من هندسة نوادي الفروسية وسباق الخيل إلى الطاقة الذكيةغير مستبعد ارتباط تقييم أداء الدول في الحياد الصفري بحوافز أو إجراءات ضغطالبيئة في البحرين تحتل مكانة عالية واهتماماً كبيراً من أعلى قياداتهامشروع مدينة «ذا لاين» تجربة جريئة في السعوديةحصلت المهندسة البحرينية آمنة يعقوب العسيري على شهادة الماجستير في الطاقة الذكية من جامعة UCL بالمملكة المتحدة، وحصلت على تقدير ممتاز، واعتمد بحثها (الطاقة الشمسية المركزية واللا مركزية في البحرين) كمرجع لطلبة الماجستير في الجامعة، وسرعان ما تلقت آمنة عرضاً من الحكومة البريطانية للعمل كمحللة بيانات في قسم تغير المناخ والنقل بمديرية البيئة التابعة لبلدية ايزلنقتون في لندن.«الوطن» التقت آمنة وكان معها الحوار التالي:ما طبيعة عملك في الحكومة البريطانية؟- يستلزم نطاق عملي الحالي تحليل بيانات الطاقة، واحتساب ومراقبة انبعاثات الكربون لمختلف مشاريع البناء الجديدة أو تجديد المباني العريقة في ايزلنقتون في لندن، وهي عبارة عن مجموعة كبيرة من البيانات تشمل البناء والنقل والمواصلات والتدفئة والتكييف المركزي والمساحات الخضراء وإدارة النفايات وغيرها من البيانات الإنشائية والهندسية التي تعتبر عنصراً مؤثراً سلباً أو إيجاباً في الانبعاثات الكربونية.ماذا تستفيد الحكومة البريطانية بعد ذلك من تحليل بيانات الطاقة ؟-هنا في المملكة المتحدة أولوية تمويل المشاريع الجديدة تكون للمشاريع التي تتوافق مع مؤشرات الأداء الرئيسية، المؤشرات التي تستهدف التأثير الإيجابي على مستوى الانبعاثات الكربونية فالمؤسسة التي أعمل فيها والمختصة بمنطقة ايزلنقتون في لندن لديها هدف أو لنقل « التزام « بالوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2030، والمملكة المتحدة على المستوى الوطني تستهدف الوصول إلى الحياد الصفري عام 2050.هل هذا يعني أن مشاريع البناء الجديدة التي لا تحقق المواصفات المطلوبة لا تحصل على أولوية التمويل؟- بالتأكيد.. لقد أصبحت الانبعاثات الكربونية والاحتباس الحراري مشكلة عالمية نرى تأثيرها السلبي بصورة كبيرة ومحسوسة في العالم ككل. انظر مثلاً إلى الحرارة الشديدة التي تشهدها الأرض هذه الأيام والتقلبات المناخية والفيضانات، هذا دليل على قوة تأثير هذه الانبعاثات على الغلاف الجوي وعلى المناخ بصورة عامة، لذلك فإن الحكومة البريطانية كغيرها من حكومات دول العالم التي تشعر بمسؤوليتها والتزامها بتقليل هذا الخطر البيئي تضع قواعد وشروطاً صارمة للحد من الانبعاثات الكربونية، وتقوم بتطبيق هذه الاشتراطات بمسؤولية كبيرة.بالتأكيد قد تكون هناك دول لا تهتم كثيرا بمسألة الانبعاثات الكربونية؟- هناك تقييم دولي لأداء الدول وقياس دورهم ومساهمتهم في إدارة الانبعاثات الكربونية التي تنطلق في الغلاف الجوي نتيجة الاستخدام البشري وتسبب الاحتباس الحراري وتغيير المناخ، يُعرف هذا التقييم بمفهوم تقارير التنمية المنخفضة الانبعاثات (Low Emission Development Strategies – LEDS) ومسارات التنمية المنخفضة الكربون (Low Carbon Development Pathways)، هذه التقارير تستهدف تقييم أداء الدول في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ومساهمتها في التصدي لتغير المناخ وتحقيق التنمية المستدامة بشكل عام. ويتم احتساب هذه الانبعاثات عادة بناءً على مجموعة من المؤشرات والأدلة العلمية التي تقدمها الحكومات والمنظمات الدولية المعنية بالبيئة وتغير المناخ.هذه التقارير والتقييمات تلعب دوراً هاماً في تحديد المسارات البيئية والمناخية للدول وتوجيه الجهود الدولية نحو تحقيق أهداف الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية وتحقيق التزامات الدول بموجب اتفاقيات المناخ الدولية مثل اتفاق باريس للمناخ، هذه مسؤولية دولية جماعية، وليس بمستبعد أن يرتبط التقييم الدولي لأداء الدول في هذا المجال بحوافز أو إجراءات ضغط معينة.كيف هي إجراءات البحرين وسياساتها في هذا الشأن؟- ما يميز البحرين أن موضوع البيئة يحتل مكانة عالية واهتماماً كبيراً من قبل أعلى قياداتها، فقد استقبل جلالة الملك المعظم حفظه الله رئيس مجلس إدارة بابكو إنيرجيز سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة وأعضاء مجلس الإدارة، وأكد جلالته على ضرورة أن تتماشى خطط التحول في قطاع الطاقة مع المشهد العالمي لضمان التميز التشغيلي والوصول إلى الحياد الصفري. وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله أعلن في أكتوبر 2020 عن استهداف البحرين الوصول إلى «الحياد الصفري» من الانبعاثات الكربونية بحلول العام 2060، والمملكة العربية السعودية أيضاً أعلنت أنها تسعى للوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2060، ودولة الإمارات العربية المتحدة بحلول 2050.