محمد الرشيدات
90 مليار دولار كلفة استيراد الغذاء بالمنطقة خلال الأعوام الـ10 المقبلة
خطط واستراتيجيات خليجية لتحقيق الأمن الغذائي
تحتل مملكة البحرين المرتبة الـ11 عالمياً من حيث القدرة على تحمّل التكاليف السلعية، كما تأتي بالمرتبة الـ32 عالمياً في معايير الجودة والأمن الغذائي.
وتولي مملكة البحرين أهميةً كبيرة لملف الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الرئيسية تنفيذاً للتوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد
بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم، من خلال الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي (2020-2030) بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، للوصول إلى معدلات آمنة من الأمن الغذائي وفق خطّة عمل واضحة بعيدة المدى تهدف إلى رفع عملية الإنتاج الغذائي لتحقيق الاكتفاء الغذائي في الثروة الحيوانية والسمكية والزراعية على المديين القريب والبعيد، بدايةً من تنويع مصادر الحصول على السلع والمواد الغذائية، وتوفير مخزون وفير لأوقات الأزمات، وانتهاءً بإعادة دعم الاستثمار في قطاع الإنتاج الزراعي، لتصبح البحرين محوراً لوجستياً أساسياً للتصنيع والتصدير على المستويين العربي والأجنبي.
خليجياً، تبرز خطط فاعلة واستراتيجيات نافذة تسارع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية نحو تبنّيها لتطبيقها حرفياً ضمن جدول زمني يقطع دابر التحديات التي قد تعصف بملف الأمن الغذائي فيها على سبيل الحصر. وتكتسب هذه الخطط أهميتها في ظل إحصاءات موثوقة تشير إلى أنّه من المتوقّع أن تصل فاتورة استيراد الغذاء في المنطقة إلى 90 مليار دولار خلال الاعوام الـ10 المقبلة، في الوقت الذي تتراوح فيه نسبة استيراد الاحتياجات الغذائية في أغلب دول الخليج من الخارج بين 50% إلى 80%. وبات الدفع بوتيرة الإنتاج الغذائي المحلي لتلبية احتياجات السلّة الغذائية في دول المجلس، أمراً يستوجب استدعاء الحلول وتوفير الإمكانات المالية والفنية والبشرية، بشكل يكفل لها استقلاليةً مطلقة في كيفية إنتاج وإمداد الغذاء، إلى جانب زيادة قدرتها على ممارسة الزراعة المستدامة لضمان الحصول على كميات كبيرة من الأغذية عالية الجودة وفقًا لأفضل الممارسات الدولية، وذلك لن يتمّ إلا من خلال العمل على تعزيز الاستدامة في قطاع إنتاج الأغذية والزراعة وتربية الماشية، وإعادة التأكيد على أهمية الصحة البيئية، وتسهيل الانتقال نحو أعتاب اقتصاد أخضر متكامل، فضلاً عن إعداد قائمة من المشاريع الناجحة المؤدية إلى ضمان استدامة الموارد الطبيعية، وإحداث تنوّع في الأصناف الغذائية محلية الإنتاج من نافذة باقة من التشريعات والقوانين والدراسات البيئية التي تشجّع على الابتكار في سماء عالم الإنتاج الغذائي والمائي، بما يقلل من الآثار المترتّبة على تغير المناخ، وبما يضمن التقليل من حجم المنتجات الغذائية المستوردة، التي تتراوح في أغلب دول الخليج بين 50% إلى 80%، وهذا ما يجعلها عرضةً لارتفاع أسعار الغذاء عالمياً، وبالتالي تضرر جيْبِ المستهلك الخليجي.
وعلى الصعيد ذاته، تمضي دول مجلس التعاون نحو إقامة شراكات زراعية مع دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى توسيع نطاق استثماراتها الإقليمية وحتى الدولية لتحقيق أقصى قدر ممكن من نتائج المشروعات والمزارع الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب تفعيل دور الكبيرة منها.
