بنا:
خمسة وعشرون عاماً لتولي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم مقاليد الحكم في البلاد بدت معه المملكة عهداً جديداً برؤى وقيادة جلالة الملك المعظم الذي أرسى للبحرين قاعدة الانطلاق نحو حاضر يلبي تطلعات شعبه الكريم واستعداد تام نحو المستقبل .. قائد حكيم حب شعبه وبادله شعبه الحب والولاء المطلق، تلاقت ارادته مع شعبه الكريم، فكان ومازال جلالته حفظه الله ورعاه همه الإصلاح برؤية شاملة تديم على الوطن الاستقرار والوئام.
إن ملامح عهد التجديد قد اتضحت منذ اللحظات الأولى لتولي جلالته مقاليد الحكم، وحرص جلالته في كل المناسبات على التأكيد على أهمية الانطلاق على دروب التطوير والتحديث الشامل للوطن برؤية عصرية تنطلق من الإرث الحضاري لمملكة البحرين، وتتكامل معه من أجل الوصول إلى الغاية الأسمى في بناء وطن ناهض ينعم فيه أبناؤه بجود الحياة، ففي كلمته السامية بمناسبة العيد الوطني في 16 ديسمبر 1999، حدد جلالة الملك المعظم الأطر العامة لرؤيته السامية بشأن مستقبل الوطن، حيث أكد أن الأولوية ستكون إحياء وتجديد النهضة التاريخية التي كانت البحرين رائدة لها منذ البداية، وبما يمّكن البحرين من مواكبة المستجدات المتسارعة في العالم المعاصر، وقال جلالته بشكل أكثر تفصيلاً:" نريد تجديدًا لنهضة البحرين في ميادين الإدارة العامة والاقتصاد والتجارة.. وفي ميادين التربية والفكر والاجتماع وتقدم المرأة.. وفي كل ما سبقت إليه البحرين من نظم ومؤسسات".
لقد شكّل المشروع الإصلاحي الذي اطلقه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم في عهده الميمون ، نقلة نوعية غيرت وجه الحياة في مملكة البحرين على المستويات كافة، وتمخض عنها عديد من الإنجازات التي امتدت تأثيراتها على الوطن والمواطن، لاسيما وأن هذا المشروع الوطني الجامع انبثق من رؤية حكيمة لجلالة الملك المعظم وقراءة دقيقة وتقييم متكامل لمقتضيات الواقع وتطلعات واحتياجات المستقبل، لتنطلق على إثره المملكة بكل ثبات على طريق التطوير والتحديث الشامل، ولتبدأ مرحلة مشرقة في تاريخ الوطن ركازها الديمقراطية، وغايتها نماء الوطن وازدهاره، اعتمادًا على سواعد وأفكار أبنائه، في تناغم جعل البحرين نموذجًا في التنمية يشار إليه بالبنان.
ثم جاءت الخطوة الأكثر تقدمًا من جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه ، والتي أعلن عنها في كلمته السامية في الانعقاد التاسع لمجلس الشورى في 3 أكتوبر 2003، بوضع "ميثاق العمل الوطني" ليكون، كما وصفه جلالته، ميثاقًا للوطن ووثيقة للعهد، وركيزة لعقد اجتماعي جديد في مسيرة الوطن يرسخ ويوثق أصالة البحرين وتميزها وتراثها الحضاري، ويؤكد وحدة الوطن أرضًا وشعبًا، فضلا عن أنه يمثل دليل عمل لمستقبل الوطن، يحدد معالم الطريق، ويستكمل مؤسسات الدولة ونظمها، ويرسم آفاق الغد الأفضل للبحرين وشعبها، وكان جلالته حريصًا على الاستفادة من أهل الخبرة والمشورة من كل قطاعات المجتمع في وضع ميثاق العمل الوطني، ليخرج إلى النور حاملاً معه بداية مرحلة جديدة في مسيرة العمل الوطني، تقوم على المشاركة الشعبية في صياغة الحاضر والمستقبل.
وتجلى هذا التوافق بين الرؤية السامية والإرادة الشعبية في إجماع شعب البحرين على ميثاق العمل الوطني، من خلال التصويت عليه في فبراير 2001 بنسبة وصلت إلى 98.4%، ثم تواصلت مسيرة التطور الديمقراطي بإقرار الدستور عام 2002 وتعديلاته عام 2012، لتكتمل مقومات الدولة الحديثة والعصرية التي أرادها جلالته، ولتنطلق مسيرة البناء والنماء على أسس صلبة، كانت فيها البحرين ولا تزال، مثالًا لمدى قدرة الدول والشعوب على تحقيق الإنجاز، ولتترسخ أسس دولة ديمقراطية عصرية تؤمن بالانفتاح، وتحافظ على الهوية الوطنية، دولة نهجها التسامح الديني والفكري والحضاري، دولة تضع الإنسان في صدارة أولوياتها، دولة تؤمن بأن المواطن هو عماد التنمية وغايتها الأسمى.
