بقلم: الدكتور مصطفى السيد
الأمين العام للمؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية
رسخ في الأذهان أن مفهوم الذكاء العاطفي أو ما يطلق عليه بالإنجليزية Emotional intelligence هو مفهوم غربي نشأ في الغرب ثم عرفه العالم بعد ذلك، لكن ما لا يدركه الكثيرون أن القرآن الكريم أشار إلى مفهوم الذكاء العاطفي والذي هو مصدره القلب منذ أكثر من 1400 عام بعبارات واضحة سلطت الضوء على العلاقة الكبيرة بين العاطفة والعقل.
هذا المبدأ العظيم في التفكير الإبداعي أو الذكاء العاطفي أو أياً كانت مسمياته يشير إلى علاقة واضحة تتمثل في الفهم والتفكير والتدبر بالفؤاد أو القلب، وإلى الدور الهام الذي يلعبه القلب في تنظيم عملية الفهم والإدراك والذي لا زالت الأبحاث العلمية تجتهد في تحديد أبعاده المتشعبة.
قال الله جل وعلا في سورة البقرة (خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَرِهِمْ غِشَوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) سورة البقرة - الآية 7.
وإني، وإن كنت لست مختصاً في علم التفسير الفقهي للقرآن الكريم، إلا أنني أزعم أن الله قد حباني القدرة على التأمل والتفكير في جمال خلقه، والتدبر في أبعاد عظمة هذا الخلق، ومن ضمن ذلك بيان القرآن الكريم وسحر معانيه وعمقها الذي لا نصله إلا بالفهم السليم للغة والتأني في تدبر معانيه، وكلها أمور نحتاج إلى الكثير من الاجتهاد للوصول إلى أبعادها الصحيحة. مثال على ذلك هذه الآية الكريمة التي تكشف لنا عظمة الخالق في تنوير الإنسان وتسليحه بالفكر والمنطق ومنحه لذلك أداة أخرى إلى جانب العقل. والآية المذكورة تبين عظمة القرآن الكريم والمعجزة الإلهية فيه حيث أعطى الله جلت قدرته الإنسان، بالإضافة إلى العقل، القلب أيضاً ليتفكر به، فالختم على القلوب المذكور في الآية كان نتيجته إعراض المختوم على قلبه عن سماع دعوة الحق. وبطبيعة الحال فإنه من المعتاد أن يكون إدراك الحق والصواب هو مهمة العقل وليست مهمة القلب، لذلك فإن التوقع الطبيعي كان أن يكون الختم على العقول، إلا أن الآية أبانت بشكل واضح الدور الإدراكي للقلب.
وليس مستغرباً أن بعض الباحثين أنكروا أي دور للعقل في العملية المعرفية بل واقتصروا على السمع والبصر والفؤاد باعتبار أن هذه هي أدوات الإدراك باعتبار أن الثلاثة معاً يمثلون أعضاء وأجساما معروفة، أما العقل فليس بعضو وكل ما يقال بشأن كونه مركز الإدراك أمر غير مثبت.
وكما ذكرت فأنا لا أريد أن أفسر الآية من الناحية الفقهية لأنها تعتبر نقطةً بيولوجيةً فطرية في ذات سياق التكامل العاطفي العقلي ذكرها الله سبحانه في هذه الآية. ويؤكد ذلك ما ذكره باحثون حول تراتبية التفكير والعاطفة عند الإنسان في مراحله المختلفة، حيث يؤكد هؤلاء الباحثون أن القرآن الكريم عندما تحدث عن فطرة وذكاء الكبار في السن بدأ بالقلب ثم السمع والأبصار (خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَرِهِمْ غِشَوَةٌ) ليبين لنا بأن الإنسان الذي وصل إلى سن الرشد قادرٌ على أن يفكر ويقدر الأمور بالقلب إضافة إلى السمع والأبصار.
