ثامر طيفور أرسلت نسخاً من جزء عم إلى قرغيزستان والبوسنة وتركيا وباكستانأنتمي لعائلة تعشق الكتب وتملك المكتبات منذ 1929حلم مكتبة الخطاط يراودني منذ 1988سر الخط الجميل بيد الإنسان عبر التدريب والممارسةسافرت إلى مختلف أصقاع الدنيا لتوفير أدوات الخطبين الأقلام مائلة الرأس، وقصب البامبو والحبر الممزوج بالمسك وماء الورد، يقضي الخطاط البحريني إبراهيم محمد عبيد أوقاته، في هذه الهواية الذي حولها إلى عمل، بل شغل شاغل، يستمتع به ويفيد به البحرين وزوارها.إبراهيم عبيد ينتمي إلى عائلة تمتلك أكبر المكتبات في البحرين، مثل المكتبة الوطنية، ومكتبة البحرين، ومكتبة الجيل الجديد، ومكتبة عبيد، وأسس بدوره مكتبته الخاصة، ولكنها تفردت بأنها الأولى من نوعها في البحرين والخليج العربي، وهي مكتبة الخطاط، المختصة فقط بكل ما يهم الخطاطين وهواة الخط العربي.وقال إبراهيم عبيد في لـ«الوطن»: «في عام 2014، قمت بإنشاء مكتبة الخطاط، وهي امتداد لمكتبة عبيد الشهيرة، والتي افتتحها والدي عام 1961، واستمرت بالعمل إلى عام 2013، وبعد ذلك أغلقت بسبب مرض والدي، والذي بدوره يعتبر امتداداً للمكتبة الوطنية التي أسسها جدي إبراهيم محمد عبيد عام 1929».وأضاف: «عائلتنا عائلة مكاتب إن صح التعبير، والخطاط اليوم هو امتداد لمكتبة عبيد والمكتبة الوطنية، والتي مازال يديرها عمي فاروق، وعمي الآخر لديه مكتبة الجيل الجديد، وجدي لأمي محمد المهزع يملك مكتبة البحرين منذ 1956، فالعائلة تجري في دمائها المكتبات».وقال إبراهيم عبيد: «عند مرض الوالد، أوصاني بالمكتبة، فأخبرته أنني لا أصلح لعمل المكتبات التقليدية، أنا خطاط وخريج ماجستير محاسبة، ولا أملك أي خبرة في عمل المكاتب، ولكنني سأفتتح ما أتمناه، وهو مكتبة مختصة بالخط، وهذا الحلم يراودني منذ بداية تعلمي للخط العربي في 1988، وهي باختصار مكتبة فيها كل ما يتعلق بالخط العربي، وبالفعل افتتحت المكتبة، وزارني والدي فيها قبل وفاته بخمسة أشهر».وتابع: «بدأت العمل في مكتبة الخط، وبحكم حبي الكبير للخط ومعرفتي باحتياجات الخطاط والأدوات، زرت أكثر من دولة، بحثاً عن الحرفيين الممكن أن يساعدوا في عملي، القلم من مكان والمقط من مكان والحبر من مكان، زرت تركيا، وإيران، ومصر، والسعودية، والهند،و باكستان، وتايلند، وماليزيا، وتعرفت على المهرة والنجارين بمختلف المناطق».وواصل: «بصفتي خطاط، أنا أعرف ما الذي يحتاجه الخطاط، وساهمت مع الحرفيين في كل تلك الدول في صناعة وتطوير الأدوات الخاصة بالخط، بل إن بعضهم مثل الماليزيين بدأوا تصنيع الأدوات وبيعها علي وعلى غيري، ومن هنا أسست أول مكتبة في البحرين والخليج العربي مختصة بالخط والخطاطين».وقال عبيد: «حتى كتب الخط، ألتقي بالخطاطين وآخذ منهم الكتب بشكل مباشر لعرضها في المكتبة، وإذا كانوا متوفين، أقابل أقاربهم. أنا مؤمن بأن الخط يجب أن يكون باليد وليس بالأجهزة، لأن ما يكتب باليد له ألفة ووضع خاص».