المناسبة عمل منظم يحمل دروساً وعبراً لكافة المسلمين

أيمن شكل

دعا رجال دين إلى استذكار العبر والدروس المستفادة من الهجرة باعتبارها الحدث الذي أرخ للإسلام، وأن يحمد المسلمون الله تعالى على استدامة نعمه عليهم بالأمن والخير.

كما أشاروا إلى أن الهجرة هي عمل منظم دقيق ولا بد للإنسان قبل الإقدام على أي أمر أن يخطط له، وأن العام الهجري هو محطة التزود لمسيرة المسلم إلى آخرته.

وأشار مدير المعهد الديني الشيخ الدكتور هشام الرميثي إلى ديمومة الأمن والأمان التي يجب على المسلم أن يستذكرها في بداية كل عام، ويجعلها وازعاً لمزيد من التعبد والشكر لله على تلك النعمة، لافتاً إلى قوله تعالى: «فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ»، وقال إن بداية العام الهجري تستوجب علينا استذكار الخير الذي من الله تعالى به على بلدنا، حيث حباها الله بنعمتي الأمن والخير.

ونوه الرميثي إلى الحديث الشريف: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنا فِي سِرْبِهِ مُعَافى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا»، وقال إن ما وفرته البحرين من أمن صحي وغذائي في أثناء جائحة كورونا، وما سخرته من كافة إمكاناتها سواء للمواطن أو المقيم يأتي في سياق النعم واجبة الشكر والحمد عليها، حيث حافظت البحرين كذلك على قيم وأخلاق الشريعة الإسلامية في عدم التفرقة بين الناس سواء كانوا مواطنين أو مقيمين ووفرت للجميع الأمن الشامل.

وقال الرميثي: نحمد الله أن وفق قيادتنا لسن قوانين حافظت على قيم الإسلام وحصنت المجتمع مما يؤسس لهدم النسيج الاجتماعي، ولقد عانى المجتمع الدولي من نقص شديد في المواد الغذائية مؤخراً، إلا أن البحرين استطاعت بجهود وحكمة قيادتها أن تحافظ على الأمن الغذائي وأن ترسخ قواعد الأمن والأمان.

كما نوه بقمة جدة التي جمعت قادة دول الخليج والبيان الصادر في ختام القمة والوقفة التي عبرت عن تطلعات الشعوب بالمحافظة على القيم والأخلاق التي هي أعز ما يُملك، وقال: «إن هذه الأحداث تمنح عاماً الجديد انطلاقة وبشارة بأن الخير قادم والأمن الذي يتحقق يستوجب علينا شكر الله على نعمه التي أنعمها على عباده».

من جهته هنأ الشيخ محمد عبدالوهاب بالعام الهجري الجديد سائلاً الله تعالى أن يجعله عام تفريج للكربات وخير للعباد وأن يعز فيه الإسلام، مشيراً إلى أن شهر المحرم هو أحد الأشهر الأربعة الحرم إعمالاً لقوله تعالى: «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ». وقال إن على العبد أن يتقي الله بمزيد من التقوى في تلك الأشهر الحرم.

كما لفت إلى الحديث الشريف: «‏أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ» وسنة الأنبياء بصيام يوم عاشوراء الذي يكفر ذنوب سنة، مشيراً إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصوم يوم عاشوراء قبل الهجرة، وكذلك صامه سيدنا موسى.

وأكد عبدالوهاب أن العام الجديد يذكر المسلم بتجديد التوبة والاستقامة مع الله تعالى وانقضاء الأزمان والأعمار والأشهر يذكر الإنسان بانقضاء أجله وأنه سائر إلى الرحلة العظيمة التي تحتاج إلى زاد وخير الزاد التقوى، ودعا لاستقبال العام الجديد بتوبة علها تمحو ما تقدم من ذنب وأن تكون النية بالعمل الصالح لكون النية تسبق العمل ودائرتها أوسع، مشيراً إلى الحديث الشريف: «قَالَ إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَها اللهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً».

ودعا الشيخ عبدالوهاب لتذكير الشباب بدروس الهجرة، وبإحياء العبادات وقال: «لا بد من أن نربط الأبناء بهذا التاريخ المشرق للدولة الإسلامية واستلهام الدروس والعبر منها، حيث كانت الهجرة وبداية العام الهجري بعد نهاية المسلم من أداء فريضة الحج وكأنه قد عاد كما ولدته أمه».

وأكد الشيخ عبدالناصر الصديقي أن العام الهجري يحفل بدروس وعبر كثيرة مستلهمة من السنة النبوية وتاريخ الإسلام، حيث تعتبر بداية العام الهجري خروجاً من عام ودخول آخر ليبدأ الإنسان مرحلة تصحيح العمل إذ كانت الهجرة النبوية بداية عصر جديد للإيمان وتعتبر نهاية عهد الظلم والطغيان، وهي هجرة من الظلام إلى النور ومن البغضاء إلى المحبة والسلام.

وأشار الصديقي إلى الحكمة في انقضاء الأعوام والأيام منوهاً إلى قوله تعالى: «وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ»، وقال إن الهجرة النبوية فيها دروس مجاوزة التحديات حيث لاقى الرسول صلى الله عليه وسلم الكثير من الصعوبات والتحديات مع أصحابه حتى أذن له الله تعالى بالهجرة للمدينة المنورة ليقيم دولة العدل ويعلن دولة إسلامية وبداية لعصر الفتوحات الإسلامية فيما بعد.

