محمد الرشيدات


23 عاماً على قول كلمة انتماء صاغتها قلوب فيها من الولاء والوفاء ما يكفي لأن ترجح كفّة الميزان في صالح إقرار ميثاق العمل الوطني وبنسبة مئوية بلغت 98.4%، حيث سطّر ميثاق العمل الوطني إنجازات شاملة طالت المجالات الحيوية كافّة.

ميثاق أقرّ من خلاله البحرينيون تأييداً كاملاً لمشروع إصلاحي يقوده حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظّم، ليصبح وثيقة للعهد بإجماع شعبي وقف خلف قيادته من أجل إكمال المسيرة نحو نهضة تنموية شاملة تحلُّ على بدن كلِّ القطاعات الحيوية، التي تشترك مجتمعةً لتُكَوّن لوحةً جماليةً زاخرة بالعصرية والحداثة، وبشكل يليق بأركان مملكة بحرينية تُكرَّس فيها ركائز الديمقراطية ضمن أطر عمل قانونية تنسجم مع رؤية القيادة التي تحفظ للماضي مكانته بتاريخِ مملكةٍ تليد، وتتعايش مع حاضر مزدهر، لتنظر بعدها نحو مستقبل ملؤه النماء والتطور.

ميثاق العمل الوطني منذ إقراره وحتى اللحظة، برع في تكوين توليفة متناغمة رسمت لوحةً مستحدثة حاكت الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبحرين، على نحو جعل منها أنموذجاً مضيئاً من التميز على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

ومضات متلألئة في سماء أهم المكتسبات التي تحققت منذ إقرار الميثاق وحتى يومنا هذا، فمن الجانب السياسي تمّ تفعيل الحياة النيابية والعمل الوطني الديمقراطي بمشاركة جميع فئات وشرائح المجتمع، ضمن جو ديموقراطي يتّصف بالشفافية والنزاهة، وتزيد من رحابته مؤسسات دستورية مستقلة، وانسجام العلاقة التكاملية الفاعلة بين السلطتين التنفيذية ممثّلة بالحكومة والتشريعية ممثّلة بمجلسي الشورى والنواب، إلى جانب تنشيط دور المجالس البلدية في مختلف محافظات المملكة، لإحداث نقلة نوعية في جودة الخدمات البلدية المقدّمة للمواطنين، فضلاً عن إجراء تعديلين دستوريين صادق عليهما ملك البلاد المعظّم في 2002، و2012، أثمرا إلى إنشاء «المحكمة الدستورية العليا».

كما صدر تباعاً قانون تنظيم السلطة القضائية، بهدف تعزيز الاستقلالية المالية والإدارية للسلطة القضائية، ناهيك عن إنشاء المجلس الأعلى للقضاء، وإنشاء معهد البحرين للتنمية السياسية، وتأسيس منظومة النيابة العامة، وتدعيم العمل بمبدأ سيادة القانون، وإنشاء محكمة الأسرة، وإصدار قانون الأسرة وقانون حماية الطفل.

وعلى صعيد حقوق الإنسان، سارعت البحرين في ظل ميثاق العمل الوطني نحو إصدار التشريعات الرائدة في هذا المجال، بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الانسان، والتي من أهمها، إنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وتطبيق العمل بقانون العقوبات والتدابير البديلة كحقوق مكفولة للسجناء، وإنشاء مراكز الإصلاح والسجون المفتوحة ضمن مواصفات تتوافق مع أفضل المعايير الدولية لضمان الحفاظ على حقوق السجناء، بالإضافة إلى إصدار قانون العدالة الإصلاحية للأطفال والأحداث وحمايتهم من سوء المعاملة، وزيادةً على ذلك، ما كفله الدستور وميثاق العمل الوطني لجميع المواطنين والمقيمين الحق في ممارسة الحريات الدينية والعبادة، في إطار آداء المجتمع للمواطنة المسؤولة وأنماط العيش المشترك، والتسامح، والتعددية والحريات.

