ارتفعت أسعار الديزل - المستخدم لتشغيل الشاحنات وآلات الوقود وتدفئة المنازل - بنحو 50% وسط تقلص المخزونات وتوتر سوق التصدير.

ويعد الديزل الوقود الأكثر أهمية للاقتصاد العالمي، إذ تعتمد عليه الشاحنات والحافلات والسفن والقطارات. كما يستخدم في تشغيل آلات البناء والتصنيع والزراعة، فضلاً عن التدفئة للمنازل وتوليد الكهرباء بعد ارتفاع سعر الغاز الطبيعي.

وفي غضون الأشهر القليلة المقبلة، ستواجه كل منطقة على هذا الكوكب تقريباً خطر نقص الديزل في وقت أدت فيه أزمة الإمدادات في جميع أسواق الطاقة في العالم تقريباً إلى تفاقم التضخم وخنق النمو.

وفي الولايات المتحدة وحدها، سيتسبب ارتفاع تكلفة الديزل إلى أضرار اقتصادية تقدر قيمتها بـ 100 مليار دولار، وفقاً لما ذكره زميل الطاقة في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس، مارك فينلي، لوكالة "بلومبرغ"، واطلعت عليه "العربية.نت".

وباتت مخزونات الديزل وزيت التدفئة في الولايات المتحدة، عند أدنى مستوى لها إطلاقا في هذا الوقت من العام في البيانات التي تعود إلى 4 عقود. يواجه شمال غرب أوروبا أيضاً مخزونات منخفضة - ومن المتوقع أن تصل المخزونات إلى مستوى منخفض هذا الشهر ثم تنخفض أكثر بحلول مارس، بعد فترة وجيزة من بدء العقوبات التي ستقطع المنطقة عن الإمدادات البحرية الروسية.

يأتي ذلك، فيما أصبحت أسواق التصدير العالمية مكتظة للغاية لدرجة أن الدول الأفقر مثل باكستان أصبحت مغلقة، مع فشل الموردين في حجز ما يكفي من الشحنات لتلبية الاحتياجات المحلية للبلاد.

من جانبه، قال الرئيس التنفيذي السابق لشركة تكرير النفط الإيطالية Saras SpA، داريو سكافاردي، الذي قضى ما يقرب من 40 عاماً في الصناعة: "إنها بالتأكيد أكبر أزمة ديزل رأيتها إطلاقا".

ارتفع الديزل في السوق الفورية لميناء نيويورك، وهو معيار رئيسي، بنسبة 50% تقريباً هذا العام. وصل السعر إلى 4.90 دولار للغالون في أوائل نوفمبر، أي حوالي ضعف مستويات العام الماضي.

كما اتسعت فروق أسعار الوقود مقابل النفط الخام، وهي علامة على مدى ضعف قدرة التكرير، وفيما يتعلق بالإمدادات التي سيتم تسليمها لاحقاً. في شمال غرب أوروبا، تكلف العقود الآجلة للديزل حوالي 40 دولاراً للبرميل فوق سعر خام برنت، ويقارن هذا مع متوسط آخر 5 سنوات يبلغ 12 دولاراً فقط. كما يتم تداول عقود الديزل الآجلة في نيويورك لتسليم ديسمبر بنحو 12 سنتاً أعلى من تلك الخاصة بشهر يناير.

ما الذي يسبب النقص؟

وبعد أن دمرت عمليات الإغلاق الطلب وأجبرت شركات التكرير على إغلاق بعض مصانعها الأقل ربحية، زادت عمليات التحول التي تلوح في الأفق بعيداً عن الوقود الأحفوري إلى إضعاف الاستثمارات في هذا القطاع.

ومنذ عام 2020، تقلصت طاقة التكرير الأميركية بأكثر من مليون برميل يومياً. وفي هذه الأثناء في أوروبا، أثرت اضطرابات الشحن والإضرابات العمالية على إنتاج المصافي.

