تتميز الحرف بجمالها وعمق دلالاتها الثقافية، فالمنتج الحرفي جامع لمكامن الجمال بين عبق تراثي وفرادة الصناعة ومحلية الإنتاج، فمن عمق العمل اليدوي يأتي كل من نداء جاسم العرادي ومحمد عبدالله الساري كنموذجين للحرفيين المتمكنين، ونظراً لتميز عملهما حظيا بالتشجيع الكريم من صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المعظم رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، خلال زيارة سموها لهما في أحد المعارض وتفضلها بشراء بعض القطع المختلفة من أعمالهما، الأمر الذي يعتبر مصدر فخر واعتزاز كبيرين لهما، فعلى الرغم من بدء عملهما منذ أكثر من 21 عاما في مجال صناعة المنتوجات المختلفة تحت مظلة الأسر المنتجة، إلا أنهما تجاوزا حدود الأعمال البسيطة ليتقدما في صناعة الأعمال الكبيرة والأكثر تعقيدا وفنا.
العرادي والساري يبدعان بصناعات يدوية فريدة تمزج بين الحرف والفنون والألوان، فباستخدام الخط العربي تتزين القطع لتعبر عن أصالة تختزلها أياديهما المبدعة، ويقول الساري عن عملهما: عملنا على تأثيث منزل إحدى السيدات بالكامل من جلسة رئيسية وتصميم لوحات والرسم على زجاج النوافذ، إضافة إلى توفير مستلزمات المنزل المختلفة، كما نملك القدرة على الرسم على الجداريات الكبيرة بأي تصميم وأي شكل يطلبه الزبون، ونظرا لاستنادنا على هذه الأرضية الصلبة نتطلع لفتح أول معرض للأثاث المنقوش باليد، كما لدينا خطة توسع نتمنى بلوغها يوما ما، فنحن نمثل جزءا من صناعات وطنية نريد لها الانتشار في السوق المحلية والعالمية.
وتأخذ العرادي طرف الحديث لتقول: ننوي فتح ورشة مصغرة ونتطلع للتوسع فيها وإنشاء مركز تدريبي أيضا، ولكن كل هذه الأفكار تحتاج إلى الدعم، وهذا ما نتمناه خلال المرحلة المقبلة من وزارة التنمية الاجتماعية، فالإنتاج والعرض والتدريب يعتبران مكملان لبعضهما البعض.
وفيما يتعلق بسير العمل تقول العرادي: "عملنا على مشروع حرفي جميل لصالح سفير مملكة البحرين في بريطانيا، وقام مشكورا بالتوجيه لإرفاق ورقة تشرح المنتج وتبين أنه عمل يدوي بحريني باللغة الإنجليزية، دمجنا في أعمالنا بين فنون وحرف مختلفة منها الرسم على السيراميك والقماش والجلود إضافة إلى الرسم على الزجاج والحائط، ثم توجهنا إلى النجارة والرسم على الخشب، وصممنا توزيعات للمناسبات وتميزنا بتصميمات القرقاعون العام الماضي، وأذكر أننا كنا نمد الليل بالنهار وسعدنا بقبول الجمهور لعملنا وزيادة الطلب عليه".
وأضاف الساري: "عملنا على صناعة الصناديق والمباخر الصغيرة، ثم تطورنا لصناعة الخزائن الصغيرة والرفوف، ولم نتوقف عند هذا الحد بل زدنا عليه صناعة الصناديق الكبيرة والكراسي الخشبية المزخرفة، والحواجز المنزلية الداخلية التي تنقش بزخارف وألوان حسب رغبة الزبون، كل هذا التطوير كان رهان إقبال الناس وطلباتهم، فمنذ بداية عملنا لم ننظر إلى الربح بقدر حبنا للمشروع لكونه رسالة في حد ذاتها، فتواجد الصناعة المحلية يستحق الانتشار والدعم ونتطلع لوصولها إلى الأسواق الخارجية أيضا".
مسيرة 21 عاما حافلة بتفاصيل النجاح والتحدي، وعنها تقول العرادي: "بدأنا بأشياء بسيطة كالمباخر والصواني والرسم على الصحون الصينية، ثم توسعنا بعمل الأطقم المنزلية الكاملة، ثم وردتنا طلبات خاصة لعمل صناديق كبيرة حسب رغبة الزبائن، وبشكل عام يمكن تقسيم المراحل بأن أول 10 سنوات كانت لتصنيع القطع الصغيرة، بعدها بدأنا في ابتكار وتصميم وتنفيذ القطع الكبيرة، ومنذ عام 2008 بدأنا العمل على صناعة الخشب، ومنذ البداية حتى اليوم لا يمكننا إغفال الدعم الكبير الذي لقيناه من مديرة مركز المحرق للرعاية الاجتماعية السيدة بدرية جناحي، التي كان لها دور كبير في تشجيعنا لطرق باب الصناعة اليدوية والعمل الإنتاجي المنظم".
العمل اليدوي يتطلب الكثير من المهارة ويتطلب جهدا ولا ينجح بدون الصبر، تقول العرادي: "نؤمن تلبية 4 إلى 6 طلبات في الشهر كمتوسط، ففي الرسم على السيراميك، نحتاج إلى إعداد عجينة خاصة لعملية التحديد، إضافة إلى توفير ألوان خاصة، أيضا تعلمنا طرق التغليف وتأمين التوصيل، فهي مهارات يحتاج إليها كل من يدخل السوق، أما في الأعمال الخشبية فنستخدم عدة أنواع منها الساج والخشب العادي والمضغوط، وبشكل عام نوفر جميع احتياجاتنا من السوق المحلية ولا نستورد أي شيء من الخارج".
يقول الساري مضيفا: "بدأنا كأسر منتجة تحت مظلة مجمع العاصمة لمنتجات الأيدي البحرينية وبالتالي أقمنا ورشتنا الصغيرة، ونتطلع للتوسع فيها ونحتاج إلى المزيد من الترويج، أيضا استعنا ببرامج الكمبيوتر من أجل التصميم، فمن يعمل في الخشب يحتاج إلى الدقة في أخذ المقاسات وضبط التنفيذ مزجنا بين فخامة الخط العربي وجاذبية الفن والرسم، طعمنا أعمالنا بألوان مبهجة تزيد من جمالا القطع، كما حرصنا على تلوين الخشب أكثر من مرة، ثم تغطيته بمادة مثبتة لضمان جودة المنتج".
وبسؤالهما عن مستوى الإقبال على شراء المنتوجات الحرفية والأعمال اليدوية وسط منافسة السوق وتنوع المعروض، قال الساري: "من يعمل في الميدان يدرك وجود شريحة تهتم بالعمل اليدوي وتقدره، فهناك طلبات خاصة تردنا، وهناك مواسم يزداد فيها الطلب على بعض القطع دون أخرى، ومع مرور السنوات قمنا بتقديم صناعات كثيرة لاقت القبول والاستحسان، ولكننا نتمنى الترويج لأعمالنا البحرينية، فالتصاميم هي تصاميم محلية تعكس ثقافتنا المحلية، والنقوش والصور وغيرها كلها من واقع بيئتنا الذي نفخر بصناعتها ونسعى لانتشارها محليا وخارجيا".