ميثاق العمل الوطني أسّس أيضاً لحقبة من المنجزات الاقتصادية على المستويين الداخلي والخارجي، لعلّ من بينها، إنشاء مصرف البحرين المركزي، وتأسيس مجلس التنمية الاقتصادية، ومن ثَمَّ إنشاء غرفة تسوية المنازعات الاقتصادية والمالية والاستثمارية، وقيام مدينة سلمان الصناعية، لتأتي كإشراقات أدّت إلى أن تصبح البحرين مركزاً تجارياً ومالياً وسياحياً مهماً في منطقة الشرق الأوسط، وذلك في ظل وجود أكثر من 400 مؤسسة مالية ومصرفية مرخّصة، إضافة إلى كونها مركزاً إقليمياً للكثير من الشركات العالمية، وذلك كان نتاج البيئة الاستثمارية والتنافسية التي تتميّز بها المملكة.

إلى جانب ذلك، احتفظت البحرين بموقعها داخل مراكز متقدمة في عدد من المؤشرات المرتبطة ببيئة الأعمال، حيث جاءت في المرتبة الأولى على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على صعيد حرية الاستثمار وحرية التجارة والحرية المالية وفق مؤشر الحرية الاقتصادية لمؤسسة هيريتاج، وفي المرتبة الأولى أيضاً على صعيد الحرية الاقتصادية، بالإضافة إلى تصدرها دول المنطقة في كفاءة التشريعات، وفق مؤشر الحرية الاقتصادية في العالم الصادر عن معهد فريزر، كما جاءت في المرتبة الأولى خليجياً فيما يتعلق بحجم الاستثمارات المباشرة.

وعمدت البحرين خلال أكثر من 20 عاماً على تأسيس كيانات صناعية حديثة ومتطورة في صناعات الألمنيوم والبتروكيماويات والصناعات المعدنية والهندسية والغذائية والدوائية، مع وجود 11 منطقة صناعية تعمل على توطين مختلف المجالات الصناعية.

وضمن نطاق إنجازاتها المحققة على بدن التحوّل الرقمي الحكومي الشامل، نجحت البحرين في تنفيذ العديد من السياسات الطموحة والمبادرات المبتكرة التي تشمل كافة الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين، إذ وضعت برامج تهدف إلى أتمتة أكثر من 200 خدمة حكومية إضافية بحلول 2026، إلى جانب وجود أكثر من 560 خدمة إلكترونية حكومية يتم تقديمها بالفعل حالياً. كما تستهدف البحرين زيادة العمالة الوطنية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من 30% إلى 35% بحلول عام 2030.

قافلة الإنجازات التي سطّرتها المملكة، تأتي ضمن إطار الخطط التنموية لرؤيتها الاقتصادية 2030، المتضمنة لعديد البرامج التي تستهدف تطوير الاقتصاد الوطني، وتحسين مستوى معيشة المواطنين، وقد أحرزت المملكة تقدماً كبيراً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 التي وضعتها الأمم المتحدة في عام 2015، أضف على ذلك إطلاق البحرين خطة التعافي الاقتصادي التي احتوت على حزمة من المبادرات والمشاريع التنموية تفوق قيمتها 30 مليار دولار، للتخفيف من تداعيات جائحة كورونا.

أخيراً وليس آخراً، وفي إطار إنجازات البحرين على المستوى الدولي في ظل ميثاق العمل الوطني، فقد تم تأسيس مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، وإنشاء مركز الملك حمد للسلام السيبراني، إضافة إلى تدشين كرسي الملك حمد في جامعة سابينزا بمدينة روما الإيطالية، بجانب ذلك، إعلان البحرين للوثيقة العالمية لتعزيز الحريات والتسامح الديني والتعايش السلمي، واعتماد الأمم المتحدة لمبادرة المملكة بشأن اليوم الدولي للضمير، ناهيك عن تأسيس حلبة البحرين الدولية واستضافة بطولات «الفورمولا 1»، وإنشاء المركز الإقليمي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تحت إشراف «اليونسكو»، وصولاً نحو الانضمام إلى العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.