أيمن شكل


الوعظ والهجر والضرب والاحتكام.. 4 مراحل تسبق الطلاق

أكد رجال دين، أن الإسلام قد وضع قواعد الزواج والمعاملة الحسنة والتسريح بإحسان، وجعل للطلاق 4 مراحل استباقية حفظا للمودة والرحمة التي سبقت بين الرجل وزوجه، وهو ما حرص المشرع البحريني على تضمينه في قانون الأسرة وفق المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم، وقالوا إن تحول العلاقة بين الزوجين إلى حرب يتنافى مع الضوابط والأخلاقيات التي وضعها الشرع الحكيم للطلاق.

ونوه المستشار الشيخ حمد الدوسري إلى قوله عز وجل (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، مشيراً إلى ما ذكره الإمام السعدي في تفسيره حول الآية ودلالتها على رحمته تعالى وعنايته بعباده وحكمته العظيمة وعلمه المحيط، (أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً) تناسبكم وتناسبونهن وتشاكلكم وتشاكلونهن (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، وهذا ما جعل الزواج من الأسباب الجالبة للمودة والرحمة، فحصل بالزوجة الاستمتاع والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم، والسكون إليها، فلا تجد بين أحد في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة.

وقال الشيخ الدوسري: «لما كان الزواج كذلك فإن الله عز وجل قد سن قواعد هذه الآية على كل أحوالها منذ مرحلة الاختيار والاستقرار ومراحل الخلاف التي يتدرج فيها الزوجان لوضع الحلول الشرعية حتى إذا ما استحالت العشرة بينهما أباح الإسلام الطلاق عندما يشتد الشقاق والنزاع بين الزوجين وتصبح الحياة بينهما مستحيلة، وحدد الدين الحنيف سبلاً أخلاقية وطرقاً شرعية للطلاق، حتى يكون الانفصال بالمعروف أو تسريح بإحسان، وهو ما لا يحدث في أيامنا هذه للأسف الشديد غالباً، حيث عادة ما ينتهي الأمر في ساحات المحاكم، ويتبادل الزوجان أبشع الاتهامات».

وأكد المحكم الشرعي الدوسري أن هذه الأفعال تتنافى مع الضوابط والأخلاقيات التي وضعها الشرع الحكيم للطلاق، مشيراً إلى أن أصل الطلاق هو أن يكون الحل الأخير والنهائي لما استعصى حله على الزوجين وأهل الخير والحكمين بسبب اختلاف الأخلاق وتنافر الطباع، بما يؤدي إلى ذهاب المحبة وتوليد الكراهية، وفي هذه الحالة يكون الطلاق طريقاً شرعياً أمام الزوجين، لافتاً إلى أن الإسلام جعل الطلاق بيد الزوج بحكم أنه الأكثر تحكماً في أعصابه وانفعالاته من المرأة، فهي سريعة الانفعال والاندفاع، كما أن الرجل في الغالب هو أكثر تقديراً لعواقب الأمور وأبعد عن الطيش في اتخاذ القرارات، ومع ذلك فمن حق المرأة أن تطالب بتطليقها للضرر في حالة سوء العشرة، وغيرها من الحالات.

وأضاف: «إذا كان الزواج ليس مجرد كلمة يقولها الرجل للمرأة، فكذلك الطلاق أيضاً، حيث إن له مراحل وقوانين ينبغي اتباعها، وقد نظمها الشرع الحنيف كما صيغت في مواد قانونية نظمها قانون الأسرة البحريني رقم 19 لسنة 2017 وتمثلت في أربع مراحل تسبق الطلاق، وهي من أسس الأمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان وهي (الوعظ والهجر والضرب الخفيف غير المبرح وحكمان من أهلهما) وهي خطوات ثابتة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند فشل هذه الخطوات الأربع تتم طلقةٌ واحدة يمكن التراجع عنها ورجوع بيت الزوجية في حالة الاتفاق بين الزوجين، وتكون هذه المراحل طويلة المدى لكي يعود الطرفان لرشدهما ويخضعا لأمر الله وإلا فالفراق بالمعروف والتسريح بإحسان يكون الحل النهائي».

ولفت الشيخ الدوسري إلى مراحل الطلاق التي ذكرها القرآن الكريم في قول الله تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً»، وقال إن القرآن قد حدد خطوات التعامل مع نشوز الزوجات، بالخطوة الأولى وهي العظة «فَعِظُوهُنَّ»، فإن لم تستجب، تأتي الخطوة الثانية وهي الهجر «وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ»، بإحسان معاملتها في النهار وهجرها في المضاجع، ووضع القرآن مدة للهجر بحد أقصى أربعة أشهر.

