«السني» يرفضه لإثبات النسب و«الجعفري» يقبله دون الميراث..
أكد محامون أن نتائج التحليل الجيني DNA تعد قرينة وليست دليلاً يعتد به لإثبات النسب، لافتين إلى أن نتائجه لا تصل إلى نسبة 100%، بسبب احتمالية حدوث أخطاء فنية أو تلوث في العينات، فيما بينوا أن الفقه الجعفري يأخذ به في إثبات ونفي النسب ويترتب عليه حقوق الحضانة والسكن والنفقة ولقب الأب البيولوجي واسم عائلته إلا أنه لا يحق له الميراث.
وأشار المحامون إلى أن القضاء الجنائي يعتد بالـDNA في إظهار حقيقة الجناة، لكن القضاء المدني يحيل الأمر للقضاء الشرعي والذي لا يأخذ به إلا في حالتين فقط وهما اختلاف المواليد في المستشفيات أو حدوث الكوارث التي ينتج عنها اختلاف المواليد.
وأوضح المحامي عبدالهادي خمدن أن الاستدلال على الجناة في ما سبق كان يعتمد على وسائل محدودة، ولذلك كانت فرص إفلات المجرم من العقاب كبيرة جداً وكان إثبات النسب أمراً بالغ الصعوبة ولا تتوافر وسائل إثبات قطعية وإنما وسائل إثبات اعتبارية افترض شرعاً أنها تقوم مقام الدليل القطعي وهي في حقيقتها «قرائن» بالاعتبار القانوني حيث إن القرينة هي مرتبة أقل من الدليل، وقال: «ونحن نتكلم عن إثبات النسب أو الجرم عند المنازعة فيه وكانت الأدلة هي الشهود والاعتراف والتلبس بالجرم واليمين الحاسمة ومن النماذج التاريخية، على ضياع الحقوق والتباس وجه الحق، ولايزال بعض أهل العلم الديني لا يقتنع بوجود فرق بين جينات البشر وأن الدم بين جميع الناس غير متطابق ويستدل على ذلك بالحديث (كلكم لآدم وآدم من تراب).
كما أشار خمدن إلى استغلال البعض لعلم الجينات لمحاولة الإشارة إلى رقي عرق بشري على غيره من الأعراق البشرية، وقال إن علماء الجينات يبدو انهم يعتبرون الجينات أو بقايا الهياكل المشابهة للإنسان بأنها النسخة الأولى القديمة للبشر، بينما البشر الحاليون على الكرة الأرضية لا تعود أصلولهم لأكثر من 15 ألف سنة حيث نزل جدنا آدم عليه السلام إلى الأرض، وهذه النظرة الدينية تختلف مع القائلين بوجود آثار لعظام بشرية قد تعود لملايين السنين، فالدين يشير لوجود مخلوقات عاقلة تشبه بني آدم كانت تعيش على الأرض قبل جدنا آدم، وبتعبير آخر فإن سلالة آدم تختلف عن سلالة المخلوقات العاقلة التي تم اكتشاف بعض آثارها.
وبين المحامي خمدن أن علم الجينات قد تطور خلال المائة سنة الماضية بصورة كبيرة ومذهلة وبات من السهل التوصل للجناة متى تركوا بعض الآثار البيولوجية وإن كانت قليلة مثل البصاق أو الشعر أو قطرة دم أو عرق أو قدر ضئيل من نسيج الجلد، وفي بعض الحالات يمكن معرفة نوع النشاط الذي يقوم به الجاني أو مكان معيشته عندما يكشف الفحص عن تركيز لمواد معينة في دمه، فقد تتركز مستويات كبيرة من أبخرة المعادن لو كان يعمل في منجم أو تتركز كمية من الأملاح لو ترك أثراً في مكان الجريمة يشير إلى أنه يعيش بالقرب من البحر.
