جاء إعلان حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه في كلمته السامية أمام اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته العادية الثانية والثلاثين التي عقدت بمدينة جدة في المملكة العربية السعودية، عن استضافة مملكة البحرين للقمة العربية المقبلة عام 2024م، ليؤكد ما توليه المملكة في ظل القيادة الحكيمة لجلالته، رعاه الله، من دعم لمسيرة العمل العربي المشترك، ولكل ما من شأنه أن يحقق التضامن والتكافل العربي، وتعزيز القدرات العربية في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية الراهنة.
وتأتي استضافة مملكة البحرين للقمة العربية المقبلة استمرارًا وتأكيدًا لنهج جلالة الملك المعظم، وبدعم ومساندة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله في الاهتمام بالدائرة العربية في الدبلوماسية البحرينية وتقويتها، انطلاقًا من الإيمان بأن العلاقات العربية العربية هي مسـألة مصير لأبناء الأمة العربية، وأن التعاون والترابط يمثل خيارًا استراتيجيًا لتحقيق الأمن والاستقرار والنماء للشعوب العربية.
ولقد تضمنت الكلمة السامية لجلالة الملك المعظم إلى القمة العربية اليوم الجمعة، الكثير من المحاور التي تؤكد حرص جلالته، أيده الله، على أهمية استمرار مسيرة العمل العربي المشترك، بإرادة حرة وتصميم ذاتي وبروح التضامن الجماعي المخلص، مشددا جلالته في ذات الوقت على أن السبيل الوحيد لتحقيق لاستقرار والرخاء والوئام الذي لا بد أن تنعم به الشعوب العربية هو نهج السلام العادل والشامل باعتباره نهجًا لا بديل له لمعالجة كل القضايا العالقة لضمان الأمن والاستقرار والمصالح الحيوية لازدهار دول المنطقة دون استثناء.
وأبرزت الكلمة السامية مدى اعتزاز جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه بالأمة العربية وتاريخها العريق، وأهمية التمسك بقيمها الدينية والإنسانية والحضارية، مؤكدًا جلالته أن الأمة العربية في ظل ما تتمتع به من ثروات بشرية وكفاءات مبدعة وموقع استراتيجي مميز وموارد طبيعية متنوعة قادرة على النهوض والتقدم لمواكبة حركة العصر عبـر تعزيز التكامل العربي.
وفي رؤية ثاقبة للأوضاع الدولية الراهنة وأهمية الشراكات الدولية في عالم اليوم، حرص جلالته حفظه الله، على التنبيه بأهمية قيام الأمة العربية بتجديد شراكاتها الاستراتيجية مع الدول الحليفة والصديقة القائمة على حفظ المصالح المشتركة، وبرؤية توافقية وسياسات أكثر فاعلية، للتصدي للإرهاب ووقف الحروب وتهديدات أسلحة الدمار الشامل، وصولاً لمنطقة مستقرة تزدهر في محيطها قيم التعايش الإنساني والتقارب الديني والحضاري، وهي القيم الإنسانية النبيلة التي تنتهجها مملكة البحرين في ظل قيادته جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه.
وبكل تأكيد، فإن انعقاد القمة العربية المقبلة في مملكة البحرين "بلد السلام" يشكل حدثًا تاريخيًا مهمًا، إذ ستكون المرة الأولى التي تقام فيها القمة العربية بالمنامة، ولذلك فإن إقرار مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة لاستضافة مملكة البحرين لأعمال دورته العادية الثالثة والثلاثين يكتسب أهمية متزايدة من ناحية التوقيت والمكان.
فمن ناحية المكان، فإن مملكة البحرين تميزت عبر تاريخها بأنها نموذج للسلام والمحبة والتعايش، وأنها ترعى القيم والهوية العربية وترسخها في النفوس، ولا تتأخر مطلقًا في الدفاع عن القضايا العربية العادلة والمصيرية في كل مكان وزمان، أما فيما يتعلق بالتوقيت، فإن "قمة المنامة" ستنعقد في ظل أوضاع جيوسياسية دولية معقدة، حيث تواجه الأمة العربية مرحلة تاريخية دقيقة في ظل ازدياد حدة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالمية، والآثار العميقة في فترة ما بعد جائجة كورونا، وبالإضافة إلى تزايد شدة النزاعات والحروب الراهنة، والتي أثرت على الاقتصاد العالمي، والتي باتت تمثل تهديدًا حقيقيًا وخطيرًا على حاضر ومستقبل الدول العربية، وبالتالي فإن "قمة المنامة" ستكون هامة في تقوية الروابط العربية حفاظًا على كيان الأمة العربية ومستقبل شعوبها.
