ساهم مشروع العقوبات البديلة في تعزيز مكانة مملكة البحرين في مجال العدالة الجنائية وحقوق الانسان، تجسيدًا للقيم والمبادئ الإنسانية المستمدة من الرؤية الملكية السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه، في تعزيز وصون حقوق الإنسان، وجعلها مرتكزًا وأساسًا ثابتًا لدعائم التقدم والنماء، وذلك إيمانًا بأن احترام ورعاية هذه الحقوق يعد أمرًا جوهريًا لاستدامة جهود التنمية، وهو ما حرصت البحرين على تأكيده بنصوص الدستور وميثاق العمل الوطني.

وجاءت انطلاقة العقوبات البديلة في مملكة البحرين في عام 2018، تلبية لمتطلبات إنسانية أمنية، وإضافة متقدمة في الأنظمة الإصلاحية الحديثة للمحكوم عليهم، مما عزز من مكانه مملكة البحرين في المجال الحقوقي، بما يتواءم مع الآليات الدولية لحقوق الانسان، ويفتح آفاقا أوسع للتعايش السلمي والتسامح والمحبة داخل المجتمع، فضلا عن كونه من أهم الإنجازات التشريعية التي تسهم في تعزيز الاستقرار المجتمعي والأسري، وخفض معدلات الجريمة من خلال أساليب حديثة مستدامة بعيدة عن إيلام الجاني من أجل إصلاحه.

كما أنه يجسد كذلك عمق الرؤى والتوجيهات السديدة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، حيث وجه سموه في يناير 2022 إلى مواصلة التوسع في تطبيق قانون العقوبات والتدابير البديلة، وأن يتوازى ذلك مع البدء في تنفيذ برنامج السجون المفتوحة بما يكفل تعزيز الاستفادة من برنامج العقوبات البديلة، وما يهدف إليه من غايات نبيلة للفرد والمجتمع، حيث كلف سموه حينها وزارة الداخلية بتنفيذ برنامج السجون المفتوحة، في سياق مواصلة تطوير المنظومة التشريعية بما يرفد المسيرة التنموية الشاملة بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، حيث انطلق برنامج السجون المفتوحة في 21 أغسطس 2022، وشكل نقلة نوعية وإضافة كبيرة لمشروع العقوبات البديلة.

ويعتبر مشروع العقوبات البديلة وبرنامج السجون المفتوحة أحد مبادرات الخطة الوطنية لتعزيز الانتماء الوطني وترسيخ قيم المواطنة (بحريننا) التي أطلقتها وزارة الداخلية بقيادة الفريق أول معالي الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية، حيث ساهم البرنامج بشكل كبير في تطوير منظومة حقوق الإنسان في المملكة، وذلك من خلال أهدافه الإنسانية النبيلة التي تسعى إلى تأهيل المستفيدين وإعادتهم إلى الحياة الطبيعية بعد تدريبهم ووضعهم على المسار الصحيح، باعتبار أن الوقوع في الخطأ ليس نهاية المطاف بل بالإمكان النهوض مرة أخرى والاستفادة من الأخطاء السابقة وتصحيحها، وهو ما عبر عنه بوضوح شعار برنامج السجون المفتوحة (خطأ ...إصلاح ... نجاح).

ويأتي حصول مشروع العقوبات البديلة وبرنامج السجون المفتوحة على العديد من الإشادات الدولية، وأخرها شهادة الاعتماد الدولية للمساكن المجتمعية التي تخص السجون المفتوحة بشكل دولي، وذلك لبرنامج السجون المفتوحة من الجمعية الإصلاحية الأمريكية (ACA)، كأول جهة من خارج الولايات المتحدة الأمريكية تحصل على الاعتماد، ليعكس مدى تطور منظومة حقوق الإنسان في مملكة البحرين، وما تحظى به من اعتراف دولي نظير جهودها المستمرة في هذا الإطار، التي تحرص من خلالها على ترجمة التوجيهات الملكية السامية، وفق أفضل التجارب والممارسات الدولية، بالشكل الذي عزز من المكانة الحقوقية المتميزة للمملكة إقليميًا ودوليًا.