وعاد مرة أخرى إلى إثبات النسب عن طريق الفحص الجيني DNA، موضحاً أن المحاكم الشرعية ليست سواء في ذلك، فبالنسبة لغالبية الفقه الجعفري، فإن نتيجة الفحص تعتبر حاسمة ويعتبر هذا الفحص دليلاً قطعياً لإثبات أو نفي النسب وبناء عليه تحكم بنفي النسب حتى و لو كان النزاع بين زوجين أو بثبوته حتى ولو كان بين طرفين غير متزوجين، ويترتب على ذلك آثار الأبوة من الحضانة والسكن والنفقة وكذلك تمنحه اسماً ولقب أبيه البيولوجي واسم عائلته ويتم استخراج وثائق رسمية شخصية للولد باسم أبيه البيولوجي ولا تحرمه إلا من الميراث لأنه يشترط في الميراث أن يكون الولد شرعياً، ويستندون للفحص الجيني بناء على فكرة وجوب رجوع الجاهل للعالم، والقاضي ليس عالماً بعلم الجينات فيجب عليه أن يرجع للعالم بها. وأكد خمدن أن علم الجينات بات علماً حقيقياً وليس في طور التجارب، ولم يحدث أن اختلفت نتيجته بين فحص وآخر، بل إن نتيجته قطعية وبالتالي فإن الفقه الجعفري يتفق مع القضاء المدني والجنائي في أن الدليل العلمي مقدم على الدليل القولي، وبناء عليه فإن المحاكم الجعفرية بالبحرين تأخذ به وتطرح ما يخالفه من اعتراف أو إقرار أو شهادة شهود أو يمين حاسمة، ولقد سبق أن حكمت بثبوت النسب الشرعي رغم حلف الزوج أنه لم يعاشر الزوجة، كما حكمت بثبوت النسب البيولوجي رغم توقيع المرأة على إقرار بأن الولد لم تحمل به من فلان من الناس، ولكن أظهر الفحص بأنه متخلق من نطفته.
وأشار خمدن إلى أن الفقه الجعفري يفسر الحديث (الولد للفراش وللعاهر الحجر) بأنه عند المنازعة بين الزوج والعشيق فإن الولد يلحق نسباً بالزوج عند عدم وجود دليل وكانت ظروف الحمل تسمح بإمكانية الحمل من الزوج، أما لو كانت لا تسمح كما لو كان منهياً في بلاد أخرى أو وجد دليل قطعي علمي على أنه ليس من صلبه فإنها تحكم بنفي النسب، فالدليل العلمي المذكور هو دليل قطعي حاسم بالنفي أو الإثبات لدى المحاكم الجعفرية في البحرين لنحو عام. ولفت إلى أن القضاء السني لا يقبل بذلك الفحص إلا بصعوبة ويضع الكثير من القيود عليه، ولا يكاد يسمح إلا في حالتين هما اختلاف المواليد في المستشفيات أو حدوث الكوارث التي ينتج عنها اختلاف المواليد، مشيراً إلى أن المحاكم السنية لا تلحق الولد بابيه البيولوجي وإنما تعطيه اسماً وهمياً وبالتالي فلا يمكن لأم الطفل أن تطالب بالنفقة وتوابعها للطفل كما لا تصدر له وثائق شخصية باسم أبيه البيولوجي، وعند النزاع بين الزوجين على نسب الطفل ترجح عدم إجراء الفحص الجيني استناداً للحديث المذكور ولأجل رعاية مصلحة الطفل، إذ ترى في الأخذ بالحديث ورفض إجراء الفحص أو رفض نتيجته «إحياء للطفل».
وألمح إلى أن بعض المحامين يلجؤون لإقامة دعاوى إثبات النسب البيولوجي أمام المحاكم الجعفرية لأنها تعترف بالفحص الجيني وتعتمد نتيجته، مشيراً إلى أن القانون في البحرين يسمح بالتقاضي لأي من الدائرتين الجعفرية أو السنية طالما لا يوجد عقد زواج رسمي يخص أياً منهما. من جهة أخرى نبه خمدن إلى أن القضاء الجنائي وجهات التحقيق تجبر المتهم على الخضوع للفحص الجيني وتعتمد نتيجته، لكن بناء على قضاء التمييز فإنه لا يجبر المدعى عليه مدنياً أو شرعياً على الخضوع للفحص. وقال: «برأيي هو أن الأصح هو إجباره لأن قرار المحكمة لا يجوز أن يكون تنفيذاً على محض إرادة الخصوم ولأن في عدم تنفيذه ضياع الحقوق وتعريض الطفل لفقدان الهوية وبقاءه بلا ولي أمر قانوني ولا عائل ملزم به، ويمكن الاستعاضة عن إجبار المدعى عليه بمخاطبة النيابة العامة للتنسيق مع مركز الجينوم الوطني ووزارة الصحة لعمل مضاهاة بين عينات الأطراف لأنه حسبما ينشر في الصحف فإن كل عينات المواطنين والمقيمين محفوظة ويستعان بها عند وجود آثار بيولوجية لمعرفة الجاني.
