحداثة وما بعد الحداثة: ملاحظات حول الحالة البحرينية»، «جاءت في العدد الثالث، يونيو 2022، وهو في الواقع عدد خاص حول النظم الانتخابية، ويصدر بالتزامن مع الانتخابات النيابية والبلدية في مملكة البحرين 2022».
الحديث عن مفاجأة لأن الدراسة التي يبدو ظاهرها يهم مملكة البحرين وحسب، يتجاوز أفقها النظري أوضاع المملكة في المجالين التشريعي والانتخابي، لأنه يهم أوضاع أغلب دول المنطقة، والتي تتعدد فيها طبيعة الأنظمة السياسية وبالتالي تتعدد معها طبيعة الحكومات المنتخبة، أداء المؤسسات التشريعية، طبيعة النخب السياسية، الأفق القانوني للنصوص التشريعية المؤطرة دستورياً وعرفياً للاستحقاقات الانتخابية.
وليس صدفة أن مشروع المجلة كما نقرأ في ورقة تعريفية صدرت عن د. علي الصديقي، يُفيد «تنمية وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان في مملكة البحرين والوطن العربي، وترسيخ مبادئ وثقافة الحقوق والواجبات»، لأن قراءة مضامين هذه الدراسة يصب في الاتجاه نفسه، حيث ينتقل بنا محرّرها من الشق المحلي البحريني الصرف، نحو الشق الدولي، مع استحضار عدة تجارب قانونية ودستورية من المجال الغربي، من قبيل التجربة الألمانية والأمريكية.
وفي الحالتين معاً، نحن أمام مقاربات نظرية نوعية، لا تصدر إلا عن أهل النظر الثاقب والنافع في آن، للأوطان والأمة والإنسانية. على سبيل المثال، في الشق البحريني الصرف، يتوقف مفكرنا عند فرضية تفتح آفاقاً في الاشتغال مفادها أن مشروع دولة ما بعد الحداثة في مملكة البحرين، يبقى أكثر تجسيداً في مجلس الشورى من تجسيدها في مجلس النواب، متوقفاً عند تداعيات وتبعات التنوع الثقافي والهوياتي في البحرين، ومنه معضلة تدبيره، حيث نجد العلماني والمدني والديني والمسلم ــ السني والشيعي ــ واليهودي والنصراني، وفي سياق البحث عن أجوبة نظرية وعملية في سياق تدبير هذا التنوع، ينهل محمد الزكري من خلاصات تجارب عالمية، من قبيل ما نعاين مع ظاهرة «مصالح جماعة أقلية» أو ظاهرة «الناخب العائم» في الساحة الأمريكية، ضمن أمثلة أخرى.
وواضح أننا إزاء أرضية نظرية لا تهم البحرين وحسب، ومن هنا أهمية التنويه بهذه المقاربات الهامة والنافعة.
* مدير مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث بالرباط