أيمن شكل
رفضت محكمة الاستئناف العليا المدنية طعناً قدمته موظفة بإحدى الجامعات على حكم برفض إلغاء قرار فصلها لتغيبها عن العمل لمدة جاوزت السنتين دون تقديم أي عذر أو مبرر مقبول، وبعد انتهاء إجازتها السنوية، وقالت المحكمة حكمها إن انقطاع المستأنفة عن العمل بما يجاوز العامين دون مراجعة جهة عملها للوقوف على حقيقة مركزها القانوني، تُعد مدة كافية بذاتها لتأكيد نيتها هجر الوظيفة وعدم الرغبة فيها.

وأشارت أوراق القضية، إلى تقديم الموظفة لدعوى أمام محكمة أول درجة ذكرت فيها أنها تعمل منذ 2011، وبعد 10 سنوات من العمل أبلغتها إدارة شؤون الموظفين بصدور قرار باعتبارها فاقدة لوظيفتها منذ عام 2019 بسبب انقطاعها عن العمل، وطلبت منها التوقيع على استمارة إنهاء الخدمة، حيث لم ترتض على القرار مدعية مخالفته القانون لعدم إنذارها كتابة بعد انقطاعها، وطالبت بإلغاء قرار الجامعة مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها عودتها إلى وظيفتها السابقة.

وحكمت محكمة أول درجة برفض الدعوى، لكن الموظفة لم ترتضِ الحكم وطعنت عليه أمام محكمة الاستئناف على سند مخالفة الحكم للقانون والخطأ في تطبيقه لكون الإنذار المرسل لها لم يصل إلى علمها ولم يسلم إليها ولم يرسل لها على عنوانها الثابت في البطاقة السكانية، إلا أن المحكمة أشارت في حيثيات حكمها إلى أن المشرع قرر إنهاء خدمة الموظف إذا انقطع عن عمله مدة تزيد على 15 يوماً متواصلة أو 30 يوماً غير متصلة خلال السنة بدون عذر تقبله جهة الإدارة، وذلك دون تعليق الأمر على قرار إداري يصدر بذلك؛ إلا أنه اشترط لإعمال هذا الأثر أن تتوافر عناصر الاستقالة الضمنية وتتكامل أركانها.

وأوضحت أن عناصر الاستقالة الضمنية شأنها شأن الاستقالة الصريحة تقوم على إرادة الموظف فإذا كانت الأخيرة تستند إلى طلب مقدم منه فإن الاستقالة الضمنية تقوم على اتخاذه موقفاً ينبئ عن انصراف نيته إلى الاستقالة بحيث لا تدع ظروف الحال أي شك في دلالته على حقيقة المقصود ويتمثل الموقف في الإصرار على الانقطاع عن العمل وعلى نيته ورغبته في هجر الوظيفة.

وأوضحت أن المشرع أخذ هذا الأمر في الحسبان عند صياغته لنص المادة 28 بقوله «يعتبر الموظف مستقيلاً ...» فأراد أن يرتب على الاستقالة الضمنية إذا ما توافرت عناصرها وتكاملت أركانها ذات الأثر المترتب على الاستقالة الصريحة وهى انتهاء خدمة الموظف وهذه الإرادة من جانب الموظف بالنسبة إلى نوعى الاستقالة هي التي تمثل ركن السبب في القرار الإداري وهو قرار إنهاء الخدمة، ومن ثم فإنه إذا ما ثبت أن انقطاع الموظف عن عمله كان أمراً خارجاً عن إرادته أو ثبت بأي طريقة أن هناك سببا أخر للانقطاع تنتفي معه قرينة الاستقالة الضمنية ولا يجوز إنهاء خدمة الموظف في هذه الحالة.

وأشارت المحكمة إلى الثابت من أوراق الدعوى بأن المستأنفة تعمل لدى الجامعة وحصلت على إجازة بدون راتب انتهت ديسمبر 2019، ولم تعد لعملها بعد انتهاء الإجازة الممنوحة لها وانقطعت عن العمل، وعلى الرغم من إنذارها في يناير 2020 بموجب خطاب مسجل بعلم الوصول على عنوانها الثابت بملف خدمتها بأنه إذا لم تتقدم بما يثبت انقطاعها عن العمل بعذر مقبول خلال المدة المحددة قانوناً تعتبر خدمتها منتهية بالاستقالة الضمنية، إلا أن المستأنفة لم تعد إلى عملها ولم تقدم عذر مقبول لانقطاعها عن العمل منذ تاريخ انتهاء الإجازة الممنوحة لها دون راتب حتى تاريخ إنهاء خدمتها للانقطاع يناير من عام 2022. وقالت المحكمة: «إن قرار إنهاء خدمتها للانقطاع عن العمل متفقاً وصحيح حكم القانون بمنأى عن الإلغاء ويكون الطعن عليه في غير محله خليقاً بالرفض؛ ولا ينال من ذلك ما تمسكت به المستأنفة من عدم استلامها للإنذار وعدم إرساله على عنوانها الثابت ببطاقتها السكانية، فذلك مردود عليه بأن المقرر متى قدمت الجهة الإدارية الدليل المثبت لقيامها بتوجيه الإنذار للموظف فإنها تكون قد أوفت بالتزامها القانوني في هذا الشأن، حيث قدمت المستأنف ضدها الدليل على إنذار المستأنفة على عنوانها الثابت لديها».

وقالت المحكمة فضلاً عن أنه وعلى فرض – والفرض غير الواقع – التسليم بأن الإنذار المرسل للمستأنفة لم ينتج أثره القانوني، فأن المقرر أن الحياة الوظيفية للموظف تنتج آثارها يوماً بيوم، حيث يتوجب على الموظف الحضور إلى عمله كل يوم من أيام العمل الرسمية التي لم يرخص له فيها صراحة في الانقطاع وذلك في توقيت محدد، وألا ينصرف عن عمله إلا في توقيت محدد كذلك، ويتقاضى لقاء ذلك راتبه شهرياً، وهذا الراتب هو بحسب الأصل المورد الرئيس لنفقات معيشته، كما يتوجب على الموظف الحصول على إذن أو ترخيص بالانقطاع عن العمل حتى ولو كان لبعض الوقت، وكذلك إبلاغ الجهة الرئاسية بأي انقطاع مفاجئ، حتى الإجازات الخاصة بدون مرتب، يتعين على الموظف أن يتقدم بطلب للحصول عليها، ومن ثم فإن انقطاع المستأنفة عن العمل - بما يجاوز العامين دون مراجعة جهة عملها للوقوف على حقيقة مركزها القانوني، تُعد مدة كافية بذاتها لتأكيد نيتها هجر الوظيفة وعدم الرغبة فيها، وفي تلك الحالة يكون من العبث إلزام جهة الإدارة المستأنف ضدها تحذيرها وإنذارها من مغبة الانقطاع، ومن ثم ينتفي موجب الإنذار في هذه الحالة ويضحى قرار إنهاء خدمتها للانقطاع متفقاً وصحيح حكم القانون فلهذه الأسباب حَكَمَتُ المحكمة: بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتـأييد الحكم المستأنف، وألزمت المستأنفة المصاريف.