ولكنه سبحانه وتعالى عندما تحدث عن الطفل الرضيع بدآ بالسمع والأبصار ثم الأفئدة أو القلب حيث قال في كتابه الكريم (وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْـًئا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَارَ وَٱلْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون) سورة النحل - الآية 78، حيث تبيّن الآية بوضوح أن الطفل يشعر في بداية عمره أولاً بالسمع والبصر ثم مع الوقت يعطيه الله القوة الإبداعية في التفكير بالقلب وبالعاطفة والتجاوب مع الفطرة الكونية، وهذه معجزة إلهية عظيمة لأن الإنسان ما إذا فكر بقلبه بإيجابية فمن البديهي أن ينجح لأن القلب يعلمنا القيم ويعطينا الدافع للاستمرار في المحاولة لتحقيق الأهداف والإصرار على النجاح بالمثابرة والاجتهاد وهذا العلم موجود عندنا والحمد لله من 1400 عام وهذا من عظمة الله جل جلاله.
وفي الآية 47 من سورة الحج يقول المولى عز وجل (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) فالقلب في الآية هو الذي يعقل وهو الذي يبصر أيضاً، ولسنا نقصد هنا إلغاء العقل أو بيان عدم أهميته فلا يمكن لأي أحد أن ينكر أو ينفي أهمية العقل فهو جزء هام في جهاز جسم الإنسان وجب الاهتمام به وتنشيطه بالقراءة والثقافة والعلم واستعمال الأساليب العملية لتطويره والعناية به كاستخدام أساليب العصف الذهني والخارطة الذهنية وغيرها، وكذلك التأكد من حصول العقل على الأوكسجين والغذاء المناسبين. ولكن التفسير العلمي الحديث للعلاقة بين القلب والعقل هو نتاج عملية تتواصل فيها الخلايا العصبية بين القلب والدماغ حيث يتزود القلب بإشارات مراجعة مستمرة تؤثر بدورها على المشاعر. ويقول باحثون "عندما نختبر شيئاً مجسداً، فيمكن لهذا الشيء أن يغير حالتنا العاطفية، إذ حينما تتسارع قلوبنا قد نشعر بالقلق. هذا التواصل لا يعني أن القلب يفكر بنفسه، ولكن كما يوضح أخصائي طب الأعصاب السريري د. ستيفن نوفيلا "إن الخلايا العصبية وحدها ليست مساوية للعقل أو الوعي، إذ يتطلب الأمر التنظيم المتخصص للخلايا العصبية في الدماغ لإنتاج العمليات المعرفية التي نختبرها كعقل".
دليل آخر على هذه العلاقة وهو مرض الزهايمر الذي يعد أحد أكثر الاضطرابات شيوعاً بين كبار السن، ومع ذلك فإن الأسباب المؤدية إلى هذا المرض غير معروفة إلى حد كبير، يقول الباحثون "أصبحت العلاقة بين الإصابات القلبية الوعائية والتدهور المعرفي والفكري واضحة من الدراسات الوبائية مثل دراسة فرامنغهام للقلب، كما أن زيادة المعرفة بالرؤى الميكانيكية تسلط الضوء على أهمية اتصال القلب بالدماغ في التسبب في الإصابة بالضعف الإدراكي وتطوره. وإذا كانت ثمة استخلاص من ذلك هو أن القلب جزء ومكون أساسي في منظومة التفكير إلا أنه لم يتسنَّ لنا بعد معرفة أبعاد وحجم هذا الدور. إلا أن الجدل حول الدور الذي يلعبه القلب في عملية الإدراك يتوافق مع ما توصلت إليه أحدث الأبحاث العلمية في هذا المجال، والمدهش في هذا السياق هو اكتشاف أن القلب يحتوي على جهاز عصبي مستقل ومتطور يتكون من أكثر من 40,000 خلية عصبية وشبكة معقدة شديدة الإبداع من الناقلات العصبية والبروتينات التي تحمل الكثير من المعلومات عن شخصياتنا وتاريخنا وذاكرتنا. هذا الاكتشاف المذهل هو مزيد من التأكيد للسبق القرآني في التعبير عن مضامين مفهوم الذكاء العاطفي قبل أن يظهر بصورته المعاصرة، ولعل الأكثر إدهاشاً في دور القلب هو ما ثبت من حدوث تحول في سلوكيات وأمزجة أشخاص أجريت لهم عمليات نقل قلب من أشخاص آخرين، حيث أوضحت التجربة أن سلوكيات هؤلاء الأشخاص أصبحت مشابهة لحد كبير لسلوكيات من تم نقل القلب منهم، وهذا تأكيد دامغ لذات المعنى من حقيقة الدور الإدراكي للقلب. من الأمثلة السابقة يتضح أن العلم قد بدأ يتخذ خطوات أكثر جدية وثقة تجاه إثبات تلك العلاقة بين القلب والتفكير ودور القلب الذي أشار إليه القرآن الكريم كأداة للإدراك والفهم والمعرفة، وحينها لن يكون غريباً أن ينسجم ذلك كله مع مفهوم الذكاء العاطفي.
