ياسمينا صلاح


كاتب وصحفي مرموق على خُطى والده الأديب الكبير محمد الماجد

نهلت من خليفة بن سلمان حب الوطن..

ولا أنسى مقولته «الكلمة أهم من السلاح»

أعتز بفوزي بجائزة رئيس الوزراء للصحافة عام 2021

إذا كان والدي محمد الماجد مؤسسة ثقافية كاملة فأنا فرع لها

الصحافة الورقية لها رونق خاص وستظل سيّدة الموقف

«الأبواب المغلقة» أمام الصحفي تعيق ممارسة مهنته على أكمل وجه

كاتب وصحفي مرموق، نشأ في بيئة أدبية وصحفية وتعلّق بقراءة الكتب والروايات منذ نعومة أظافره، ليسير على خُطى والده رحمه الله الأديب والصحافي الكبير محمد الماجد، وهو صاحب عمود يومي يسمى «سوالف» منذ أكثر من 20 عاماً، بدأه في صحيفة الأيام، وانتقل به إلى صحيفة البلاد.

ويقول أسامة الماجد في حوار مع «الوطن» سرد فيه مسيرته، إنه نشأ على حبّ القراءة وعشق المسرح والسينما والقصة والرواية والشعر منذ الصغر، مشيراً إلى أنه قرأ كل روايات ديستوفسكي بينما لم يكن يتجاوز 15 عاماً.

وبين أنه استقى حب الأدب والصحافة من والده الأديب الكبير محمد الماجد، الذى دائماً ما كان ينصحه ويشجعه على القراءة والكتابة والثقافة، مشيراً إلى أنه «إذا كان والدي محمد الماجد مؤسسة ثقافية كاملة، فأنا فرع لها».

وقال إن أكثر شخصية تأثر بها في حياته هو صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه، وأنه نهل من سموه رحمه الله حب الوطن وحمل شرف أمانة الكلمة والدفاع عن أرض البحرين الغالية، ودعم سموه للصحافة والحراك الفني والثقافي، وأنه لا ينسى أبداً مقولة سموه «الكلمة أهم من السلاح».

وأعرب عن اعتزازه بالفوز بجائزة رئيس الوزراء للصحافة عام 2021، كاشفاً عن تدشين كتابه الجديد «علي الغرير صانع البهجة» بعد العيد. وفيما يلي نص اللقاء:

حدثنا عن ذكريات الطفولة؟

- ولدت في المحرق 21 أكتوبر 1968 وعشت أروع الذكريات في «فريج الشيوخ»، لم يكن في بيتنا مكيفات، بل كنا ننام فوق السطح صيفاً حيث الجو والنسمات اللطيفة والسماء الصافية حالنا حال الكثير من العوائل في ذلك الزمن.

كانت طفولتنا بسيطة للغاية ولكنها كبيرة في المعاني والذكريات، لم نكن نعرف أياً من وسائل الترفيه الحالية مثل الألعاب الإلكترونية «بليستيشن، وأكس بوك» وغيرها، كانت ألعابنا «الخشيشة»، و«الدحروي» و«صعقير»

و«الجدير» و«التيله» وغيرها.

درست في مدرسة الخليل بن أحمد الصف الأول الابتدائي، ثم انتقلنا في منتصف السبعينات إلى مدينة عيسى، وبها دخلت أروقة جديدة من حياة الطفولة مع تعرفي على أصدقاء جدد، وأخص بالذكر صديق العمر والطفولة وتوأم روحي حسن يوسف الدوسري، كنا ومازلنا حالة خاصة من الصداقة.

كانت مدينة عيسى في السبعينات والثمانينات تنبض بكل شيء جميل في الحياة، ثقافة، فنون، رياضة، مدينة ذات طعم غريب من العذوبة لا يعرفها إلا من سكن فيها.

في مدينة عيسى، استكملت المرحلة الابتدائية، وبعدها سافرت أنا وأخي وليد رحمه الله لاستكمال المرحلة الإعدادية في مدينة الخبر بالمملكة العربية السعودية عند عمتي «أم طلال» رحمها الله في بداية الثمانينات.

