محمد الرشيداتمشاريع تلفت انتباه العالم على رأسها "الزراعة بدون تربة"البحرين في المرتبة 38 اليوم بين دول العالم الأفضل بالأمن الغذائياستثمار أراضٍ مسجّلة كأوقاف وتمويلات وفيرة المزارعينحاضنات للحفاظ على الأصول الوراثية النباتية الحيوانيةلا أحد على أرض البحرين يعيش عند خط الفقر أو يقترب منهالبحرين ذات الطبيعة الصحراوية تؤمن الماء النقي لكل سكانها"زراعة بدون تربة، واستثمار أراضٍ مسجّلة كأوقاف، وتمويل المزارعين، وحاضنات للحفاظ على الأصول الوراثية النباتية الحيوانية، وإشراك القطاع الخاص بمشاريع الاستزراع السمكي وإنشاء مزارع سمكية"، هذا غيض من فيض ما يجري في البحرين اليوم من أجل هدف واحد بأن تتربع المملكة في مصافي 25 دولة في العالم هي ذات الحظوة والصدارة في الأمن الغذائي.والناظر للبحرين اليوم باعتبارها فعلاً على خارطة أفضل 50 دولة، وتحديداً في المرتبة 38 على مستوى العالم من حيث الأمن الغذائي، ربما لن يتبادر إلى ذهنه بأن هذا البلد إنما يصارع تحديات جمة في مقدمتها الزيادة السكانية، واستمرار الهدر الغذائي، ومحدودية الموارد الطبيعية وندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة ومحدودية الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة.أما كلمة السر بتصدر الأمن الغذائي اهتمامات البحرين والانتصار على كل التحديات هي رؤية ملكية سامية حكيمة ومخططات عصرية متقدمة وتوجيهات سديدة تجلت في كل مرة بخطابات جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدّى حفظه الله ورعاه في مختلف المناسبات الوطنية المليئة بالتوجيهات الملكية المحفّزة لعديد أشكال العمل الحكومي لتكون بمثابة خارطة طريق له، مستمداً النشاط لإمضاء المُراد من عمق الشراكة الوطنية بين القطاعين العام والخاص،وعلى طبيعة التعاون المثمر القائم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية الرامي إلى ترجمة الأوامر الملكية لمشاهدتها واقعاً ملموساً لملء جعبتها بسلسلة مترامية الأطراف من العوائد الإيجابية تعود بالنفع على الوطن بدوران عجلته المتسارعة نحو رسم أبهى صور التنمية المستدامة في مجالات العمل المختلفة فيه من جانب،وعلى المواطن في أن ينعم بأسلوب عيش فيه من الرخاء والتطور ما يكفي لأن يليق بمملكة أرض الخلود من جانب آخر، باعتبارها إحدى الدول المتقدمة المتمتعة بكل أشكال النهضة العصرية.وفي ملف الأمن الغذائي أرقام وإنجازات متلألئة ما برحت البحرين تمضي نحو تسجيلها، ولا تألوا جهداً في إيجاد الحلول وتبني عديد المشاريع الاستراتيجية للإنتاج الوطني للغذاء الكفيلة بالارتقاء بجودة حياة الإنسان واستمرار تمتعه بالعيش الكريم من خلال توسيع نطاق مجالات الاكتفاء الذاتي عنده عبر تخصيص مواقع متعددة للإنتاج النباتي والحيواني،فضلا عن الاهتمام بحال الثروة السمكية وزيادة عدد مشاريع الاستزراع السمكي في المملكة لرفع نسبة الإنتاج المحلي.وما أن تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2020 - 2030 عبر توجيه ملكي سامٍ انبرت لإعدادها حكومة مملكة البحرين بالاشتراك مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)،والتي تضم 67 توصية، جاءت للتركيز على الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، والحد من المخاطر ذات الصلة بتغير المناخ والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية العالمية لضمان حصول جميع المواطنين والمقيمين في مملكة البحرين بشكل مستدام على الأغذية الكافية والآمنة والمغذية التي تلبي تفضيلاتهم الغذائية نحو حياة فاعلة وسليمة.