وفي شِقٍّ آخر، ما برحت دول مجلس التعاون الخليجي تعتلي قائمة الدول التي تعاني من ندرة المياه، ليتطلب ذلك حلولاً عاجلة بدأت الاستعانة بها، كمثل تحلية المياه لزيادة مصادرها المائية، خاصّةً فيما يتعلّق بالزراعة، وبما يُلبي الطلب المتزايد على أهم عنصر للبقاء، في ظلّ النمو السكّاني المتسارع، حيث تُظهِرُ الدراسات إمكانية أن يتجاوز الطلب إمدادات المياه المستدامة بنسبة 40% في عام 2050، في الوقت الذي تستهلك فيه البلدان الخليجية أكثر من 600% من مجموع مواردها من المياه العذبة.
إن إدراج مفهوم الأمن الغذائي في الاستراتيجيات الخليجية التكاملية، من شأنه إيجاد سلة غذاء تتمتّع بالوفرة الزراعية والمائية، ويسهّل من إتمام الإجراءات اللوجستية ويسرّعها، خصوصاً فيما يتعلّق بنقل الغذاء بين دول مجلس التعاون، وحتى في إطار تصديرها لباقي الدول العربية، فجميع السياسات الخليجية الغذائية التي يتم وضعها تُشجّعُ على تطوير القدرات الإنتاجية والتخزينية، ودعم سبل البحث العلمي في مجال إنتاج الغذاء، وإعداد الدراسات المستقبلية لتعزيز دور التكنولوجيا في تحقيق الأمن الغذائي، والارتقاء بواقع الزراعة الذكية، وتدريب الكوادر البشرية العاملة في مجال الزراعة وإنتاج الغذاء، وهذا ما يهدف إلى بناء أنظمة غذائية وزراعية مستدامة تعزز من الواقع الغذائي في دول الخليج مجتمعة.
قواعد أساسية سيُبنى عليها مجال الأمن الغذائي في دول الخليج تحديداً وبالتعاون مع الدول العربية الأخرى، كتوسيع دائرة التجارة البينية للسلع الزراعية لتقليل الاستيراد من الخارج، مع بلورة آليات مبتكرة لتقديم نموذج مبسط للعمل الخليجي تؤطّره التشريعات المرنة في المجال الزراعي لضمان توفير المدخلات واقتناء التقنيات الحديثة، وعمل التسهيلات اللازمة لضخ المزيد من الاستثمارات للمشاريع الزراعية التي تخدم القطاع الزراعي وتحقيق وفرة في إنتاجيته، ينأى بدول الخليج عن أي ضرر قد يلحق بسلّة الغذاء فيها، ويعفيها من الاعتماد على الصناعات الغذائية المستوردة، لاسيما في ظل الأزمات العالمية الراهنة والتغيرات المناخية واضطرابات قطاع الشحن وسلاسل التوريد جراء الأزمات التي يشهدها المجتمع الدولي.
إن اعتماد استراتيجية خليجية تنموية مستدامة لمجال الأمن الغذائي (2025-2030)، سيقود نحو زيادةِ حيويةِ بدنِ هذا القطاع، تضع الخطوط العريضة التي يمكن الاستعانة بها في طريقة الانتقال من الزراعة التقليدية إلى الزراعة الحديثة، واستخدام سبل التكنولوجيا و العالم الرقمي الحديث في تعزيز منظومة الأمن الغذائي في دول مجلس التعاون، ناهيك عن تفعيل مطلق لمسار التفاهمات والشراكات بين مؤسسات التمويل الداعمة للزراعة والصناعة الغذائية والبحث العلمي والجامعات والقطاع الخاص والمستثمرين، تكفل إيجاد بيئة ملائمة لتطوير القطاع الزراعي والصناعة الغذائية.
وعلى صعيد ذلك كلّه، ناقشت لجنة التعاون الزراعي والأمن الغذائي مؤخّراً الإستراتيجية الخليجية المستقبلية للأمن الغذائي بدول المجلس، خلال اجتماع مرئي استثنائي حضره الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم البديوي، بمشاركة عدد من الوزراء المسؤولين عن الزراعة والأمن الغذائي بدول المجلس، حيث أكّد الوزراء على ضرورة تشكيل لَبِناتٍ أساسية لقيام خطة شاملة للأمن الغذائي، وتشكيل فريق مختص من دول المجلس لإعداد مسودة هذه الإستراتيجية، مع حتمية إشراك قطاعات المجتمع الخليجي كافّة، بما فيها القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع الأهلي، للوصول إلى الأهداف المنشودة، وتحديد برنامج زمني لتنفيذها، ناهيك عن وضع آلية لمتابعة وتقييم مسارات إتمامها في كل مرحلة.