وأضاف الصديقي منوهاً إلى أن من فوائد الهجرة الاستبشار بنصر الله الذي قال في محكمة التنزيل «إن بعد العسر يسراً» فلا بد من أن يأتي يوم يفرج فيه الله تعالى عن العبد بعد أن محصه بالتحديات، فيما نوه بالموقف العظيم من الأنصار الذين استقبلوا المهاجرين واستضافوهم في بيوتهم محبة للدين وامتثالاً لأوامر الله ورسوله، كما جاء في القرآن الكريم «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون».

وأشار الصديقي إلى مكانة الهجرة العظيمة حين اختارها سيدنا عمر بن الخطاب لتكون بداية تاريخ الدولة الإسلامية، ولم يؤرخ لولادة الرسول أو لوفاته، ما يؤكد المكانة العظيمة للحدث، كما لفت إلى درس عظيم في الفداء والتضحية حين فدى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الرسول صلى الله عليه وسلم ونام في فراشه، وكذلك الصحبة وأهميتها في حياة الإنسان حين اتخذ الرسول سيدنا أبا بكر الصديق صديقاً ورفيقاً في تلك الرحلة.

وقال الصديقي إن الرسول الأكرم علمنا من ضمن دروس الهجرة أن الإنسان يستطيع أن يكسب الناس بالمحبة والود وليس بالمال، مشيراً إلى قصة سراقة الذي أرسله كفار قريش ليقتل الرسول وأجزلوا له الأموال، وحين أدركه دعا له فأسلم.

وأكد أن الهجرة تعتبر بمثابة تحرير للإنسان من العبودية، ولذلك ينبغي على الإنسان ألا ييأس من روح الله فلا بد من يوم يأتي فيه الفرج، كما لفت إلى أن الهجرة هي عمل منظم دقيق ولا بد للإنسان قبل الإقدام على أي أمر أن يخطط له.

من جانب آخر قال الواعظ الشرعي في وزارة العدل فاضل فتيل الجمري إنه ينبغي للإنسان أن يستقبل العام الجديد بالعزمِ على تغيير ذاته للأفضل فلا يكون عامُه هذا كالعام المنصرم أو أقلّ منه في عمل الخير والبر والعبادة، منوها إلى قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ»، وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» فإن كان الإنسان مقصراً في العام المنصرم فلينوِ أن يتدارك ذلك التقصير في هذا العام فيصلح من نفسه في خلقه وفي معاملاته وعبادته وعلاقاته مع الله ومع الأسرة ومع المجتمع.

وأكد الشيخ فاضل الجمري أن العام الجديد هو فرصة جديدة ونعمة جديدة من الله يجب استثمارها وشكر الله عليها وهو أيضاً بمثابة محطة لمراجعة النفس ومحاسبتها، كما تعمل المؤسسات التجارية كالبنوك مثلاً فهم يأتون بالمحاسبين رأس كل سنة ليدلّوهم على مواضع الخلل فيصلحونها، وأشار إلى ما ورد في القرآن العظيم في قوله تعالى: «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً».

وأشار الشيخ أحمد صلاح الدين إلى عظمة شهرَ اللهِ المحرَّمَ، باعتباره أحد الأشهرِ الحُرُمِ التي عظَّمَ اللهُ أمرَها، وَنَهَى عن ظلمِ النَّفسِ فيها، حين قالَ تعالى: «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ»، وقالَ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ»، كما نوه إلى مقولة الْحَسَنُ البصريُّ رحمهُ اللهُ: «إنَّ اللهَ افْتَتَحَ السَّنَةَ بشهرٍ حرامٍ وَخَتَمَهَا بِشَهْرٍ حَرَامٍ؛ فَلَيْسَ شهرٌ في السَّنَةِ بعدَ شهرٍ رمضانَ أعظمَ عندَ اللهِ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وكانَ يُسَمَّى شهرَ اللهِ الأصمَّ مِنْ شِدَّةِ تَحْرِيمِهِ».

وأوضح الشيخ صلاح الدين خصوصية الشهر حيث سمَّاهُ النَّبيُّ شهرَ اللهِ، وقال إن إضافتُهُ للهِ تدلُّ على شَرَفِهِ وفَضْلِهِ؛ فإنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُضِيفُ إليهِ إلَّا خَوَاصَّ مخلوقاتِهِ، وَلَمَّا كانَ هذا الشَّهرُ مُخْتَصًّا بإضافتِهِ إلى اللهِ تعالى ناسبَ أنْ يُخَصَّ بالعملِ الْمُضافِ إليهِ الْمُخْتَصِّ بهِ وَهُوَ الصِّيامُ، قالَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ: شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ»، وقال: يجب على العبد أن يبادر بالتوبة والاستغفار ويكثر من العبادات ولا سيما الصوم في شهر محرم فإنه من أجل القربات عند الله تعالى.

وقال الشيخ عبدالله المناعي: في بداية كل عام هجري جديد وفي آخر جمعة من العام الهجري يتذكر المسلم حاله بأن يجدد الإيمان ومحاسبة النفس التي يجب أن يحاسبها في كل يوم، كما أن العام الجديد هو تذكير بفناء الأعمار، وأشار إلى قوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ الَّيلَ وَالنَّهَارَ خِلفَة لِّمَن أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَو أَرَادَ شُكُورا».

وأكد المناعي أن بداية العام الهجري بمثابة محطة للتزود بوقود مسيرة المسلم إلى الآخرة، وليتذكر يتذكر ما نقص من عمره ويسأل نفسه على عمره فيما أفناه، لافتاً إلى أهمية ضبط الوقت واستثمار الساعات ووضع أهداف لمستقبله مع الالتزام بالآداب الحسنة وألا يمضي وقته فيما يضر أو يضيع عمره بغير فائدة، وأضاف: نعتز بالاحتفال بالعام الهجري الجديد لأنه تاريخ الأمة والحدث الذي انطلقت منه الرسالة النبوية العظيمة.