محمد الرشيدات
تشارك في زراعة 40 مليار شجرة بالشرق الأوسط و50 ملياراً عالمياً
تحالف إقليمي يشارك بـ ٪10 من المساهمات العالمية في خفض الانبعاثات
٪5 من مساحة تشجير العالم بعهدة «الشرق الأوسط الأخضر»
زراعة 100 ألف شجرة في البحرين ضمن «زرعناها سعودية وتنميتها بحرينية»
ملامح تحالف إقليمي غير مسبوق بدأت تتشكل لمواجهة تغير المناخ تحت مظلة «مبادرة الشرق الأوسط الأخضر»، وهو تحالف يبدو أن البحرين باتت أحد أطرافه الفاعلة من خلال مرسوم ملكي سامي، إلى جانب استراتيجيات وإجراءات ومشاريع، ما وضع المملكة في مقدمة الدول التي تسعى خلال السنوات العشر المقبلة لزراعة 40 مليار شجرة في الشرق الأوسط، و50 مليار شجرة على مستوى العالم، لتمثّل ما نسبته 5% من الهدف العالمي لزراعة تريليون شجرة، إضافة لاستعادة ما ينوف على 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة.
وكل هذا من أجل أهداف رئيسة يتصدرها هدف خفض الانبعاثات الكربونية بما يعادل 10% من المساهمات العالمية، والحد من انبعاثات الكربون الناجمة عن إنتاج النفط في المنطقة بأكثر من 60%، عبر تعاون وثيق يجمع إطاره الشركات مع الحكومات والمجتمع المدني لدعم مساعي احتجاز الكربون، والاستثمار في الاقتصاد الأخضر، وتشجيع الابتكار والنمو في مصادر الطاقة المتجددة.
وباعتماد مبدأ «كوكب الأرض أولاً»، برزت تفاصيل التفاهمات الإقليمية الحاسمة لمواجهة تغير المناخ وذلك من بوابة المبادرات البيئية الناجعة ومن أهمها «مبادرة الشرق الأوسط الأخضر»، التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في السابع والعشرين من مارس 2021، من أجل الحد من آثار تغير المناخ على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإحداث أثر إيجابي يتجاوز مجال البيئة، بما يضمن تأمين مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة ويفتح الآفاق أمام المستقبل الأخضر، ليكون ذلك كفيلا بدفع عجلة التنويع داخل الأنشطة التجارية، وإيجاد فرص اقتصادية ضخمة، وتوفير فرص العمل للباحثين عنها، وتفعيل دور القطاع الخاص في استقطاب الاستثمارات المختلفة.
مبادرة الشرق الأوسط الأخضر جاءت لتكون بمثابة خارطة طريق طَموحة وواضحة لتسريع العمل المناخي الإقليمي، واضعة على كتفها مهمة تحقيق هدفين اثنين أساسيين هما التشجير وخفض الانبعاثات الكربونية على مستوى المنطقة، وذلك لن يتأتّى إلّا من خلال التعاون وتبادل المعرفة والخبرات والاستثمار في الاقتصاد الأخضر، إضافة إلى تأسيس بنية تحتية عصرية قادرة على خفض الانبعاثات وحماية البيئة، وهو ما سيشكّل أداة دعم ومساندة لكوكب الأرض نحو كسب رهانه في معركته القوية ضد تغير المناخ الذي من الواجب ترويضه نظرا لتداعياته السلبية التي تستهدف صحّة الكرة الأرضية بارتفاع درجات الحرارة في باطنها وظاهرها، وهو ما يقود نحو تدهور حاد في سبل العيش عليها نتيجة ازدياد وتيرة وشدة الظروف المناخية القاسية، مثل الجفاف والأمطار الغزيرة، إلى جانب تجدد حدوث العواصف الترابية التي لا تُبقي ولا تذر من المساحة الخضراء، والتي قد تصل تكلفتها الاقتصادية وحدها إلى أكثر من 13 مليار دولار سنوياً في المنطقة.