ويحرص جلالة الملك المعظم في كل خطاباته وكلماته السامية في مختلف المناسبات على تبيان موقف مملكة البحرين الداعم والمساند للعمل العربي المشترك، كما قدّم جلالته حفظه الله العديد من المبادرات الرائدة لتدعيم العمل العربي، ومن بينها مبادرة احتضان مملكة البحرين لمشروع البورصة العربية المشتركة، مبادرة جلالته بإنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان، وغيرها، وهو ما يجسد مدى إيمان جلالته بأهمية الارتقاء بمنظومة العمل الجماعي العربي وصيانتها وتعزيز قدرتها على تحقيق تطلعات الدول والشعوب العربية، فضلا عن دعوات جلالته بضرورة تنمية التجارة بين الدول العربية لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي، وأهمية بلورة استراتيجية متكاملة للأمن الغذائي العربي في ظل ما تمثله هذه القضية من أهمية متقدمة في أجندة حاضر ومستقبل العمل العربي.
ومواقف مملكة البحرين تجاه القضايا العربية والتنسيق والتعاون العربي الثنائي والجماعي ثابتة وراسخة ولا يمكن حصرها، ولعل من بينها:
أولا: الحرص على تضمين ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين الرؤى الثابتة والراسخة لمملكة على الصعيد العربي، حيث اكد الميثاق على اعتزاز مملكة البحرين بحقيقة انتمائها العربي، وبكون شعبها الأبي جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية، وأن إقليمها جزء من الوطن العربي الكبير، وقد تجسد هذا الانتماء، ليس فـقط في وحدة اللغة والدين والثقافة، ولكن أيضًا في الآمال والآلام والتاريخ المشترك، كما ينص الدستور في المادة الأولى الفقرة (أ) على أن :" أ - مملكة البحرين عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة تامة، شعبها جزء من الأمة العربية، وإقليمها جزء من الوطن العربي الكبير، ولا يجوز التنازل عن سيادتها أو التخلي عن شيء من إقليمها".
ثانيًا: تأكيد مملكة البحرين المستمر على استمرار تفعيل دورها المساند لمحيطها الإقليمي من خلال مبادراتها ومساعيها الدبلوماسية والودية من أجل استقرار المنطقة، وبما يوفر الظروف الملائمة التي تسهم في تحقيق آمال وتطلعات شعوبها، وأهمية اللجوء إلى سياسة التحرك الجماعي إزاء القضايا والأزمات الإقليمية والدولية، وضرورة التمسك والتوافق على دور عربي يساعد في التوصل لتسوية لأزمات المنطقة تقوم على احترام خصوصيات الدول والمجتمعات وعدم السماح بالتدخلات الخارجية.
ثالثًا: تشديد مملكة البحرين في كل المناسبات والمحافل على استمرار دعم القضية الفلسطينية من خلال المساعي البحرينية للتوصل إلى سلام شامل وعادل في الشرق الأوسط يقوم على حل الدولتين لتثبيت الحقوق المشروعة للأشقاء الفلسطينيين، لإقامة دولتهم المستقلة على أراضيهم وعاصمتها القدس الشرقية.
رابعًا: حرص مملكة البحرين على الارتقاء بآلية عمل جامعة الدول العربية باعتبارها البيت الجامع للدول والشعوب العربية ولكونها تجسد وحدة الأمة العربـية وإطاراً لتكامل العمل العربي المشترك وعلى تكريس إرادتها، ولذلك تعمل البحرين جاهدة على تحقيق ما يضمن الارتقاء بأداء الجامعة في مختلف مجالات العمل السياسي والدبلوماسي والتنموي.