ويمثل هذا الإنجاز الدولي نجاحًا يضاف إلى سلسلة الإنجازات المتوالية التي استطاعت مملكة البحرين تحقيقها على صعيد ترسيخ حقوق الإنسان، عبر التزامها بتطبيق المعايير والأطر الدولية لحماية حقوق الإنسان، وكفالة الحقوق والحريات للجميع وفق ما ينص عليه الدستور والقوانين الوطنية النافذة، وما انضمت إليه من معاهدات ومواثيق دولية وأبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وقد نال مشروع العقوبات البديلة وبرنامج السجون المفتوحة هذا الاعتراف الدولي بفضل الالتزام بكافة الأسس والمعايير المتبعة عالميًا في مجالات التأهيل وإعادة الإدماج في المجتمع بما يكفل حقوق الإنسان، وكثمرة لجهود وزارة الداخلية متمثلة في الإدارة العامة لتنفيذ الأحكام والعقوبات البديلة في التدقيق على آليات العمل في برنامج السجون المفتوحة لتأكيد تناسبها مع المعايير الدولية، التي اشتملت على المعايير الأمنية والصحية والتأهيلية والإدارية والقانونية، حيث حصل برنامج السجون المفتوحة على شهادة الاعتماد في أقصر فترة تدقيق على المعايير التي تتبعها المنظمة الأمريكية، وهو ما يعكس الأداء المتواصل نحو الاحترافية التي يعمل عليها البرنامج.

كما حظى البرنامج بإشادة عالمية واسعة، ومنها ما ورد في تقرير حقوق الإنسان والديمقراطية الذي أصدرته وزارة الخارجية البريطانية والكومنولث للعام 2022م، حيث تضمن العديد من الإشارات الإيجابية بشأن حالة حقوق الإنسان بالبحرين، وعلى الأخص فيما يتعلق بقضايا الأمن والعدالة، إذ أكد التقرير مواصلة البحرين التوسع في استخدام تشريعات العقوبات البديلة، التي تم تطبيقها على 973 مستفيد في عام 2022م، وأن اعداد المستفيدين في ازدياد، حيث بلغ عدد المستفيدين في العام 2023م، 1575 مستفيد، ووصل عدد المستفيدين منذ البدء بتطبيق العقوبات البديلة في عام 2018 وحتى الآن إلى 6289 مستفيد، كما يمكن لجميع النزلاء الاستفادة من العقوبات والتدابير البديلة بغض النظر عن المدة التي قضوها في مركز الإصلاح والتأهيل.

ويعد البرنامج الأول من نوعه في الشرق الأوسط تجربة مبتكرة بكل المقاييس لتأهيل وتدريب المستفيدين متوسطي وشديدي الخطورة بشكل أفضل وفق أعلى المعايير الدولية لإعادة دمجهم في المجتمع، الأمر الذي جعل مملكة البحرين نموذجًا يحتذى به في مجال حقوق الإنسان، بفضل مبادراتها الرائدة وغير المسبوقة التي تشكل مصدر فخر وعلامة على القيم السامية التي تنتهجها المملكة في مجال ترسيخ العدالة وحماية النسيج المجتمعي.

ومنذ بداية البرنامج بتاريخ 21 أغسطس 2022 بلغ عدد أول دفعة من المرحلة الأولى 48 مرشحًا، وتمكن 96% منهم من بلوغ المرحلة الثانية والتي بدأت بتاريخ 2 أبريل 2023. وأثناء تنفيذ هذه المرحلة، حصل 21 مستفيدًا على وظائف دائمة بالشراكة مع القطاع الخاص، وفتح نجاح الدفعة الأولى من المستفيدين من البرنامج، المجال واسعًا لبدء عمل الدفعة الثانية والتي تشمل 57 مستفيد في المرحلة الثانية وكذلك البدء بالمرحلة الأولى من الدفعة الثالثة.

إن الإنجازات الرائدة التي يحققها مشروع العقوبات البديلة وبرنامج السجون المفتوحة، تمثل إضافة نوعية للسجل الحقوقي والسمعة المرموقة التي اكتسبتها مملكة البحرين إقليميًا ودوليًا، بفضل نهجها الواضح في ترسيخ وإعلاء القيم الإنسانية والمبادئ الحضارية التي تعلي من حقوق الإنسان وتعتبرها جزء لا يتجزأ من إرثها الحضاري والثقافي وقيمها الإنسانية والدينية السمحة.