الدول المشاركة في مبادرة الشرق الأوسط الأخضر البالغ عددها 25 دولة، كانت قد اعتمدت إطار عمل محدد ضمن جدول زمني اتّجه نحو حوكمة المبادرة في أكتوبر 2022، لتوثيقها وتوحيد رؤى وأهداف جميع الدول الداعمة للمبادرة، ومن بينها البحرين التي صادقت مؤخراً وبمرسوم ملكي صدر عن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم على ميثاق مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، كتأكيد ملكي يشير إلى دور المملكة في حجز مقعدها كعنصر فاعل ومؤثر داخل توليفة الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى التصدي لظاهرة التغير المناخي، وإعلان التزامها بأهم المبادرات والاتفاقيات العالمية المتعلقة بالمناخ، والتي تنوي من خلالها إلى خفض الإنبعاثات المتوجّهة صوب سمائها، والوصول للحياد الكربوني لمستوى الصفر بحلول العام 2060، من خلال مضاعفة عدد الأشجار بشكل عام في مملكة البحرين بحلول عام 2035.
وكذلك إطلاق حزمة من المشاريع الداعمة للمساعي الدولية الحقيقية المتّجهة نحو تعزيز الأمن البيئي المستدام، وتشكيل شراكات مع دول المنطقة، والتي كان من أبرزها في الآونة الأخيرة مضمون التفاهم البحريني السعودي لزراعة 100 ألف شجرة في مملكة البحرين تحت عنوان (زرعناها سعودية وتنميتها بحرينية)، إلى جانب ما أعلنت عنه البحرين في قمّة المناخ العالمية COP28 التي احتضنتها إمارة دبي مؤخراً، عزمها إطلاق صندوق لتكنولوجيا المناخ بقيمة 750 مليون دولار،إضافة إلى تدشين منصة «صفاء» الطوعية لتعويض انبعاثات الكربون وتوجيه إيراداتها لتمويل مشاريع إقليمية ودولية تختص في ذلك، فضلاً عن إطلاق خطة العمل الوطنية تحت مسمى «BLUEPRINT BAHRAIN» لتحقيق الحياد الكربوني من خلال 3 مسارات، وهي: الاقتصاد منخفض الكربون، والتكيف مع التغير المناخي، وخلق فرص مستدامة في الاقتصاد الأخضر الجديد.
مبادرة الشرق الأوسط الأخضر تنطلق من نافذة قمتين: الأولى ضمتها العاصمة السعودية الرياض، ولتحتضن بعدها مدينة شرم الشيخ المصرية النسخة الثانية منها في نوفمبر 2022 برؤية موحدة وبأهداف طموحة تضع الموازين الملائمة والحاسمة لمكافحة تغير المناخ، وأهداف بالجملة ستسعى المبادرة على إمضائها خلال السنوات العشر القادمة تتمحور حول زراعة 40 مليار شجرة إضافية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وزراعة 50 مليار شجرة ضمن أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم، لتمثّل ما نسبته 5% من الهدف العالمي لزراعة تريليون شجرة، والعمل على استعادة ما ينوف على 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة.
إجراءات تمهّد الطريق وتضع نقاط الحلول على حروف تغير المناخ تأتي في مقدمتها حشد جهود المنطقة برمتها والتواصل المستمر بين دولها في هذا الشأن لتعزيز خبرات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لتقود نحو إنشاء مراكز في المنطقة لتحفيز الابتكار وتعزيز الاقتصاد الدائري للكربون، ليشكّل ذلك باكورة تفاهمات شاملة تُقطف من نافذتها الثمار، إضافة إلى الاستثمار في أحدث حلول تقنيات احتجاز الكربون من خلال إنشاء مركز إقليمي لاحتجاز الكربون واستخدامه وعزله، إلى جانب الحد من تأثير الطهي على مستوى الانبعاثات للوصول إلى مصادر نظيفة لوقود الطهي تضمن تحسين الصحة وخفض الانبعاثات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ما سبق ذكره لا يمكن أن تظهر ملامحه واقعاً ملموساً إلّا إذا تعهّدت الدول المشاركة مجتمعة بأن تلتزم بالتمويل الدائم لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر، ليوجّه الدعم المالي ويخصص لإنشاء صندوق إقليمي مكرس للاستثمار في حلول التكنولوجيا النظيفة يشجع بدء حقبة جديدة من الابتكار الأخضر.