محمد ناصر لوري
تجربة رائعة كانت رحلتنا الطويلة إلى المحيط الهندي، والهبوط بالقرب من الساحل الشمالي لكينيا حيث أرخبيل لامو الصغير المحاذي للصومال، دعوني أعود بكم لبداية الرحلة التي انطلقنا فيها برفقة جمعية بيوت الشباب وبتنظيم من «قافلة» من البحرين إلى دبي ومنها إلى نيروبي، ومن العاصمة وعبر الطيران الداخلي في الطائرة ذات المراوح المشابهة لتلك التي كان يطلق عليها أجدادنا «أم أحمد» ولكن بموديل حديث نوعاً ما، وبعد ساعتين في الهواء ومع هدير المحركات والضغط الجوي نهبط في جزيرة تضاريسها مختلفة تماماً عن تلك التي شاهدناها في نيروبي، الطبيعة مختلفة والجو الحار كان أول المرحبين بنا، فانتقلنا مع حقائبنا بالقارب إلى جزيرة «شيلا» وهي إحدى جزر أرخبيل لامو، وفجأة تجد نفسك في جزيرة خالية من وسائل المواصلات الحديثة التي اعتدنا عليها، ويعتمد سكانها على «الحمير» «أجلكم الله» في معظم أعمالهم، ومن الفرضة إلى السكن الذي كان يقع في أعلى التل، فتجولنا في دواعيس لامو المشابهة بدرجة كبيرة لدواعيس المنامة والمحرق، وكان قد أوصاني د. عيسى أمين أن ألتقط صوراً لأبواب لامو والطراز المعماري لأنه مشابه بشكل كثير للبنيان البحريني، وفعلاً هذا ما كان، فالجزيرة بتفاصيلها الساحرة تحمل شيئاً من البحرين في الأربعينات والخمسينات ولكن لم يمسها التطور حتى الآن.
فلا تزال مدينة لامو القديمة تحافظ على عاداتها التقليديّة وهي أقدم المناطق التي سكنتها الشّعوب السواحليّة في أفريقيا الشرقيّة وأكثر مدينة قد تمَّت المحافظة عليها، وقد بُنيت هذه المدينة من صخورٍ مرجانيّةٍ ومن خشب الشورى، وتتميّز ببساطة أشكال أبنيتها الغنيّة بعناصرَ مثل الساحات الداخليّة والشرفات والأبواب الخشبيّة المنقوشة بدقة، ومنذ القرن التاسع عشر، شكّلت لامو مركزاً للاحتفالات الدينيّة الكبرى، كما أصبحت مركزاً مهمّاً لدراسة الثقافات الإسلاميّة والسواحلية.
وتم إدراج مدينة لامو، شمال الساحل الكيني، في قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 2001، وتشتهر المدينة بشوارعها الصغيرة والحمير التي تحمل الحجر الصخري المرجاني لعدد كبير من المحلات التي يعمل بها فنيو الحجر لتقطيعه وتحويله إلى مواد بناء، كما تزخر بمحال المجوهرات الفضية والعطاريات التي تبيع مساحيق ودهون تجميل مصنوعة محلياً.
بعد الراحة والاستقرار في المكان المخصص لإقامتنا، كان اليوم الثاني هو البداية الفعلية لمهمتنا، وبقيادة رئيس الوفد نائب رئيس جمعية بيوت الشباب فيصل الخياط، وبتنسيق من الأخت شيخة شويطر ممثلة شركة «قافلة» اتجهنا إلى مدرسة «شامبا لا شيلا» حيث تم الترحيب بالوفد من قبل رئيس الهيئة الإدارية في المدرسة وتعريفنا للكادر الأكاديمي، ثم قام أعضاء الوفد بالتعريف عن أنفسهم واختصاصاتهم، وتم إعداد الجدول الخاص بالوفد واتجه الجميع لأداء مهامهم، فقامت المعلمتان شريفة الموسوي وعفاف جمعة باستلام صفوف اللغة الإنجليزية، بينما اتجهت الأستاذتان انجود الحادي وفاطمة الجابري لتدريس المواد العلمية، وقامت المهندسة سارة المحميد بتدريس المواد الرياضية، وأقامت الفنانة دعاء بوخماس صفوفاً خاصة بالرسم والتلوين على القماش، بينما اتجه الأستاذ فيصل الخياط والأستاذ عبدالله المالود لفقرات ترفيهية وورش سريعة في التفكير الإبداعي والقيادة، أما أنا فقد قدمت عدة ورش خاصة بالكتابة الإبداعية وعملية إعداد وتصاميم المناهج للكادر التعليمي، كما استطعنا خلال أسبوع العمل على إصدار أول صحيفة مدرسية خاصة بين مدارس جزيرة لامو.
ولم تقتصر الرحلة على التدريس في المدرسة، بل اتجه الوفد لمركز للفنون والمشاركة في تدريب الطلبة هناك كذلك، ومجموعة أخرى اتجهت لأحد مدارس القرآن الكريم والقيام بعملية التدريس وتعليم القراءة الصحيحة لكتاب الله عزوجل.
كانت هذه الرحلة مليئة بالحب والعطاء، تثبت المعدن الأصلي للشباب البحريني المعطاء الذي أخذ عناء السفر لأقاصي الأرض من أجل العطاء والعمل كسفير عن مملكته الغالية، ورغم وعثاء السفر والتعب إلا أن حلاوة الإنجاز كانت تنفض كل لحظات الإرهاق التي تتخلل كل رحلة بطبيعة الحال، كما أن المتابعة اليومية من قبل سعادة وزيرة شؤون الشباب روان توفيقي، ورئيسة جمعية بيوت الشباب سعيدة الجودر، من أجل الاطمئنان على الوفد واحتياجاتهم والإشادة بعطائهم وتقديم الدعم بشكل يومي كانت محفزاً للوفد بشكل إيجابي نلحظه بشكل يومي.