هذه التعهدات بالوصول إلى الحياد الصفري في المستقبل قوبلت بترحيب ودعم دولي كبير باعتبارها تعهدات «جريئة وشجاعة وملهمة» لبقية الدول الصناعية الكبرى الأخرى، لاسيما وأن دول الخليج العربية تمثل المصدر الأساسي للطاقة في العالم.البحرين من جانبها اتخذت خطوات عملية مثل تبني وتنفيذ مبادرات المدن الخضراء، وتنويع مصادر الطاقة، واعتمدت مبادرات لإزالة الكربون، كمضاعفة أشجار القرم، وتشجير الشوارع العامة والميادين، والتوسع في مشاريع الطاقة الشمسية على أسطح المباني، ومواكبة أحدث التكنولوجيات العالمية في تقنيات الهيدروجين الأخضر وحلول التنقل المستدام بما فيها تشجيع استخدام المركبات الكهربائية.ولعل وجود وزارة مختصة لما يمكن أن أسميه «بالنقيضين» في مملكة البحرين وهي البيئة والنفط تعطي رسالة واضحة بأن الدولة كما تهتم بتطوير مصادر الطاقة والقطاع النفطي لتحقيق النمو المطلوب والمستهدف فإنها أيضا تهتم بأن تكون هذه الطاقة موائمة للسياسة العامة للوصول إلى الحياد الصفري في ٢٠٦٠.لكن السؤال الذي ينبغي طرحه الآن: هل هناك سياسات أو إجراءات أخرى بإمكان البحرين اتخاذها او الاسترشاد بها لتعزيز إجراءاتها في هذا المجال؟ الجواب : نعم بالتأكيد . مثل التركيز على البحث العلمي، ورصد وتحليل البيانات التي تساعد على تحديد الانبعاثات حسب القطاعات ومن ثم دراسة توقعات زيادة الطلب على الطاقة، ووضع الحلول البديلة . كذلك من المهم جداً وضع آلية للتعاون بين مختلف القطاعات لتحقيق الحياد الصفري، فلا يمكن لجهة أن تعمل بمعزل عن الأخرى.هل يمكن إعطاء مثال على ذلك ؟- خذ على سبيل المثال المشاريع الإسكانية الجديدة، لو افترضنا أن مدينة إسكانية جديدة تسع لألف منزل أي ألف أسرة ، هل تعلم ما يمكن أن تخلفه حركة ألف أسرة في هذه المدينة من انبعاثات كربونية أو من استهلاك للطاقة أو من مخلفات ونفايات ؟ لا بد أن يقدم مثل هذا المشروع من الجهة المعنية « أو الجهات المعنية المتعاونة في تحقيق الحياد الصفري» إلى الحكومة التي ستقوم بتمويل هذا المشروع مرفقاً به دراسة علمية وتحليلاً بيانيا دقيقاً، ومن ثم اقتراح الحلول العلمية والعملية التي تساعد على الحد من الانبعاثات الكربونية.لدينا تجربة جريئة قريبة منا في المملكة العربية السعودية وهو مشروع مدينة ذا لاين، وأهم مميزاته التي تم الإعلان عنها عدم وجود أية مركبات أو سيارات في المدينة، وبالتالي انعدام الانبعاثات الكربونية الضارة بالصحة والبيئة واعتماد المدينة بالكامل على الطاقة المتجددة والنظيفة.هناك حلول ولكن يجب أن تقدم هذه الحلول لمتخذ القرار وفق دراسات علمية واقتصادية، الطاقة النظيفة والمتجددة ووسائل النقل الكهربائية إلى جانب أنها وسائل مهمة للوصول إلى الحياد الصفري فإنها في الجانب الآخر قد تفتح مجالا واسعا للاستثمار وللصناعات المحلية، ففائدتها مزدوجة. الآن هناك مشاريع في السعودية علـى سبيل المثال لتصنيع بطاريات الليثيوم وللسيارات الكهربائية ولإنتاج الطاقة المتجددة، كل ذلك يصب في النهاية لصالح التنمية الاقتصادية ولصالح تحقيق الحياد الصفري وتحسين المناخ.من المهم الاستثمار في البرامج والتخصصات المتعلقة بالطاقة المتجددة، والاستثمار في النظام التعليمي لصقل المواهب البحرينية. ومن المهم أيضاً زيادة المسؤولية البيئية والاجتماعية للمؤسسات الخاصة من خلال وضع الإطار التنظيمي الضروري لها مثل اللوائح الإلزامية والمشتريات الخضراء. فلا يمكن ان يعمل القطاع الخاص في واد وتعمل الحكومة في واد آخر، فالتعاون كما ذكرنا مهم لتحقيق الأهداف. والأهم من ذلك كله التركيز الشديد على استراتيجيات البحث والبيانات والرصد.أخيراً.. ما قصتك مع الخيل وهندسة نوادي الخيل؟- أنا أحب ركوب الخيل منذ الصغر وهي هوايتي المفضلة، وتخصصت في الهندسة المعمارية في جامعة البحرين، فخصصت بحث التخرج في إعداد تصميم هندسي نموذجي لنوادي الخيل والفروسية بعد دراسة تصاميم أهم نوادي الخيل في المنطقة والدول الأخرى، حاز البحث ولله الحمد على تقدير ممتاز، ثم قمت بعمل مجسم للنادي وتمت المشاركة به في معرض الجامعة، وحاز التصميم على جائزة المشروع الأكثر تميزاً. وشاركت بعد ذلك في مختبر العمران الذكي المستدام وهو عبارة عن مبادرة بحثية في جامعة البحرين تأسس في عام 2019 ويستهدف تحقيق رؤية البحرين المستقبلية للاستدامة، ولعل ذلك ما قادني للتخصص في مرحلة الماجستير في الطاقة المتجددة للبيئة العمرانية.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90