خامسًا: اهتمام مملكة البحرين ودعمها لكل ما يسهم في توحيد الكلمة بين الأشقاء العرب ويقوي الأواصر المشتركة ويعزز من قوة ومنعة الدول العربية في مواجهة التحديات كافة، وبالشكل الذي يعود بالخير على البلدان العربية وشعوبها، والقيام بكل ما هو ممكن للم الشمل العربي ووقف استنزاف طاقات ومقدرات الشعوب العربية، ولذك فإن البحرين تساند الجهود العربية لمكافحة الإرهاب والقرصنة، وتدعم كل ما يؤدي إلى وقف التدخلات في الشؤون الداخلية العربية، وغيرها.
سادسًا: إسهام مملكة البحرين الفاعل في المهام والمسؤوليات التي تلبي التطلعات العربية، ولقد حرصت المملكة منذ انضمامها إلى الجامعة العربية وحتى الآن، على القيام بدور مؤثر في مسيرة العمل العربي المشترك من خلال حضورها الدائم للقمم العربية بصورة منتظمة، ثم عندما تحملت مسؤولية قيادة العمل العربي المشترك من خلال ترؤسها القمة العربية الخامسة عشرة التي عقدت في مدينة شرم الشيخ المصرية عام 2003م، بالإضافة إلى ترؤسها ومشاركتها في العديد من اجتماعات المجلس الوزاري ومجلس الجامعة واللجان العربية، كما استضافت مملكة البحرين العديد من الاجتماعات العربية، ومنها اجتماع المجلس الوزاري العربي للسياحة، ومجلس محافظي صندوق النقد العربي، واجتماعات منظمة المرأة العربية والبرلمان العربي وغيرها.
سابعًا: بذل مملكة البحرين جهودًا مضاعفة لتقوية منظومة العمل الاقتصادي العربي، إدراكًا منها لأثر الجانب الاقتصادي في تحقيق الرخاء والازدهار والنماء باعتبارهم المرتكزات الرئيسية لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام للدول والشعوب العربية، وقامت البحرين بدور متميز وفعال خلال أول قمة اقتصادية تنموية عقدت في دولة الكويت الشقيقة في يناير 2009م، كما أنها صادقت على العديد من اتفاقيات العمل العربية في المجال الاقتصادي ومنها:"الميثاق العربي للعمل، ميثاق العمل الاقتصادي العربي، اتفاقية إنشاء المنظمة العربية للتنمية الزراعية، الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات، واتفاقية المنظمة العربية للمواصفات والمقاييس بجامعة الدول العربية"، وغيرها، ولا تزال تواصل دورها في مختلف التجمعات الاقتصادية العربية التي تهدف إلى تنمية القدرات والعمل الاقتصادي العربي المشترك على المستويين الاقليمي والدولي.
ثامنًا: إدراك مملكة البحرين بقيادة جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، أن التحديات التي تواجه الدول العربية وتحتاج إلى تعامل معها لم تعد مقتصرة على الأمور السياسية أو الاقتصادية فقط، وإنما مع تطور التكنولوجيا وتشعب العلاقات الدولية ظهرت على السطح قضايا وتحديات لا تقل في أهميتها عن التحديات السابق، ومن بينها مشكلات الغذاء والطاقة والمياه وانتشار الأوبئة والأمن السيبراني، وما تشكله من تهديد للأمن الوطني والقومي في العالم العربي، الأمر الذي يتطلب مزيدًا من توحيد الصف والتضامن.
إن استضافة مملكة البحرين لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته العادية الثالثة والثلاثين في العام 2024، ستشكل مرحلة جديدة في مسيرة العمل العربي المشترك، ومن المأمول أن تسهم رئاسة مملكة البحرين بقيادة جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه في اتخاذ خطوات أكثر سرعة وإنجازًا في التنسيق والتعاون العربي، فمملكة البحرين "واحة السلام" وبلاد الآمان تعلم ما تمر به الأمة العربية من منعطف تاريخي هام، وستبذل قصارى الجهد لنجاح القمة وخروجها بقرارات وتوصيات تصون الأمة العربية وتخدم المصالح المشتركة والقضايا العربية العادلة.