وأضاف: «الخط العربي مع التقنية لم ينته، ضعف في فترة من الفترات لعدم توافر الأدوات، ولم يكن هناك شيء، كنا نبحث عن القصبة «قصب البامبو» بل قل «أشحتها» ولا أكاد أجدها، أما اليوم والحمد لله فعملنا على توفير أنواع وأشكال من خشب البامبو وخشب الجاوي والألمنيوم والبلاستيك وغيرها، أدوات الخط جداً مختلفة الأقلام فيها على سبيل المثال نقطة محفورة بدقة لكي يتنفس القلم منها، ويجب صيانة رأس القلم عبر المقط وليس البري، والمقط قطعة من العظم خاصة، ونستخدم في هذه العملية سكيناً حادة جداً وخاصة لعملية القط».وتابع: «قصة خشب الجاوي والخط العربي طريفة، كان خطاط مصري يزور ماليزيا، فوجد قصاصات مرمية ومهملة من خشب الجاوي على جانب الطريق، وكانت رؤوسها يبدو عليها القساوة، وبالفعل كانت كالحديد، فعرف فوراً أن هذا النوع مناسب جداً للخط العربي، وبالفعل بعد فترة أدخل خشب الجاوي إلى عالم الخط العربي، وهي من أجود أنواع الأقلام، رغم أن كثيراً من الناس يفضلون خشب البامبو، وأنا أحتفظ بأول قصبة كتبت فيها على يد الأستاذ سلمان أكبر في 1988، ثم يد الأستاذ عبدالإله عرب، ثم يد الأستاذ حسن أميري».وقال عبيد: «المكتبة اليوم لا تقوم على أساس ربحي، كان شعاري هو أنه في مكتبة الخطاط «تجد ما لا تتوقعه» كل شيء يخص الخط لدينا هنا في المكتبة، لقد تعبت إلى حد بعيد وسافرت كثيراً إلى أصقاع العالم لكي أوفر كل احتياجات الخطاطين في مكان واحد، ونقدم الأدوات بأسعار أرخص من دول المصدر لأن هدفنا ليس ربحياً».وأضاف: «علينا التذكر أن أصل الكتابة بدأ من القلم، والخط العربي عليه إقبال شديد اليوم بفضل توافر الأدوات، فيما سبق كنا نذهب لأهوار العراق من أجل قلم، ثم نرسله إلى مختص لقطه، ثم نشتري الحبر من طهران على سبيل المثال، ثم نأتي بالورق المصنوع يدوياً من تركيا أو مصر، العملية مكلفة وصعبة، أما اليوم فاستطعنا توفير كل الأدوات ولدينا أكثر من 300 منتج هنا في المكتبة».وتابع: «يحضرني موقف حصل معي في أثناء البحث عن الحبر في طهران، وجدت أحد المحلات يبيع الحبر بأسعار تفوق نظراءه، الأول كان يصنع الحبر باستخدام ماء الصنبور غير النقي، أما الآخر فيستخدم ماء الورد والمسك، ويزيد عليها الصمغ العربي الأصلي، وذلك أن أغلب الخطاطين يستخدمون هذه الأحبار لكتابة القرآن الكريم أو الأحاديث أو الأقوال المأثورة، لذلك منذ البداية نأخذ بضاعتنا ممن يهتم».وقال عبيد: «بخصوص الورق المقهر الخاص بالكتابة، فهو ورق طبيعي، يصقل بزلال البيض مع المسك ويدعك، ولا رائحة له، وميزته أنه ناعم جداً، وتستطيع مسح ما كتبته عليه، وبعض الأوراق مصنوعة منذ مئات السنوات، وبعضها 6 أو 8 سنوات، واليوم نوفر هذا الورق الخاص من تركيا وهو صناعة يدوية، وهو نوعاً ما يشبه ورق «الجلوسي» الناعم جداً لكي تمشي فوقه القصبة أو القلم بسهولة، كما أنه لا يشرب الحبر».وأضاف: «الجميل في الخط أنه لا يوجد أدوات للمبتدئ أو المحترف، الإبداع هو ما يفرق، السر ليس في القلم بل بكثرة التمارين والممارسة، السر في يد الإنسان نفسه، الأدوات الجيدة تساعد ولكنها ليست الأساس، يجب شراء الأدوات اللازمة فقط وليس شراء كل شيء بالنسبة للمبتدئ، ولقد أحضرت كثيراً من الكتب التعليمية المعروضة هنا في المكتبة، وواتتني فكرة لتكوين «جوكليت الخط» وهي حقيبة مبسطة فيها كتاب تعليمي تدريبي مع الأدوات اللازمة لأي مبتدئ، رخيصة الثمن ويمكن رميها ببساطة بعد الانتهاء منها».