خرجت ندوة "مشكلة ارتفاع منسوب المياه الأرضية في المناطق الحضرية في دول مجلس التعاون" التي نظمتها جمعية علوم وتقنية المياه الخليجية في العاصمة القطرية الدوحة بالشراكة مع هيئة الأشغال العامة (أشغال) بدولة قطر، والأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعدد من التوصيات الداعية إلى تقديم توصيف علمي واضح ومفصل للمنطقة الخليجية التي تحدث فيها ظاهرة ارتفاع منسوب المياه الأرضية، واستقصاء أسبابها للتعرف على جذورها من أجل التمكن من التصدي للمشكلة ووضع الحلول الفاعلة لها.
وقال رئيس مجلس إدارة الجمعية المهندس عبد الرحمن المحمود إن تقديم هذا التوصيف سيحتاج إلى استخدام العديد من الأدوات الحديثة مثل حفر الآبار والجس الجيوفيزيائي لها، أو الجس السطحي للمقاومة الكهربائية، والتحاليل الكيميائية للمياه، وغيرها من الأدوات الفاعلة، لافتاً إلى معظم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تواجه مشكلة ارتفاع منسوب المياه الأرضية في المناطق الحضرية، إلا أن أسباب حدوثها الأساسية، سواء كانت طبيعية أو بشرية ليست بالضرورة هي نفسها أو بنفس التأثير في إحداث هذه الظاهرة في جميع المناطق. وعليه، فإنه لا يمكن وضع حل موحد لجميع المناطق الخليجية.
ومن جانبه، أكد الدكتور وليد زباري أستاذ الموارد المائية بجامعة الخليج العربي، رئيس لجنة الشؤون العلمية والتدريب بجمعية علوم وتقنية المياه الخليجية ضرورة وضع الحلول المبتكرة وبشكل متكامل والنظر إلى كلٍّ من الحلول الوقائية للحد من حدوث المشكلة مثل التحكم في المصادر المسببة لارتفاع منسوب المياه والحلول العلاجية التي تخفف من آثار المشكلة أو توقفها، والمضي في تخفيض منسوب المياه الجوفية إلى المستوى الآمن من خلال أنابيب صرف تحت الأرض أو الضخ بواسطة الآبار، أو حفر آبار صرف عميقة لجعل المياه الضحلة تتحرك إلى الطبقات الجوفية، بالإضافة إلى وضع المواصفات والمعايير الهندسية التي تهدف إلى حماية المنشآت والمباني والبنية التحتية من تأثيرات هذه الظاهرة.
وقال: "إن توصيات المشاركين في الندوة أشارت إلى أن نماذج المحاكاة الرياضية العددية للمياه الجوفية تمثل أداة هامة للمساندة في عملية اتخاذ القرار، فمن خلال النمذجة الصحيحة للمنطقة المراد حل المشكلة فيها باستخدام البيانات والمعلومات التي تم جمعها في عملية التوصيف، وسيكون من الممكن محاكاة الحلول المطروحة نظريًا وقياس مدى كفاءتها، بشكل منفرد أو مجتمعة، وذلك للتحكم في مستوى المياه الأرضية ودفعها إلى المستوى الآمن، مع الأخذ بالاعتبار لتكاليف هذه الحلول المقترحة وإمكانية تطبيقها في المنطقة، ومن ثم تحديد الحل المناسب العملي من بينها؛ والذي يتميز بأنه الأكثر فاعلية والأقل تكلفة".
مشيراً إلى أن عملية المراقبة المستمرة للمياه الأرضية تعتبر من الأمور الهامة في برامج السيطرة على ارتفاع منسوب المياه الأرضية لتقييم كفاءة الحلول المطبقة ومراجعة هذه الحلول بشكل دوري واتخاذ الإجراءات التصحيحية في ضوء النتائج التي يتم الحصول عليها، داعياً في سياق التوصيات إلى النظر إلى عملية التصدي لهذه المشكلة على أنها عملية مستمرة، وليست مشروعًا ينتهي في وقت محدد.
وأضاف موضحاً: "في الوقت الحالي، يتم التخلص من المياه الأرضية في معظم دول المجلس بتصريفها إلى البحر أو الوديان. إلا أن ظروف الندرة المائية السائدة في دول مجلس التعاون تتطلب النظر إلى هذه المياه كمورد مائي مكمل للموارد المائية الحالية، والتفكير في إمكانية إعادة استخدامها، سواء بشكل مباشر أو بعد معالجتها، ويجب أن يكون موضوع إعادة الاستخدام جزءًا أساسياً من برامج السيطرة على ارتفاع المياه الأرضية، كما ينبغي إجراء التوصيف الكيميائي لهذه المياه ليتم تحديد استخداماتها المناسبة، مع الأخذ في الاعتبار نوعية المياه ودراسة الأثر الصحي والبيئي لاستخدامها لهذه الأغراض".
هذا، وأوصى المشاركين في الندوة إلى النظر إلى إمكانية حدوث مشكلة ارتفاع المياه الأرضية في المدن الإسكانية المستقبلية ووضع البرامج التي من شأنها التصدي لهذه الظاهرة في عملية التخطيط الحضري المتكامل، مع إنشاء شبكات لمراقبة المياه الأرضية الضحلة للتنبؤ والتشخيص المبكر لهذه المشكلة والتعامل معها، مؤكدين على أهمية التكامل بين التخصصات ذات العلاقة لكون المشكلة متعددة الأبعاد، وتتطلب العمل من عدة تخصصات كتخصصات التخطيط الحضري، والهيدروجيولوجيا/الهيدرولوجيا، والهندسة الجيوتقنية، والبيئة، من أجل إيجاد الحلول الناجحة، لافتتين إلى أهمية تشكيل فرق عمل من هذه التخصصات مجتمعة، والتعامل الفعّال من قبل صناع القرار والتنفيذين والأكاديميين والقطاع الخاص للحد من تأثيرات هذه الظاهرة.
ودعت التوصيات في السياق ذاته إلى تكثيف البحوث العلمية في موضوع ارتفاع منسوب المياه الأرضية في المناطق الحضرية، ودعم وتشجيع طلبة الدراسات العليا في الجامعات والباحثين في مراكز البحوث الخليجية على إجراء بحوثها في هذا المجال، وتشكيل شبكة بحثية في مجال ارتفاع منسوب المياه الأرضية في المناطق الحضرية من الباحثين في دول المجلس، نظرًا للحاجة لتبادل الخبرات بين دول مجلس التعاون، وعقد جلسة خاصة حول المشكلة لمناقشتها ضمن مؤتمر الخليج الخامس عشر الذي سيعقد في الدوحة في أبريل المقبل.