أرض السلام وملتقى الشعوب والديانات والثقافات، فقد مرّ أبناء الديانة المسيحية بأرض مملكة البحرين قبل قرون طويلة، عاشوا واستقروا على أرضها وبقيت آثارهم شاهداً على احتضان هذه الأرض الطيبة وأهلها الكرام لهم، للعيش فيها بحرية وسلام وأمان على مر العصور والأزمان.
يعود تاريخ الديانة المسيحية في مملكة البحرين منذ زمن بعيد مع بدايات القرن الخامس الميلادي، عندما احتضنت قديماً عدداً من القبائل العربية المسيحية التي كانت تعيش في ساحل البحرين القديم وفي العراق بحكم قربها الجغرافي من شبه الجزيرة العربية.
وفي هذه الحقبة، كانت البحرين مركزاً رئيسياً للمسيحية "النسطورية "وكنيسة المشرق، وكانت قرية سماهيج مقراً لرئيس الأساقفة النسطوريين آنذاك، حيث ضمّت المنطقة أديرة للرهبان كما احتفظت بعض القرى في جزيرة المحرق بأسمائها القديمة التي أطلقت عليها مثل قرية "الدير" التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى الدير المسيحي الذي بني هناك بالقرب من قرية سماهيج. وظلت الأرض محتفظة بما تبقى من آثار تحمل توثيقاً لتواجد العائلات المسيحية قديماً، حيث كشف فريق البعثة البريطانية للتنقيب عن الآثار في البحرين اكتشافات أثرية حديثة في آخر مهمة لها عام 2019م في مقبرة سماهيج بالمحرق ومحيطها بالعثور على بقايا بيت أثري مكون من غرفتين لأسقف مسيحي يُرجح أنه يعود للقرنين 6 و8 الميلادي، إضافة إلى العثور على بعض القطع الأثرية الأخرى تدلل على وجود كنيسة محتملة، قريبة من الموقع.
ظلت البحرين مركزًا للمسيحية النسطورية حتى اعتنق أهلها الإسلام في القرن السابع الميلادي بعدها تلاشى الوجود المسيحي في المنطقة لعقود طويلة، ثم ما لبث أن وفد المهاجرون المسيحيون للبلاد للتمركز والاستقرار في مملكة البحرين من جديد مع بدايات القرن العشرين، وكان ذلك تزامناً مع بدء قدوم البعثات التبشيرية المسيحية البروتستانتية لممارسة التطبيب وتقديم الخدمات الصحية التي كان يقوم بها المبشرون الإنجيليكيون في مقر الإرسالية الأمريكية العربية التي افتُتحت في مدينة المنامة عام 1882م، كأول فرع للإرسالية خارج مقرها الرئيسي في البصرة بالعراق الشقيق.
وفي عام 1906م بُنيت "الكنيسة الانجيلية الوطنية" التابعة للطائفة البروتستانتية، وأسسها المبشرون الإنجيليون الأميركيون بعد تأسيسهم لمستشفى الإرسالية الأمريكية في ذلك الوقت، وقد اعتُبرت هذه الكنيسة، الأقدمَ في مملكة البحرين وفي عموم منطقة الخليج العربي حيث تم تشييدها قبل نحو 100 عام.
وفي عام 1939م وافق المغفور له بإذن الله صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة طيب الله ثراه على الترخيص ببناء أول كنيسة للطائفة الكاثوليكية في البحرين والخليج العربي في العصر الحديث وهي "كنيسة القلب المقدس "المتواجدة في مدينة المنامة، وذلك بعد أن منح صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة طيب الله ثراه قطعة الأرض التي بنيت عليها الكنيسة هبة من لدنه بموجب وثيقة تاريخية ممهورة باسمه.
تكريس ثقافة الحريات الدينية والتعايش في عهد جلالة الملك المعظم حفظه الله، حيث شهد العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، مسيرة تنموية شاملة انعكست في أحد أهم جوانبها على الحريات التي كفلها الدستور وتنص على حرية ممارسة العبادة لأتباع الأديان والطوائف دون تمييز، وسط مناخ مثالي يكرس أسس التعايش والتسامح بين مختلف الثقافات والأجناس.
وفي هذا الإطار، تم تدشين علاقات دبلوماسية بشكل رسمي بين مملكة البحرين ودولة الفاتيكان عام 2000م، تبادل بموجبها الجانبان البعثات الدبلوماسية، حيث تعتمد مملكة البحرين تعيين سفيرٍ للكرسي الرسولي (دولة الفاتيكان) مقيماً في دولة الكويت، كما يعتمد الفاتيكان تعيين سفيرٍ لمملكة البحرين مقيماً في العاصمة الفرنسية باريس. وتتميز العلاقات بين مملكة البحرين والفاتيكان بانها علاقات دبلوماسية جيدة وممتدة تتمركز حول التعاون في مجال الحوار بين الأديان من أجل نشر السلام وثقافة التعايش حول العالم.
وترسيخاً لمبادئ مملكة البحرين وجهودها المتواصلة في إرساء وتعزيز الحوار بين الأديان والتفاهم بين مختلف الثقافات والحضارات، ونشر قيم الأخوة الإنسانية والتعايش بين الجميع، افتتحت في ديسمبر 2021م، "كاتدرائية سيدة العرب" الواقعة في مدينة عوالي جنوبي المنامة بهِبة ملكية سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم حفظه الله ورعاه الذي تفضل بتخصيص الأرض التي شيدت عليها تلبية لطلب سابق من قداسة البابا السابق "بنديكت السادس عشر" في ديسمبر 2008م.
وتعتبر كاتدرائية سيدة شبه الجزيرة العربية أكبر كاتدرائية كاثوليكية في مملكة البحرين ومنطقة الخليج العربي ككل، والثانية بعد كنيسة القلب المقدس التي تمثل الطائفة الكاثوليكية و تبلغ مساحة الكاتدرائية حوالي 9000 متر مربع وصممت الكاتدرائية بتصاميم هندسية ومعماري حديثة جاءت على شكل خيمة، للتدليل على أن الخيمة في العهد القديم -بحسب الديانة المسيحية- كانت هي «مقر ورمزاً للعبادة»، كما أن الخيمة ترمز أيضاً لأسلوب حياة وعادات العرب في دول الخليج العربية.
وتمثل الطائفة الكاثوليكية، الطائفة المسيحية الأكبر من نسبة المسيحيين المقيمين في مملكة البحرين، حيث يتبعون الكنيسة الرومانية الكاثوليكية الأم تحت القيادة الروحية لبابا الفاتيكان في روما. وبحسب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية فإن مملكة البحرين تحتضن 18 كنيسة رسمية مسجلة تحت مظلتها لمختلف الطوائف المسيحية، وأكثر من 100 كنيسة مصغرة تمارس عملها بكامل الحرية، وهو ما يعكس مناخ الحريات الدينية المنفتح الذي توفره مملكة البحرين لأتباع الديانات والطوائف الأخرى وتوفير كامل الدعم والاستقرار لهم لممارسة عباداتهم وشعائرهم والاحتفال بمناسباتهم وأعيادهم الدينية على أرض مملكة البحرين، أرض السلام وبلد الوئام.