كيف كانت مرحلة الثانوية وما هي أول وظيفة؟

- عدت للبحرين لاستكمال المرحلة الثانوية، وتخرجت من مدرسة مدينة عيسى الثانوية للبنين تخصص أدبي عام 1987، وكنت من الأوائل، حتى إن وزارة التربية خصصت لأوائل الثانوية رحلة سياحية إلى جمهورية مصر العربية، وأول وظيفة عملت بها كانت بعد تخرجي من الثانوية في وزارة التنمية والصناعة التي تسمّى اليوم وزارة الصناعة والتجارة.

ما الدافع لدخولك الصحافة ومن الذي شجعك على ذلك؟

- الصحافة والكتابة والأدب كانت هواية وبذرة موجودة في الأساس منذ نعومة أظافري، فوالدي هو الأديب والصحافي القدير محمد الماجد رحمه الله، أحد أهم الأدباء الذين أسهموا في النهضة الأدبية الحديثة في البحرين، وأول مدير تحرير بحريني لصحيفة الأضواء، وزوجة أبي هي الشاعرة الكبيرة حمدة خميس، فوالدتي توفيت وأنا مازلت في الصف الرابع الابتدائي.

وفي منزلنا بالمحرق كان أبي يجتمع في مكتبه بالطابق الثاني مع مجموعة من الأدباء مثل محمد جابر الأنصاري، وعلي عبدالله خليفة، وقاسم حداد، وراشد نجم وغيرهم، وبمجرد معرفتي بقدومهم كنت أترك اللعب في الفريج وأذهب أجلس معهم وأستمع لنقاشاتهم وفي بعض الأحيان أتصفح الكتب الموجودة في مكتبة والدي من باب الفضول والاكتشاف.

وحتى بعد انتقالنا إلى مدينة عيسى، كنت أكثر من إخواني «وليد وزياد» اهتماماً بالمكتبة والقراءة، وأذكر أنني نشرت أول قصة قصيرة للأطفال بعنوان «الأرنب الوديع» في أخبار الخليج نهاية السبعينات أو بداية الثمانينات لا أذكر، ومازلت محتفظاً بالقصاصة.

وجد الوالد موهبة الكتابة فيني وشجعني كثيراً، وكنت أقضي ساعات طويلة في المكتبة وبالرغم من صغر سني آنذاك، إلا أنني قرأت وتعرفت على ديستوفسكي، وسارتر، وسيمون دي بفوار، ومكسيم جوجي، ونجيب محفوظ، وألبرتو مورافيا، ونيتشه، وألبير كامو، وكولن ويلسون، وتكونت صداقة عجيبة بيني وبين كاتبي المفضل ديستوفسكي، فقد قرأت كل رواياته وأنا لم أتجاوز 15 عاماً.

وكان ينصحني دائماً بأن أقرأ وأكتب وأثقف نفسي، وكتب لي في مجموعته القصصية الثالثة إهداء يقول «إلى ابني أسامة واصل الكتابة والقراءة وأتمنى أن تكون كاتباً أحسن مني».

بالتأكيد كل هذه الأجواء التي عشت فيها كانت الانطلاقة التي فجرت بداخلي وساهمت بشكل كبير في عشقي للصحافة ودخولي إلى عالمها المتعب الذي يخلع الروح، رغم أنني كنت كاتب قصة قصيرة، ودخلت الصحافة من باب الأدب، ووالدي رحمه الله قال «مصيبتي الكبرى أنني دخلت الصحافة من باب الأدب»، وبعد فترة وجدت نفسي صحافياً غارقاً في عالم لا يرحم.

ولابد من الإشارة هنا إلى أصحاب الفضل في دخولي الصحافة منتصف التسعينات وتحديداً في العام 1996، وهم الأستاذ نبيل الحمر حينما كان رئيس تحرير الأيام، والأستاذ أحمد جمعة رئيس الصفحة الثقافية، حيث وجدا فيني البذرة والاستعداد، وبالتالي الأستاذ سعيد الحمد رحمه الله، والذي كان له دور كبير أيضاً في تجربة الدراما الإذاعية، والأستاذ خالد البسام رحمه الله، وهو أول من اقترح عليّ كتابة عمود يومي، ولله الحمد مازلت ملتزماً بكتابة العمود اليومي لأكثر من 22 عاماً، وأعتز بجائزة رئيس مجلس الوزراء للصحافة عن فئة أفضل عمود رأي في دورتها الخامسة عام 2021. كما لا أنسى زوجة والدي الشاعرة القديرة حمدة خميس التي كان لها فضل وتأثير كبير في تشكيل توجهي في الصحافة والأدب.