ونستخلص بأن خلايا القلب لها الدور الرئيس في التعلم والذاكرة بالإضافة إلى التناغم العجيب بين القلب والمخ Harmony وهذا ما استنتجه بعض الباحثين والمهتمين في مثل هذه العلوم والعلاقات البينية المخفية بين أعضاء جسم الإنسان مثل Gregg Braden، ومازلنا نحن كبشر نحتاج إلى المزيد من الباحثين والعلماء المتخصصين ليكتشفوا المزيد من الاعجاز الإلهي يوماً بعد يوم.
وهذه ورقة فيها اجتهاد في الفكر وفي الرؤية وفي الأبعاد ما بين علاقة القلب بالعقل وبالنفس حيث ذكرت في القرآن الكريم من قبل وهي ليست ورقة لتفسير القرآن ولا ورقة فقهية، إنما هي دعوة لنا جميعاً لأن نستعمل عقولنا في هذه العلاقات الموجودة داخل كنوز القرآن الكريم، ولذلك أقدمت على طرحها على الملأ كي يدلي فيها كل منكم بدلوه ليستطيع كل منا أن يكتشف ملكاته التي وضعها الله سبحانه وتعالى في فؤاده حينما علم آدم الأسماء كلها وبالتالي تعالوا معنا جميعاً لكي نجتهد في أن نرى تطبيقات قرآنية بلغة حديثة عصرية لا تتعارض مع العقيدة ولا تتعارض مع الإيمانيات، بل تؤجج جذوة الإيمانيات في قلوب من يفهمون أبعاد القرآن الكريم العلمية والثقافية والتاريخية والمهنية والعاطفية وغيرها، فالقرآن الكريم له من الأبعاد ما لا يعد ولا يحصى والتي تنم عن كنوز دفينة داخل معانيه وتفاسيره العميقة التي فسرها المفسرون.
الأمين العام للمؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية
رسخ في الأذهان أن مفهوم الذكاء العاطفي أو ما يطلق عليه بالإنجليزية Emotional intelligence هو مفهوم غربي نشأ في الغرب ثم عرفه العالم بعد ذلك، لكن ما لا يدركه الكثيرون أن القرآن الكريم أشار إلى مفهوم الذكاء العاطفي والذي هو مصدره القلب منذ أكثر من 1400 عام بعبارات واضحة سلطت الضوء على العلاقة الكبيرة بين العاطفة والعقل.
هذا المبدأ العظيم في التفكير الإبداعي أو الذكاء العاطفي أو أياً كانت مسمياته يشير إلى علاقة واضحة تتمثل في الفهم والتفكير والتدبر بالفؤاد أو القلب، وإلى الدور الهام الذي يلعبه القلب في تنظيم عملية الفهم والإدراك والذي لا زالت الأبحاث العلمية تجتهد في تحديد أبعاده المتشعبة.
قال الله جل وعلا في سورة البقرة (خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَرِهِمْ غِشَوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) سورة البقرة - الآية 7.
وإني، وإن كنت لست مختصاً في علم التفسير الفقهي للقرآن الكريم، إلا أنني أزعم أن الله قد حباني القدرة على التأمل والتفكير في جمال خلقه، والتدبر في أبعاد عظمة هذا الخلق، ومن ضمن ذلك بيان القرآن الكريم وسحر معانيه وعمقها الذي لا نصله إلا بالفهم السليم للغة والتأني في تدبر معانيه، وكلها أمور نحتاج إلى الكثير من الاجتهاد للوصول إلى أبعادها الصحيحة. مثال على ذلك هذه الآية الكريمة التي تكشف لنا عظمة الخالق في تنوير الإنسان وتسليحه بالفكر والمنطق ومنحه لذلك أداة أخرى إلى جانب العقل. والآية المذكورة تبين عظمة القرآن الكريم والمعجزة الإلهية فيه حيث أعطى الله جلت قدرته الإنسان، بالإضافة إلى العقل، القلب أيضاً ليتفكر به، فالختم على القلوب المذكور في الآية كان نتيجته إعراض المختوم على قلبه عن سماع دعوة الحق. وبطبيعة الحال فإنه من المعتاد أن يكون إدراك الحق والصواب هو مهمة العقل وليست مهمة القلب، لذلك فإن التوقع الطبيعي كان أن يكون الختم على العقول، إلا أن الآية أبانت بشكل واضح الدور الإدراكي للقلب.