وأضاف: «وإن لم ترجع الزوجة فتأتي الخطوة الثالثة وهي الضرب «وَاضْرِبُوهُنَّ» ضرباً إنسانياً خفيفاً لا ضرباً مبرحاً، وأكثر ما يكون ضرباً معنوياً، حيث إنه يعاملها أرقى المعاملات الإنسانية قبل هذه المرحلة، ولما يضربها بشكل خفيف جدا بالسواك فتكون لها بذلك ضربة معنوية لا إيذاء جسدي محرم وذلك لتفهم من الضرب أنه عازم على الطلاق فإن كان في قلبها محبة لزوجها عندها ترضى بالعودة لطاعة الله. فإن لم تستجب رغم اتخاذ الخطوات الثلاث كاملة، عندها تتم الخطوة الرابعة بقوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً».

وأشار الدوسري إلى أن قانون الأسرة البحريني قد نظم هذه الدرجات والمراحل تنظيماً دقيقاً في مواده التي صيغت لتوافق المذهبين السني والجعفري على السواء حيث وجه القانون القاضي في المادة رقم (89) الفقرة (أ) قبل إيقاع الطلاق أن يحاول إصلاح ذات البين، وفي المواد من (99 إلى 104) حدد القانون المواد المنظمة لعمل الحكمين من أهل الزوجين، وعند فشل هذه الخطوات الأربع تتم طلقةٌ واحدة يمكن التراجع عنها ورجوع بيت الزوجية في حالة الاتفاق بين الزوجين، وهذه المراحل طويلة المدى لكي يعود الطرفان لرشدهما ويخضعا لأمر الله وإلا فالفراق.

وأوضح الدوسري أن الشرع قد قرر من باب الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان أن يكون الطلاق على ثلاث مراحل، فإن كانت حاملاً حتماً سيظهر حملها واضحاً، ولا تستطيع النكران للتخلص من البقاء في بيت زوجها لأن عدتها تصبح ممتدة في الطلاق الرجعي حتى تلد حملها. وقال إنه خلال ظهور الحمل جلياً يعود الزوجان للتفكير بمصير المولود ولربما يعودان للحق فتتم الرجعة بعد الطلاق، وهذا ما يريده الله وتلك من حكم الله تعالى «وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً» وخلال مدة القروء الثلاثة «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ»، أي يعاملها كزوجة وله الحق خلالها بإرجاعها، وبيّن تعالى أنه لا يجوز إخراج الزوجة المطلقة من بيت زوجها مدة العدة والقروء الثلاثة «وهذا الأمر يخالف الواقع الشائع»، وعليه فالحاكم يشرف على ذلك فعند بقائها في بيت زوجها لعلها ترجع للحق، فبرؤيتها لمعاملته الإنسانية الجيدة بذلك يمكن أن تفكر وتعدل عن الطلاق.

واختتم بالتأكيد على ما قام به جلالة الملك المعظم عبر مشروعه الإصلاحي في هذا العهد الزاهر وبمساندة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة حيث وضعت الأسس التي تساند استقرار الأسرة البحريني وتصب في دعم قوة بنائها ليبنى المجتمع البحريني قوياً ومتماسكاً في ظل هذا العهد الزاهر.

من جانبه، أكد الشيخ يوسف الريس أن النكاح من نعم الله تعالى التي امتن بها على عباده وهو من أقوى الروابط والعلاقات الاجتماعية، وقد سماه الله ميثاقاً غليظاً، لافتاً إلى أن الطلاق حل شرعي يلجأُ إليه الزوجان عند استحالة العيش سوياً ولا يجوز الإضرار بالمرأة حال الطلاق لقوله تعالى: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان...)) البقرة 229. وقال الشيخ الريس: إما أن يمسكها من أجل أن يبقيها معه مع العشرة بالمعروف من حيث المعاملة والنفقة والكسوة والسكنى ونحو ذلك حسب استطاعته ومقدرته أو يسرحها بمعنى التطليق بحيث لا تبقى في عصمته فيسرح بإحسان، فهذا هو الطلاق اللائق بأهل الإيمان وأهل المروءات فهو أخذها بعهد موثق غليظ، فينبغي أن يفارق بمعروف أو أن يمسك بمعروف.

وحذّر الريس من تحول العلاقة بين الزوجين إلى حرب ورمي بأقبح الأوصاف، وشتائم توجه إليها وإلى أهلها وجرح المشاعر ومصادرة الحقوق، مؤكداً أن هذه الأفعال لا تليق بأهل الإيمان، وإنما يكون التعامل على أكمل الوجوه.