إن مظاهر التطور التي شهدتها البحرين في مجال العمل الديمقراطي، والتي كان المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم لبنتها الأولى، تجاوزت الآفاق، وأصبحت عملية رصدها وتقييم آثارها ودلالاتها أمرًا يحتاج إلى مئات المراجع والدراسات والأبحاث العملية والأكاديمية والمقالات التحليلية.
ولعل من أبرز هذه المظاهر أن المشروع الإصلاحي وضع الأسس الراسخة لدعائم الدولة الديمقراطية الحديثة، والتي بدأت بميثاق العمل الوطني ثم الدستور، وما تلاهما من إجراءات وقرارات سباقة، ومن بينها عودة الحياة البرلمانية، والعمل بنظام المجلسين التشريعيين باعتباره أحد النظم السياسية المعمول بها في أغلبية الدول الديمقراطية العريقة والناشئة التي تضمن التوازن، وإجراء الانتخابات النيابية والبلدية، بما أتاح لجميع المواطنين المجال لممارسة دورهم الوطني تصويتًا وانتخابًا وبما رسخ مفهوم المشاركة الشعبية، ولتمارس السلطة التشريعية منذ ذلك الحين دورًا مهمًا في صناعة التشريعات والقوانين التي تنظم مختلف مجالات الحياة، ولتسهم لأكثر من عقدين في إنجاز وحماية المكتسبات الوطنية.
ومكّن المشروع من إرساء أسس دولة القانون والمؤسسات بآليات وقواعد متينة من خلال اتباع نظام الفصل بين السلطات، وتحديد الأدوار الدستورية لكل سلطة منها، بما يضمن لها العمل في إطار من الحرية التامة وفق الدستور والقانون، وبما يكفل سلاسة العمل السياسي، وهو النظام المتعارف عليه في الأدبيات والممارسات الديمقراطية، إذ أنه يوفر قــدرًا مــن التعــاون فيمــا بين هذه السلطات، ويضمن في ذات الوقت وجود توافـق وانسـجام بينها، ووجـود رقابـة متبادلـة لضمـان وقـوف كل سـلطة عنـد حدودهـا، دون أن تتجاوزهـا أو تعتـدي علـى الأخرى.
وأعلى المشروع من شأن الحريات العامة والخاصة، ومن بينها حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان وحرية الصحافة والإعلام واحترام الملكية الخاصة، وذلك في إطار دستوري وقانوني عصري يضمن أن تكون هذه الحريات في إطار من المسؤولية التي تخدم الصالح العام، وقد صدر في عام 2002م، الأمر الملكي السامي بإنشاء المحكمة الدستورية لتكون لبنة أساسية لمراجعة القوانين والتأكد من مطابقتها للدستور، كما أنشـئت المؤسسـة الوطنيـة لحقـوق الإنسان في العام 2009، وأنشـئت وحـدة التحقيـق الخاصـة في العام 2012، واللجنة التنســيقية العليــا لحقــوق الإنســان، كما تم تدشـين الأمانة العامـة للتظلمـات فـي 2013، وأنشئت مفوضيــة حقــوق الســجناء والمحتجزيــن في ذات العام.
وفي ذات السياق، اعتمـد مجلـس الـوزراء الخطــة الوطنيــة لحقــوق الإنسان للأعوام 2022- 2026، وتشــمل أربعــة محــاور، تتنــاول: الحقــوق المدنيــة والسياســية، والحقــوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيــة، وحقــوق الفئــات الأولى بالرعايــة، وحقــوق التضامــن. وتحتــوي الخطــة علــى 17 هدفــًا رئيســيًا، ينــدرج ضمنهــا 34 هدفًــا فرعيـًا و102 مشــروعًا يشــمل جميــع الجهـات والقطاعـات ، وفي العام 2023 أصدر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله، قرارًا بإنشاء وتشكيل اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، والتي تختص بالتنسيق بين الجهات الحكومية في كافة المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان بحسب اختصاص كل جهة، وتقوم اللجنة بمراجعة التزامات مملكة البحرين الدولية في مجال حقوق الإنسان، والتأكد من الالتزام بالمعايير الدولية في هذا الصدد.