وفي عام 2008 انتقلت إلى صحيفة «البلاد» مع فريق الزملاء المؤسسين، وانتقل معي عمودي اليومي «سوالف» وازدادت خبرتي والمعلومات والتجارب التي تنبع من المعاناة الصحفية.

ويجب أن أنوه، أنه وقبل دخولي الصحافة كانت كل مداركي وقدراتي العقلية متجهة ناحية القصة القصيرة، ونشرت عدداً من القصص في الصفحات الثقافية، بمعنى كنت مشروعاً كاتباً للقصص «قاص»، ولكن كان للصحافة رأي آخر.

حدثنا عن الأديب الكبير والدك محمد الماجد رحمه الله؟

- والدي ثقف نفسه بنفسه، لم يذهب إلى المدرسة ولم يدرس في أي مكان وعمل في أشغال بسيطة جداً، ولكن حبه للقراءة بنهم وعشقه لها جعل منه الأديب الكبير محمد الماجد. وأذكر أن جدتي كانت تقول والدك كان يدخل إلى غرفة من الصباح إلى المساء يقرأ فقط وكان لديه موهبة أخرى من الله وهي أنه كان يخزن كل ما يقرأ في ذهنه وذاكرته.

وتوجد قصة جعلته يبدأ هذه الشرارة والتحدي حيث إنه كان ذات يوم شاهد فتاة تقرأ كتاباً في «الفريج» ذهب لها وقال لها « شنو ذي؟» قالت له «هذا اللي طول عمرك ما بتعرفه» هذه الكلمة فجرت بداخله روح التحدي وكان يشتري كتباً بكل ما لديه من أموال وتعب واجتهد وصقل نفسه وأصبحت له ثلاث مجموعات قصصية ورواية واحدة وأشرف على الصفحة الثقافية في أخبار الخليج، وأحب أن أنوه أن والدي كان اليد اليمنى للأستاذ الكبير محمود المردي الذي علم والدي الكثير في الصحافة وكان له الفضل في العديد من الأمور.

ما هي هواياتك الأخرى غير القراءة؟

- أعشق الطيران ولدي نماذج عديدة لأشكال الطائرات تتراوح ما بين 200 إلى 300 طائرة، وأيضاً لدى نموذج صغير للمطار، وأحب أن أجمع هذه النماذج وأبحث عن النماذج التي لم أشترها حتى اقتنيها.

لماذا اخترت تخصص الكتابة في الأمور الفنية والثقافية؟

- بحكم طبيعتي والتربة التي نميت فيها وما نشأت عليه من حب للثقافة والفنون، ماذا تنتظرين من شخص يقدس المسرح، السينما، القصة، الرواية، الشعر، شخص كان ينام وهو في يده كتاب، وعاش في بيت أشبه بغابة كثيفة من الكتب، فإذا كان والدي محمد الماجد مؤسسة ثقافية كاملة، فأسامة الماجد فرع لها.

ما هي الشخصية التي تأثرت بها أو مثلك الأعلى؟

- الشخصية التي كان لها تأثيرها في مجمل الحياة في البحرين، وعلّى أنا شخصياً، المغفور له بإذن الله سيدي صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه كان معلمي الأول والمدرسة التي نهلت منها حب الوطن وحمل شرف أمانة الكلمة والدفاع عن هذه الأرض الغالية، كان سموه رحمه الله الداعم الأول للصحافة والحراك الفني والثقافي، ولا أنسى كلمته لي ما حييت «الكلمة أهم من السلاح»، وهذا تصوير بليغ من سموه رحمه الله يؤكد أن الكلمة أمانة وحمل القلم مسؤولية وطنية كبرى.

لماذا يرى البعض أن كتّاب الرأي ينتقدون أكثر مما يبدون آراءهم؟

- كتّاب الرأي يعبّرون عن نبض الشارع وهم المرآة التي تعكس هموم المواطنين، ونحن لا ننتقد بقدر ما نكشف الحقائق ومواقع الخلل والقصور في أي جهة، كما أن حكومتنا الموقرة ترحب بالنقد البناء وتشجّع الأقلام الوطنية الشريكة في البناء والتطوير، وبما أني كاتب يومي لعمود رأي أعتبره سلاحاً استخدمه للدفاع عن وطني.