وليس مستغرباً أن بعض الباحثين أنكروا أي دور للعقل في العملية المعرفية بل واقتصروا على السمع والبصر والفؤاد باعتبار أن هذه هي أدوات الإدراك باعتبار أن الثلاثة معاً يمثلون أعضاء وأجساما معروفة، أما العقل فليس بعضو وكل ما يقال بشأن كونه مركز الإدراك أمر غير مثبت.
وكما ذكرت فأنا لا أريد أن أفسر الآية من الناحية الفقهية لأنها تعتبر نقطةً بيولوجيةً فطرية في ذات سياق التكامل العاطفي العقلي ذكرها الله سبحانه في هذه الآية. ويؤكد ذلك ما ذكره باحثون حول تراتبية التفكير والعاطفة عند الإنسان في مراحله المختلفة، حيث يؤكد هؤلاء الباحثون أن القرآن الكريم عندما تحدث عن فطرة وذكاء الكبار في السن بدأ بالقلب ثم السمع والأبصار (خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَرِهِمْ غِشَوَةٌ) ليبين لنا بأن الإنسان الذي وصل إلى سن الرشد قادرٌ على أن يفكر ويقدر الأمور بالقلب إضافة إلى السمع والأبصار.
ولكنه سبحانه وتعالى عندما تحدث عن الطفل الرضيع بدآ بالسمع والأبصار ثم الأفئدة أو القلب حيث قال في كتابه الكريم (وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْـًئا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَارَ وَٱلْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون) سورة النحل - الآية 78، حيث تبيّن الآية بوضوح أن الطفل يشعر في بداية عمره أولاً بالسمع والبصر ثم مع الوقت يعطيه الله القوة الإبداعية في التفكير بالقلب وبالعاطفة والتجاوب مع الفطرة الكونية، وهذه معجزة إلهية عظيمة لأن الإنسان ما إذا فكر بقلبه بإيجابية فمن البديهي أن ينجح لأن القلب يعلمنا القيم ويعطينا الدافع للاستمرار في المحاولة لتحقيق الأهداف والإصرار على النجاح بالمثابرة والاجتهاد وهذا العلم موجود عندنا والحمد لله من 1400 عام وهذا من عظمة الله جل جلاله.
وفي الآية 47 من سورة الحج يقول المولى عز وجل (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) فالقلب في الآية هو الذي يعقل وهو الذي يبصر أيضاً، ولسنا نقصد هنا إلغاء العقل أو بيان عدم أهميته فلا يمكن لأي أحد أن ينكر أو ينفي أهمية العقل فهو جزء هام في جهاز جسم الإنسان وجب الاهتمام به وتنشيطه بالقراءة والثقافة والعلم واستعمال الأساليب العملية لتطويره والعناية به كاستخدام أساليب العصف الذهني والخارطة الذهنية وغيرها، وكذلك التأكد من حصول العقل على الأوكسجين والغذاء المناسبين. ولكن التفسير العلمي الحديث للعلاقة بين القلب والعقل هو نتاج عملية تتواصل فيها الخلايا العصبية بين القلب والدماغ حيث يتزود القلب بإشارات مراجعة مستمرة تؤثر بدورها على المشاعر. ويقول باحثون "عندما نختبر شيئاً مجسداً، فيمكن لهذا الشيء أن يغير حالتنا العاطفية، إذ حينما تتسارع قلوبنا قد نشعر بالقلق. هذا التواصل لا يعني أن القلب يفكر بنفسه، ولكن كما يوضح أخصائي طب الأعصاب السريري د. ستيفن نوفيلا "إن الخلايا العصبية وحدها ليست مساوية للعقل أو الوعي، إذ يتطلب الأمر التنظيم المتخصص للخلايا العصبية في الدماغ لإنتاج العمليات المعرفية التي نختبرها كعقل".