وتابع: «قمنا بتدريب كثير من الطلبة في معرض الكتاب وحتى الروضات، الجيل الحالي لا يعرف، بعضهم كان يمسك القلم ويسأل أين يوضع الحبر، أو يمسك القصبة ويحاول العزف بها، وبعد أن ندربهم يحبون الخط، وخصوصاً في ظل انتشار السوشال ميديا وحب التصوير، ونصيحتي للمبتدئ: لا تقل إني لا أستطيع أو أن خطي غير جميل، الموضوع تدريبي فقط، جرب ولن تندم».وقال عبيد: «في جائحة كورونا وفي ظل الإغلاقات، كان لدي كثير من الوقت، قمت وقتها ببدء نسخ القرآن الكريم، جهزت مكاناً خاصاً، تركيز، تفرغ تام، حاضر الذهن ومتوضئ كتبت 67 صفحة، ومع المراجعة وجدت أن هناك أخطاء، إما أن هناك تشكيلاً ناقصاً أو حرفاً ناقصاً أو خطأ في شي هنا أو هناك، فدفعني الموضوع إلى التفكير في الأمر».وأضاف: «تساءلت في نفسي، لماذا القرآن الكريم يخطه الخطاطون، لماذا هو حكر عليهم، لماذا لا يستطيع كل منا أن يكتب نسخته الخاصة من القرآن الكريم، وبالفعل، هداني الله إلى فكرة، وهي طباعة جزء عم بخاصية التعتيم، أي أن كل ما عليك هو أن تمسك القلم وتكتب فوق التعتيم وأنت مطمئن من عدم نسيان أي حرف أو تشكيل وأسميته «جزء عم بخط يدي» والآن سرقت الفكرة وبدأ البعض يعمل عليها».وتابع: «فور جهوز «جزء عم بخطي يدي» تم طباعته من أوله إلى آخره عبر عمال مسلمين، انتبهت فور جهوز النسخ لوجود فتاة فلبينية مسلمة تعمل في المطبعة، قلت لها: ما الذي تحفظينه من القرآن، فقالت الآيات القصيرة مثل سورة الصمد، فقلت هل تودين كتابتها بخط يدك، فوجئت الفتاة الأعجمية التي لا تكتب بالعربية، أعطيتها جزءاً لها وقلماً، وبدأت بالرسم والكتابة فوق التعتيم، وكانت تبكي بكاء شديداً، بكاء خارجاً من قلبها لا من عينيها، لقد أرسلت نسخاً من جزء عم إلى قرغيزستان، والبوسنة، وتركيا، وباكستان، والتفاعل حول الفكرة كبير جداً».وقال عبيد: «في أحد الأيام حضر مشرف من إحدى المدارس الخاصة، المدرسة الخاصة تعتمد اللغة الإنجليزية في كل دراستها، طلب مني المشرف إعطاء دورة مصغرة حول الخط العربي للطلبة ضمن حصة النشاطات، وبالفعل وافقت، المفاجأة كانت أنه من أصل 80 طالباً، سجلوا جميعاً لتعلم الخط العربي، وعزفوا عن الرياضة والزراعة وعن الموسيقى والطبخ وغيرها، ما شكل ضغطاً عليهم، وبالفعل أعطيت الحصص لعشرين طالباً وكان الإقبال كبيراً، وقمت بتوزيع «جوكليت الخط» على أكثر من 80 طالباً في تلك المدرسة، حتى إن كثيراً من الطلبة المقبلين على تعلم الخط لم يكونوا عرباً من الأساس بل أجانب».وأضاف: «الكثير من الأبناء اليوم بحاجة لتعلم الخط، وخصوصاً مع التوجه إلى الدراسة عن بعد واعتمادها، بسبب التقنية، أصبح كثير من خطوط أبنائنا سيئ ولا يمكن قراءته، لذلك أنا أنصح أولياء الأمور بالاهتمام بخط أبنائهم، للأسف، شهدت حالات فيها الطفل في الصف الرابع أو الخامس ولا يجيد مسك القلم، ودربتهم وأصبحوا جيدين، الاهتمام بالخط وتعليم أبنائنا الكتابة الجمالية أمر مهم».