كما اتخذت مملكة البحرين في عهد جلالته حفظه الله إجراءات سباقة في مجال الحقوق والحريات، من بينها القانــون رقــم (18) لسنة 2017 الصادر عن جلالة الملك المعظم بشـأن العقوبـات والتدابيـر البديلـة، والـذي منـح وزارة الداخليـة صلاحية طلـب اسـتبدال عقوبـة المحكـوم عليـه بعد تنفيذ نصـف مـدة العقوبـة أو العقوبـات المحكـوم بهـا، ثم التوســع في فبراير 2022 فــي تطبيــق العقوبــات البديلــة بإضافــة الســجون المفتوحــة إلــى برامــج التأهيــل والتدريــب للمحكــوم عليهـم بعقوبـات بديلـة ، إلى جانب وضع قانون العدالة الإصلاحية للأطفال عام 2021، فضلاً عن الإجراءات التي اتخذتها مملكة البحرين علــى صعيــد مكافحــة الإتجار بالبشــر، وهو الأمر الذي مكــّنها مـن المحافظـة علـى الفئـة الأولـى فـي تقريـر وزارة الخارجيـة الأمريكية لمكافحـة الاتجار بالأشـخاص لعـام 2022م، ولتكـون الدولـة الوحيـدة علـى مسـتوى الوطـن العربـي التـي حافظـت علـى مثـل هـذا التصنيـف لخمـس مـرات علـى التوالـي، والوحيـدة علـى مسـتوى الشـرق الأوسط وشـمال أفريقيـا.
وأسهم المشروع الإصلاحي في وضع دعائم نظام مؤسسي للرقابة المالية والإدارية يهدف للتحقق من سلامة استخدام المال العام والالتزام بضوابط العمل الإداري وتعزيز الشفافية في مختلف مؤسسات المملكة، ومن هنا تم إنشاء ديوان الرقابة المالية والإدارية في العام 2010، والذي يهدف إلى تحقيق الرقابة على سلامة ومشروعية استخدام المال العام وحُسن إدارته والإسهام في رفع كفاءة أداء الجهات المشمولة بالرقابة والارتقاء بجودة الخدمات التي تقدمها، وذلك للحفاظ على مقدّرات مملكة البحرين ورفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، وهو يستند في ممارسة اختصاصاته إلى المعايير المعتمدة دوليًا، وأفضل الممارسات المهنية العالمية، وهو ما شكّل تطورًا ديمقراطيًا مهمًا كان له أثره الواضح في الحفاظ على المال العام وصيانته.
كما أتاح المشروع الفرصة لجميع فئات المجتمع بممارسة دورها في تنمية الوطن، ولا سيما المرأة والشباب، حيث تم تأسيس المجلس الأعلى للمرأة في 22 أغسطس2001، وهو ما شكّل علامة فارقة في مجال العمل النسائي في مملكة البحرين. حيث نص أمر تأسيسه على أن يكون المجلس برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلال الملك المعظم، مما ساعده على تحقيق النجاح وإطلاق المبادرات الرائدة في مجال تمكين وتقدم المرأة وتحقيق التوازن وتكافؤ الفرص بين الجنسين في مختلف القطاعات.
أما في قطاع الشباب، فإن مملكة البحرين منذ بداية المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم تبنت رؤى لدعم الشباب والاستثمار في قدراتهم وطاقاتهم وتحفيز إبداعاتهم وتشجعهم على الانخراط في الأعمال وتحصيل العلوم والثقافة والمهارات العلمية والحياتية، وتزويدهم بالخبرات والمهارات العملية المناسبة لسوق العمل، وهو ما تجسد في العديد من المبادرات ومن بينها "الاستراتيجية الوطنية لتمكين الشباب" ، و"جائزة الملك حمد لتمكين الشباب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة"، التي تم اطلاقها في العام 2017، وغيرها من قرارات وإجراءات عززت من دور وإسهامات الشباب في العمل الوطني.
