‏طرح وزير الخارجية الأردني الأسبق صلاح الدين البشير العديد من التساؤلات والحجج والمبررات حول المؤسسات الثقافية، في مستهل محاضرته التي عقدت في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث خلال الموسم الثقافي " بلا جنون لن نفعل شيئاً " وضمن مهرجان ربيع الثقافة في نسخته الــ18، بعنوان" مؤسسات العمل الثقافي والتطوعي (التحديات والآفاق)، وذهب إلى اتجاه تنظيم الثقافة من حيث المحافظة على التراث" و"تضمين الجوانب الهامة من تاريخنا وهويتنا وهوية المجتمع لتكون محفوظة للأجيال القادمة، ومن اتجاه آخر أكد على أهمية “جودة المنتج الثقافي في تنظيم المنتجات وفق معايير المحتوى الثقافي".‏وأشار في هذا الصدد إلى "التعددية الثقافية والتنوع الثقافي، لتوفير مجموعة واسعة من المحتويات الثقافية، والإبداعات التي تمثل الثقافة السائدة، " ولفت أيضاً إلى الالتفات " للثقافات الفرعية في المجتمع، كحماية الثقافة المحلية من أن يتم التغلب عليها بواسطة الشركات المتعددة الجنسيات، أو باستخدام الوسائط المتعددة التي تعرضُ نوع من الثقافة السائدة عبر العالم ككل، طبعاً الاعتبارات الأخلاقية هي جزء من مبررات هذا التنظيم للمحافظة على الآداب أو المحافظة على المحتوى الثقافي والقيمي و المحافظة على المعايير الاجتماعية السائدة ، كمنع الكراهية ومنع التحريض على العنف، وحماية الحقوق الملكية الفكرية و حقوق الطبع والنشر، و منع الاستيلاء الثقافي و التشويه الثقافي للثقافات الأصيلة".ومن ناحيه أخرى، رأى البشير أن "التنظيم المفرط يقيد حرية التعبير، فالابتكار والانتقال بالأفكار بحرية وسهولة له عوائق" منوهاً إلى إعاقة التطور الثقافي وإلحاق الأضرار فيه"، مثلاً "مقص الرقيب يستخدم لمنع تعبيرات ثقافية غير مرغوبة عند بعض الجهات أو والمؤسسات "، وكما يقول " قد يتم منع التبادل الثقافي، في حين أن يجب أن تكون الثقافة منفتحة على الثقافات الأخرى أو تمنع تدفق أفكار من مجتمعات أخرى علينا"، مضيفاً " يمكن أن يكون هناك بعض لمبررات، ووجود هذا التنظيم حماية للتراث وتعزيز التنوع، ومعالجة الأبعاد الأخلاقية، لكن لابد أن يتوازن ذلك بوجود حرية التعبير و تشجيع المبدعين في تعزيز التطور الطبيعي للثقافة وغالبا هذا التوازن يتطلب حوار عميق بين أصحاب المصلحة في الثقافة ككل الحكومات على رأسهم المنظمات الثقافية و الناشطين الثقافيين والجمهور".‏من هذه المنطلقات حدد البشير ثلاثة أبعاد للثقافة ، الأول متمثلاُ في " البعد الثقافي المجتمعي وهي الثقافة التي تعكس الأنماط المشتركة للمجتمع ككل للسلوكيات والروحانيات والمعتقدات والقواعد الاجتماعية العامة كقواعد السلوك ما هو مرغوب في هذا المجتمع وما هو مرفوض، و يشمل كذلك الموسيقى والأدب وحكايات المجتمع، وهذا المفهوم المجتمعي يتطور عبر السنين نتيجة عوامل عديدة تاريخية وجغرافية واجتماعية وسياسية واقتصادية"، مشدداً على أن "مفهوم الثقافة المجتمعية هو ما يحدد الهوية وهو أيضا النسيج الذي يمسك المجتمع بعضه ببعض ".‏أما الثاني حسب ما يقول البشير هو " البعد الإنتاجي، الذي يشمل قطاعات الفنون، من الموسيقى والمسرح، والأدب والشعر والنشر، والفنون البصرية، والفنون الأدائية، والسينما، والتلفزيون وكل ما هو في هذه القطاعات الإبداعية، التي تعبر عن إبداع ومشاركة الناشطين الثقافيين في ذلك المجتمع، كي يشكل حافظه لهذه الأفكار، وفي الوقت ذاته " يحفز على الابتكار الجديد في الثقافة المجتمعية ".مراوحاً إن " التركيز على العملية الجماعية مهماً جداً في دور المؤسسات الكبيرة للدول التي تستثمر بحجم كبير في مبادرات ثقافية كبيرة أو مؤسسات ثقافية تعمل في حفظ التراث، وفي تطوير المواقع الأثرية".مستكملاً إلى البعد الثالث هو البعد الفردي للثقافة، إذا يعتبرها" علاقة تبادلية بين الثقافة والفرد، فهو صنيع ثقافة مجتمعه، وهو أيضا مؤثر في الثقافة المجتمعية ككل، فالثقافة دائمة الحركة، وهذه العلاقة إنتاج المجتمع للفرد وإنتاج الفرد للثقافة، هي عملية دائمة التطور، لإدراك الفرد قدرته على تشكيل ذاته "، مقتبساً من أحد التعاريف بأن "الثقافة هي الفن الذي يكون فيه الإنسان إنساناً" وإن "الثقافة هي الخلق المستمر للذات".‏ويرى البشير بأن " تلك الأبعاد ترتبط بعضها ببعض، وتتداخل وتتفاعل بنوع من الاتزان، وبنوع من العلاقة الطبيعية التي يجب أن ننظر إليها، بما أسميه بالتنمية العضوية للثقافة، هذه التنمية والعلاقة مبنية على التفاوض التبادلي والتكامل، وأي خلل في أركان هذه العلاقة سيؤدي إلى نتائج غير محمود في الجانب الثقافي".‏مفصحاً " تدخل الثقافة أزمة إذا اختل اتزان هذه العلاقة وتختل ان كانت هناك عولمة مفرطة، لأن هذه العولمة، تؤدي إلى تآكل الثقافة المحلية واستبدالها بالثقافة العالمية المستوردة، فتضعف التنوع الداخلي، و الحياة ، والهوية الثقافية في المجتمع ، أما الشكل الآخر فهو التسليع للثقافة، في أن تصبح الثقافة سلعة!"، مشيراً إلى التغيرات السريعة في المجتمع، وطريقة الحياة التي تؤدي إلى فقد المجموعات التقليدية لدورها، وأيضا ترك الممارسات التقليدية في المجتمع، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى خلل في توازن الثقافة ، بالتالي تصبح أزمة ثقافية، تراوح إلى التهميش وإضعاف اللغة ، واندثار الإرث الثقافي".موضحاً " أن الإشكالية في المؤسسات الثقافية تكمن في مواجهة مشاكل كبيرة وضخمة، وهي مشكلة التحدي في الاستدامة المالية، ومشكلة التنظيم وممارسة الرقابة للمشهد الثقافي"، مضيفاً " يجب أن تكون هناك استراتيجية لمؤسسات المجتمع المدني لمواجهة هذه التحديات والأولويات، كإيجاد عمل مشترك لإحياء منظومة الوقف الإسلامي، وتعزيز الشراكة بين الحكومات والشركات العربية الكبيرة الناطقة باللغة العربية لحل مشكلة التقنية في قنوات الاتصال الاجتماعي ".