أيمن شكل


دعا رجال الدين، المسلمين إلى حسن الظن في كافة الأمور، والبدء بحسن الظن بالله الذي يمنح الإنسان الأمل في هذه الحياة رغم كل ما فيها من التعب والمشقة والآلام، وحسن الظن بالناس باعتباره من القيم الإنسانية والأخلاق النبيلة التي حث عليها الدين القيم.

وأوضح الشيخ د. أحمد العازمي، أن الإنسان والمجتمع هما مجال عمل الشريعة الإسلامية بكافة أحكامها، ولذلك توجد العديد من الأحكام الشرعية المتعلقة بالارتقاء بالإنسان من جانب، والارتقاء بالمجتمع من جانب آخر، ولا يمكن أن يتحقق هذا الارتقاء في الجانبين إلا بأن تكون هناك قيم إنسانية وأخلاقٌ نبيلة ينطلق منها الفرد في المجتمع، ويبني من خلالها علاقاته القوية مع بني مجتمعه.

وأضاف، أن من تلك القيم الإنسانية والأخلاق النبيلة حُسن الظن، والذي يعني ترجيح جانب الخير على جانب الشر، وأن لا يكون في نفس الإنسان إلا تصوُّر الحسن سواء ما كان في علاقته مع ربه سبحانه وتعالى أو ما كان في علاقته مع الآخرين من بني مجتمعه. وأكد العازمي، أن حسن الظن بالله تبارك وتعالى هو ما يدفع الإنسان لحُسن العبادة، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ حُسن الظن بالله تعالى من حُسن العبادة) [رواه أحمد وأبوداود والترمذي].

ولفت إلى أن حسن الظن لا يقتصر على الناس فيما بينهم ولكن أيضاً حسن الظن بالله جل وعلا والذي يمنح الإنسان الأمل في هذه الحياة رغم كل ما فيها من التعب والمشقة والآلام.

وقال: بخلاف ذلك الإنسان الذي أساء الظن بربه جل وعلا فإن أمله في الحياة يكون ضعيفاً، وحالته النفسية تكون سيئة؛ وذلك لأنه يائسٌ من رحمة ربه، وهو ما قد يدفعه إلى الانتحار، والله تعالى يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وجاء عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: (لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله عز وجل) [رواه مسلم]، وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي) [رواه البخاري ومسلم]، فالعبد المؤمن لا يظن بالله تعالى إلا خيراً.

ومن جانب المجتمع، ذكر العازمي أن من شأن حُسن الظن أن يجعل العلاقة طيبة مع الآخرين، ومن شأنه أن يُريح الإنسان في علاقته مع بني مجتمعه، فلا يشغل باله وتفكيره بالآخرين ولا بمقاصدهم ولا نياتهم، وإنما يعمل بما ظهر من أحوالهم، وهو ما يجعل قلبه سليماً تجاه إخوانه المسلمين، فلا يتجسس عليهم ولا يقع في أعراضهم ولا في غيبتهم، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 12].

وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن؛ فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديث، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً) [رواه البخاري ومسلم].

وشدد على أهمية ابتعاد المسلم عن سوء الظن والحكم على ما في ضمائر الناس ونياتهم وقلوبهم، ولا يحكم إلا بالظاهر من أمرهم وحالهم، ويكل أمر الحكم على نواياهم وسرائرهم إلى الله تعالى، وينشغل بإصلاح نفسه ونيته، وفي عبادة ربه، وفي العمل الصالح الذي يقربه إلى الله جل وعلا.

وفي السياق ذاته أشار الشيخ حسن آل سعيد، إلى أن الإسلام دعا لحسن الظنّ بالناس، أي ترجيح الجانب الإيجابيّ، أو على الأقلّ غير السلبيّ في ما يفعله الناس ممّا قد يبدو سلبياً، منوهاً لما ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «أحسنوا ظنّكم بإخوانكم...»، وعن الإمام عليّ عليه السلام: «حسن الظنّ من أكرم العطايا، وأفضل السجايا».

وقال: ندب الإسلام إلى حسن الظنّ الحالات التي يجد فيها الإنسان صعوبة في تبرير العمل، فقد دعا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليه السلام إلى التماس العذر له، والبحث عن محمل حسن لعمله، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «اطلب لأخيك عذراً، فإن لم تجد له عذراً، فالتمس له عذراً»، وعن الإمام عليّ عليه السلام: «ضع أمر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يغلبك، ولا تظنّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً، وأنت تجد له في الخير محملاً»، وأكد على أن منشأ سعادة الإنسان هو اطمئنان القلب وراحته وسكينته، وهذا ما يجده الإنسان من خلال حسن ظنّه بالناس.

من جانبه، استذكر الشيخ عبدالله الطهمازي، قول الله تعالى في الحديث القدسي «أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء».

وتابع: في شرح هذا الحديث الشريف قال القاضي عياض «أنا عند ظن عبدي بي بالغفران إذا استغفر وبالكفاية إذا طلب وبالقبول إذا تاب وبالاستجابة إذا دعا، وقال الحسن البصري المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل والفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل».

وتابع أنه «مفتاح حسن الظن بالله أن يعلم العبد أن الله على كل شيء قدير وأنه سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه سبحانه هو أرحم الراحمين فإذا أدرك الإنسان هذه الحقيقة اطمأن قلبه وسكن روعه فينبغي على العبد أن يكون دائما متعلقا بأمل الرحمة وأمل المغفرة وأمل الصفح والعفو فالله سبحانه يحب الصوت الخفي والقلب التقي، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا خيرا من حسن الظن بالله تعالى، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنه، ذلك بأن الخير في يده».

وتأمل قول الإمام الشافعي

قل للذي ملأ التشــاؤم قلــبه

ومضى يضيق حولنا الآفاقا

سر السعادة حسن ظنك بالذي

خلق الحياة وقسم الأرزاقا.