في السياق ذاته، أوضحت المحامية فوزية جناحي أن تحليل الحمض النووي «DNA» يعد أداة قوية يتم استخدامها في إثبات أو نفي النسب من الناحية القانونية والشرعية، حيث يعتمد تحليل الـDNA على مقارنة الصفات الجينية بين الأفراد المعنيين لتحديد ما إذا كانوا ذوي نسب بيولوجي أم لا، ويُعتبر التحليل الجيني للـDNA دليلاً قوياً في المحاكمات ويتم قبوله عادةً كدليل قوي يمكن أن يؤثر في نتائج القضايا المتعلقة بالنسب.
وقالت جناحي: «إذا كانت العينة المأخوذة من الشخص المشتبه به تطابق التسلسل الجيني للأب والأم المفترضين بشكل كامل، فإن ذلك يشير إلى وجود نسب بيولوجي، ومن الجدير بالذكر أن الاحتمالية الإحصائية لوجود تطابق تام بين تسلسل الـDNA للأفراد غير ذوي النسب البيولوجية هي شبه معدومة، مما يعزز قوة هذا الدليل».
واستدركت قائلة: «مع ذلك، يجب أن نلاحظ أن دقة نتائج التحليل الجيني للـDNA ليست 100%، وقد يكون هناك احتمالية لحدوث أخطاء فنية أو تلوث في العينات، لذلك يجب أن تتم عملية جمع العينات والتحليل بعناية فائقة وتحت إشراف مختصين متخصصين في علم الجينات».
أما من الناحية القانونية والشرعية، فأكدت المحامية جناحي أنه يمكن أن يؤثر نتيجة تحليل الـDNA على العديد من القضايا المتعلقة بالنسب، مثل الحقوق المتعلقة بالأبوة، الإرث، الحضانة، والتأمين الصحي، وغيرها، ويعتمد قبول النتائج كدليل في المحكمة على القوانين والتشريعات المعمول بها في البلد المعني، لكن على الرغم من أن التحليل الجيني للـDNA يُعتبر أداة قوية في إثبات أو نفي النسب، إلا أنه يجب أن يتم استخدامه بحذر وتوخي الدقة، ويجب أن يتم التعامل مع نتائج التحليل الجيني كجزء من الأدلة الشاملة في القضية، وأن تتم مراعاة العوامل الأخرى المتعلقة بالحالة.
وبينت جناحي وجود اختلاف في القوانين والتشريعات المتعلقة بالتحليل الجيني للـDNA وقبوله كدليل من بلد إلى آخر، وقد تكون هناك متطلبات قانونية محددة لاستخدام نتائج التحليل الجيني في المحاكمات والقضايا ذات الصلة، لكنها أكدت على اعتباره أداة قوية في إثبات أو نفي النسب من الناحية القانونية والشرعية، ويساهم في توفير أدلة قوية وعلمية تُستخدم في المحاكمات والقضايا المتعلقة بالنسب، وشددت على أهمية استخدامه بحذر وفقاً للقوانين والتشريعات المعمول بها، ومراعاة العوامل الأخرى المتعلقة بالقضية بشكل شامل. وكذلك أشار المحامي عبدالله العلي إلى أن الـDNA يعد قرينة وليس دليلاً، ولا يتم الأخذ به في القضاء المدني الذي يحيل الأمور الخاصة بإثبات النسب إلى القضاء الشرعي، وهذا بدوره يستند إلى نص الحديث الشريف «الولد للفراش» أي أن الولد ينسب لزواج صحيح وشرعي.
إلا أن العلي لفت إلى استناد المحاكم الجنائية للفحص الجيني في القضايا التي يشتبه فيها بشبه تزوير، وأناط بذلك إلى حكم محكمة جنائية سابق صدر ضد أجنبية نسبت طفلاً لزوجها رغم أنه نتاج علاقة غير شرعية، واكتشف الزوج ذلك بعد 7 سنوات، وتبين بعد فحص DNA أن الطفل ليس للزوج.