دليل آخر على هذه العلاقة وهو مرض الزهايمر الذي يعد أحد أكثر الاضطرابات شيوعاً بين كبار السن، ومع ذلك فإن الأسباب المؤدية إلى هذا المرض غير معروفة إلى حد كبير، يقول الباحثون "أصبحت العلاقة بين الإصابات القلبية الوعائية والتدهور المعرفي والفكري واضحة من الدراسات الوبائية مثل دراسة فرامنغهام للقلب، كما أن زيادة المعرفة بالرؤى الميكانيكية تسلط الضوء على أهمية اتصال القلب بالدماغ في التسبب في الإصابة بالضعف الإدراكي وتطوره. وإذا كانت ثمة استخلاص من ذلك هو أن القلب جزء ومكون أساسي في منظومة التفكير إلا أنه لم يتسنَّ لنا بعد معرفة أبعاد وحجم هذا الدور. إلا أن الجدل حول الدور الذي يلعبه القلب في عملية الإدراك يتوافق مع ما توصلت إليه أحدث الأبحاث العلمية في هذا المجال، والمدهش في هذا السياق هو اكتشاف أن القلب يحتوي على جهاز عصبي مستقل ومتطور يتكون من أكثر من 40,000 خلية عصبية وشبكة معقدة شديدة الإبداع من الناقلات العصبية والبروتينات التي تحمل الكثير من المعلومات عن شخصياتنا وتاريخنا وذاكرتنا. هذا الاكتشاف المذهل هو مزيد من التأكيد للسبق القرآني في التعبير عن مضامين مفهوم الذكاء العاطفي قبل أن يظهر بصورته المعاصرة، ولعل الأكثر إدهاشاً في دور القلب هو ما ثبت من حدوث تحول في سلوكيات وأمزجة أشخاص أجريت لهم عمليات نقل قلب من أشخاص آخرين، حيث أوضحت التجربة أن سلوكيات هؤلاء الأشخاص أصبحت مشابهة لحد كبير لسلوكيات من تم نقل القلب منهم، وهذا تأكيد دامغ لذات المعنى من حقيقة الدور الإدراكي للقلب. من الأمثلة السابقة يتضح أن العلم قد بدأ يتخذ خطوات أكثر جدية وثقة تجاه إثبات تلك العلاقة بين القلب والتفكير ودور القلب الذي أشار إليه القرآن الكريم كأداة للإدراك والفهم والمعرفة، وحينها لن يكون غريباً أن ينسجم ذلك كله مع مفهوم الذكاء العاطفي.
ونستخلص بأن خلايا القلب لها الدور الرئيس في التعلم والذاكرة بالإضافة إلى التناغم العجيب بين القلب والمخ Harmony وهذا ما استنتجه بعض الباحثين والمهتمين في مثل هذه العلوم والعلاقات البينية المخفية بين أعضاء جسم الإنسان مثل Gregg Braden، ومازلنا نحن كبشر نحتاج إلى المزيد من الباحثين والعلماء المتخصصين ليكتشفوا المزيد من الاعجاز الإلهي يوماً بعد يوم.
وهذه ورقة فيها اجتهاد في الفكر وفي الرؤية وفي الأبعاد ما بين علاقة القلب بالعقل وبالنفس حيث ذكرت في القرآن الكريم من قبل وهي ليست ورقة لتفسير القرآن ولا ورقة فقهية، إنما هي دعوة لنا جميعاً لأن نستعمل عقولنا في هذه العلاقات الموجودة داخل كنوز القرآن الكريم، ولذلك أقدمت على طرحها على الملأ كي يدلي فيها كل منكم بدلوه ليستطيع كل منا أن يكتشف ملكاته التي وضعها الله سبحانه وتعالى في فؤاده حينما علم آدم الأسماء كلها وبالتالي تعالوا معنا جميعاً لكي نجتهد في أن نرى تطبيقات قرآنية بلغة حديثة عصرية لا تتعارض مع العقيدة ولا تتعارض مع الإيمانيات، بل تؤجج جذوة الإيمانيات في قلوب من يفهمون أبعاد القرآن الكريم العلمية والثقافية والتاريخية والمهنية والعاطفية وغيرها، فالقرآن الكريم له من الأبعاد ما لا يعد ولا يحصى والتي تنم عن كنوز دفينة داخل معانيه وتفاسيره العميقة التي فسرها المفسرون.