ما هي الصعوبات التي تواجه الصحفي في وجهة نظرك؟

- الصحافة مهنة المتاعب وإذا كانت «الأبواب مغلقة» وتم حجب المعلومة الصحيحة، لن يستطيع الصحفي ممارسة مهنته على أكمل وجه خاصة أنه حلقة الوصل بين جهتين، ولا يمكن للصحافة أن تؤدي دورها الكامل باتساع المسافات بينها وبين مختلف الجهات.

صف لي تجربة إصدارات الكتب، خاصة وأنت لديك عدد من الكتب؟

- إصدار أي كتاب هو مغامرة فكرية لاكتشاف الواقع، مساهمة لا تقف عند حافة الأمور، بل تتجاوزها إلى جوهر العلاقة بين الإنسان ومجتمعه، ومن خلال عمق التجربة التي عشتها أردت أن تكون لي بصمة على خارطة طريق المكتبة البحرينية، فأول إصدار كان عن سيدي سمو الأمير الراحل «الأمير خليفة بن سلمان.. قصة قائد ووطن»، والكتاب الثاني كان بمناسبة مرور 50 عاماً على تأسيس قوة دفاع البحرين، والثالث كان عن سيدي جلالة الملك بعنوان «جلالة الملك حمد بن عيسى

آل خليفة الكريم الشجاع، الحكيم، المحب»، والرابع كان عن الصديق الفنان الراحل علي الغرير «علي الغرير صانع البهجة» وسيتم تدشينه بعد العيد، والكتاب الأخير «أبواب عالقة.. أحاديث في الثقافة والفنون»، ضم أغلب المقالات التي نشرتها في الصحافة المحلية، والتي تتراوح بين الانطباعات والقراءات النقدية المصاحبة للأنشطة والفعاليات على الساحة الثقافية.

ماذا عن قصة زواجك؟

- زواج أهل، ففي العام 1996 اتصلت فيني زوجة عمي «أم رائد» وقالت أسامة «حصلنا لك بنت رويعية»، وعندما ذكرت اسمها «شيخة علي حمد الرويعي»، عرفت أنها شقيقه صديقي المرحوم طارق الرويعي لاعب نادي الرفاع الشرقي.

وحصل اللقاء وتم الزواج، وأعتبر زوجتي «أم محمد» هدية من السماء، فقد وقفت إلى جانبي في الحلوة والمرة، وكانت خير سند وأماً مثالية بكل معنى الكلمة، عندي أربع بنات وولد، أكبرهم فجر تخرجت من جامعة البحرين قبل أشهر بكالوريوس لغة إنجليزية، والثاني محمد يدرس سنة أولى بالجامعة الأهلية تخصص تكنولوجيا المعلومات، وابنتان في الثانوية العامة.

ولا تسألي عما إذا كان أحد الأبناء عنده ميولاً للصحافة والكتابة، فقد تركت لهم حرية اختيار حياتهم، ولكن بداخلي لا أريد أحداً منهم الاقتراب من سور الصحافة وأشواكها.

ما هو التطور الذي تتطلع إليه في الصحافة مستقبلاً؟

- الصحافة البحرينية تعيش اليوم في أوج تألقها، بفضل دعم القيادة وإيمانها بالدور الطليعي الرائد الذي تقوم به الصحافة في المجتمع، وبالرغم من دخولنا في عصر الصحافة الرقمية والتنبؤات بانحسار الصحافة الورقية مستقبلاً، ولكن أختلف مع هذا الرأي، لأن الصحافة الورقية لها عشق ورونق خاص وستظل سيّدة الموقف وصاحبة النفوذ، ولا يمكن أن نستغني عنها في يوم من الأيام وستبقى هي الرائجة في كل بقعة من العالم.

كلمة أخيرة؟

- الصحفي إنسان بلا حياة عادية، والصحافة مهنة شاقة، ومشقتها هي مبعث التمسك بها، ذلك لأنها لا تسير على روتين معين، ومن يريد الدخول إلى ميدان الصحافة عليه أن يعتاد المتاعب وتكون أعصابه من حديد، وأتمنى أن نعيش بأمن وأمان دائم.