وكل هذا على الرغم من بعض التحديات التي تضع المملكة سبلاً عدّة لتجاوزها والتي تأتي في مقدمتها الزيادة السكانية، واستمرار الهدر الغذائي، عطفاً على ذلك، حجم المخاطر التي تنجم عن الاضطرابات البيئية والاقتصادية، إضافة إلى محدودية الموارد الطبيعية المحلية والمتمثلة بندرة المياه، وقلة هطول الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، فضلاً عن محدودية الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة، وصولاً إلى المشاكل المتعلقة بنقل وتطويع استخدام التقانات الزراعية الحديثة وقلّة الأيدي العاملة في الزراعة التقليدية.إلا أن كل هذا لم يمنع البحرين من أن تضع اسمها على خارطة أفضل 50 دولة وتحديداً في المرتبة 38 على مستوى العالم من حيث الأمن الغذائي ضمن تصنيف التقرير الذي أجرته وحدة المعلومات الاقتصادية بالأمم المتحدة 2022 ، والذي استند في تقييمه على مدى قدرة البحرين على تحمل تكاليف الغذاء وتوافره، وجودة الغذاء وسلامته، إلى جانب توافر الموارد الطبيعية واستمراريتها.وبالنظر إلى ما حصدته المملكة فإنها ما زالت تجني ثمار ما تحقق على الرغم من طبيعتها الجغرافية والمناخية، ومع صعوبة ذلك إلا أن جميع سكانها يحصلون على مياه الشرب، كما أنه لا وجود لأحد على أرضها من مواطنين ومقيمين يعيش عند مستوى خط الفقر العالمي أو دونه والمقدّر بـ 3.20 دولار أمريكي في اليوم الواحد.وهكذا برعت البحرين في هذا الإطار وتمكنت من تسجيل 75.3 نقطة من أصل 100 فيما يتعلق بالإمدادات الغذائية، أي بزيادة قدرها 15 نقطة على المتوسط العالمي المحدد، فيما سجل مؤشر البنية التحتية للري 46.5 نقطة، وهو أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 10.6.ومن أجل الوصول إلى المرتبة 30 عالمياً بحدود العام 2025، وحجز مقعدها في المرتبة 25 عالمياً عند العام 2030 من حيث تصنيف الأمن الغذائي، تسارع البحرين إلى رفع سقف التفاهمات التي تجمع الجهات الحكومية الخدمية بالقطاع الخاص، وتفعيل التواصل مع المنظمات الدولية المختصة بتمويل وتنفيذ مشروعات الأمن الغذائي، وتكريس جهودها لعقد مزيد من الصفقات الموحّدة مع دول مجلس التعاون الخليجي والدول الأخرى بشأن الأمن الغذائي كمسألة ملحّة وهامّة في معادلة التنمية المستدامة وتعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات الغذائية.ومن هنا تبرز أهمية المبادرات والبرامج الوطنية الهادفة التي تنبري لتنفيذها الجهات الحكومية ذات العلاقة لتنشيط البيئة الاستثمارية في المشاريع الزراعية ولعل من أبرزها مشاريع الزراعة بدون تربة التي من المتوقع أن توفر مستقبلاً ما ينوف على 10000 طن سنوياً من الخضراوات بزيادة قدرها 50% عن الإنتاج المحلي الحالي، والاستخدام الأمثل للأراضي المسجّلة كأوقاف، توفير التمويلات المالية للمزارعين وإعفائهم من التعريفات والضرائب الزراعية والثروة الحيوانية، إلى جانب تطوير المعامل الزراعية لدعم المزارعين، وتعزيز العملية التسويقية لمنتجاتهم،وإنشاء مراكز متخصصة للحفاظ على الأصول الوراثية النباتية منها والحيوانية عبر إنشاء مراكز حاضنات مهيأة لذلك، وذلك على الصعيد الزراعي.أما على صعيد تطوير قطاع الثروة السمكية، فالمبادرات تطال دعوة القطاع الخاص للاستثمار في مشاريع الاستزراع السمكي لكونها تُعدّ صناعة واعدة تسهم في رفع الطاقة الإنتاجية من الغذاء السمكي في مملكة البحرين،ناهيك عن إطلاق برامج تدريبية تمكّن البحرينيين من تربية الأسماك، وصولاً إلى إنشاء مزارع سمكية متعددة، كمثل المركز الوطني للاستزراع السمكي في منطقة رأس حيّان من أفضل البيئات الحاضنة لإصبعيات الأسماك المستزرعة، حيث تعمل وزارة شؤون البلديات والزراعة على تطويره بالتعاون مع منظمة الفاو، فضلاً عن سعيها الدؤوب في إقامة مزارع متكاملة لاستزراع أسماء الهامور وغيرها من الأنواع بالتعاون مع جمهورية الصين الشعبية، وفي ذلك ولادة أرقام مبشّرة تطال نسب مساهمة الإنتاج السمكي في الاكتفاء المحلي لتصل إلى 62 %.ومن هنا يمكن فهم وقراءة حكاية مملكة البحرين وتمكنها من تطويع طبيعتها الجغرافية والمناخية لتحول أرضها إلى واحة لا يقيم فوق أرضها فقير ولا يجوع أو يعطش من يقصدها.