أوروبا

يمكن أن تصبح الأمور أكثر دراماتيكية مع تحول الاتحاد الأوروبي الذي يلوح في الأفق بعيداً عن الإمدادات الروسية. تعتمد أوروبا على الديزل بشكل أكبر من أي منطقة أخرى في العالم. إذ يتم تسليم ما يقرب من 500 مليون برميل سنوياً عن طريق السفن، ويتم تحميل حوالي نصف ذلك عادةً في الموانئ الروسية، وفقاً لبيانات من شركة Vortexa. كما أوقفت الولايات المتحدة الواردات من روسيا، التي كانت مورداً كبيراً للساحل الشرقي في الشتاء الماضي.

من المؤكد أن النقص المطول في الديزل في جميع أنحاء الولايات المتحدة أمر غير محتمل لأن البلاد مُصدِّر صاف للوقود. لكن من المرجح أن تصبح الانقطاعات المحلية وارتفاع الأسعار أكثر تواتراً، خاصة على الساحل الشرقي، حيث تؤدي ندرة خطوط الأنابيب إلى اختناقات هائلة. إذ تعتمد المنطقة إلى حد كبير على خط أنابيب كولونيال الذي غالباً ما يكون ممتلئاً. ويزيد قانون الشحن الذي مضى عليه قرن من الزمان، والمعروف باسم قانون جونز، من تعقيد حركة الوقود المحلي ويشجع المنتجين على ساحل الخليج على تفضيل الصادرات على إمداد السوق المحلية.

ومع اقتراب الموعد النهائي للعقوبات على روسيا، لا تزال أوروبا تستورد كمية هائلة من الديزل من روسيا. كما أنها تسحب كميات هائلة من المملكة العربية السعودية والهند وغيرهما. نتيجة لذلك، سجلت الواردات المنقولة عبر البحر لشهر أكتوبر أعلى مستوياتها منذ بداية عام 2016 على الأقل، وفقاً لبيانات من Vortexa جمعتها بلومبرغ.

روسيا تعقد المشهد

وشهدت ألمانيا بالفعل ضيقاً، حيث أعاق انخفاض مستويات نهر الراين عمليات التسليم وقلص الإنتاج، في حين عانت مصافي التكرير في المجر والنمسا المجاورتين أيضاً من اضطراب كبير. فيما تعرض الإنتاج الفرنسي للاختناق بسبب موجة من الإضرابات العمالية بسبب الأجور.

وقال الرئيس التنفيذي السابق لشركة ساراس، سكافاردي: "إذا لم تعد روسيا مورِّداً بعد الآن، فإن ذلك سيضع تأثيراً كبيراً على النظام، وسيكون من الصعب إصلاحه".

البلدان الفقيرة تعاني

وأدى ضغط الوقود العالمي إلى زيادة ربحية المصدرين مثل الصين والهند لإرسال شحنات إلى دول في أوروبا يمكنها دفع علاوات كبيرة. من المتوقع أن ترتفع صادرات الوقود الإجمالية من الصين بمقدار 500 ألف برميل يومياً إلى ما يقرب من 1.2 مليون برميل بحلول نهاية العام، وفقاً لشركة استشارات الطاقة FGE.

ويبقى أن نرى ما إذا كان ذلك سيكون كافياً لسد فجوة العرض العالمية، وفي الوقت نفسه فإن البلدان الأكثر فقراً التي لا تستطيع تحمل الأسعار المرتفعة تعاني.

قال وزير الطاقة في سريلانكا، التي تعاني من ضائقة مالية، إنها تكافح من أجل تحمل أسعار الوقود العالمية، وهي غير قادرة على تأمين إمدادات كافية. قامت تايلاند بتمديد التخفيض الضريبي على الديزل في محاولة لحماية المستهلكين من ارتفاع الأسعار، مع توقع الحكومة أن هذه الخطوة ستكلف حوالي 551 مليون دولار من العائدات المفقودة. فيما تتطلع فيتنام إلى سن تدابير طارئة، بما في ذلك استخدام بنكها المركزي لفتح المزيد من القروض لمنتجي الوقود المحليين من أجل تعزيز الإمدادات.