ومن أبرز ملامح المشروع الإصلاحي أيضًا أنه تبني نهج ديمقراطي مرن يتسم بالديناميكية والقدرة على التطور بما يتناسب مع تطورات كل مرحلة، بما يتوافق مع الخصوصية والهوية الوطنية من جهة، وبما يضمن للمسيرة الديمقراطية مواكبة التغيرات والمستجدات الإقليمية والدولية من جهة أخرى، وفي هذا السياق اهتم المشروع الإصلاحي بالثقافة والتنشئة السياسية في مختلف المراحل الدراسية لبناء أجيال على قدر من الفهم والإدراك للقيم الديمقراطية"، وانطلاقًا من ذلك تم إنشاء معهد البحرين للتنمية السياسية عام 2005، والذي يهدف إلى نشر ثقافة الديمقراطية ودعم وترسيخ مفهوم المبادئ الديمقراطية السليمة في البلاد، ورفع مستوى الوعي السياسي والتنموي والنهوض بالمسيرة السياسية في المملكة، وزيادة المعرفة بين جميع أفراد المجتمع وتوعيتهم بالعمل السياسي وبحقوقهم وواجباتهم التي كفلها الدستور ونظمتها التشريعات ذات العلاقة.
" في هذا اليوم الخالد في تاريخ الوطن، تتجدد مشاعر الفرح بحس المسئولية، إلى جانب الشعور بالثقة في تصاعد البناء، وبالفخر بما تنجزه التجربة البحرينية الملتزمة باستقرار وتطور مؤسساتها، وبترسيخ أمنها وحفظ استقرارها، صوناً وإعلاءً للمصلحة العليا للبلاد"،... إن هذه الكلمات السامية التي تضمنها خطاب جلالة الملك المعظم خلال الاحتفال بالأعياد الوطنية في ديسمبر الماضي، أوجزت ما حققته مملكة البحرين من نجاحات على مدى 25 عامًا منذ تولي جلالته مقاليد الحكم، وعبرت عن مقدار اعتزازه، أيده الله، بما وصلت إليه المملكة من تطور ديمقراطي ومسيرة تنموية وضعتها في مصاف الدول المتقدمة.. لقد وعد جلالته شعب البحرين منذ اليوم الأول بمملكة عصرية ومتقدمة، وقد أوفى جلالته حفظه الله بوعده، وستظل مسيرة النماء والتطوير مستمرة بذات الزخم ـ بإذن الله ـ لصالح الوطن والمواطن في ظل قيادة جلالته الحكيمة.
خمسة وعشرون عاماً لتولي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم مقاليد الحكم في البلاد بدت معه المملكة عهداً جديداً برؤى وقيادة جلالة الملك المعظم الذي أرسى للبحرين قاعدة الانطلاق نحو حاضر يلبي تطلعات شعبه الكريم واستعداد تام نحو المستقبل .. قائد حكيم حب شعبه وبادله شعبه الحب والولاء المطلق، تلاقت ارادته مع شعبه الكريم، فكان ومازال جلالته حفظه الله ورعاه همه الإصلاح برؤية شاملة تديم على الوطن الاستقرار والوئام.
إن ملامح عهد التجديد قد اتضحت منذ اللحظات الأولى لتولي جلالته مقاليد الحكم، وحرص جلالته في كل المناسبات على التأكيد على أهمية الانطلاق على دروب التطوير والتحديث الشامل للوطن برؤية عصرية تنطلق من الإرث الحضاري لمملكة البحرين، وتتكامل معه من أجل الوصول إلى الغاية الأسمى في بناء وطن ناهض ينعم فيه أبناؤه بجود الحياة، ففي كلمته السامية بمناسبة العيد الوطني في 16 ديسمبر 1999، حدد جلالة الملك المعظم الأطر العامة لرؤيته السامية بشأن مستقبل الوطن، حيث أكد أن الأولوية ستكون إحياء وتجديد النهضة التاريخية التي كانت البحرين رائدة لها منذ البداية، وبما يمّكن البحرين من مواكبة المستجدات المتسارعة في العالم المعاصر، وقال جلالته بشكل أكثر تفصيلاً:" نريد تجديدًا لنهضة البحرين في ميادين الإدارة العامة والاقتصاد والتجارة.. وفي ميادين التربية والفكر والاجتماع وتقدم المرأة.. وفي كل ما سبقت إليه البحرين من نظم ومؤسسات".
لقد شكّل المشروع الإصلاحي الذي اطلقه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم في عهده الميمون ، نقلة نوعية غيرت وجه الحياة في مملكة البحرين على المستويات كافة، وتمخض عنها عديد من الإنجازات التي امتدت تأثيراتها على الوطن والمواطن، لاسيما وأن هذا المشروع الوطني الجامع انبثق من رؤية حكيمة لجلالة الملك المعظم وقراءة دقيقة وتقييم متكامل لمقتضيات الواقع وتطلعات واحتياجات المستقبل، لتنطلق على إثره المملكة بكل ثبات على طريق التطوير والتحديث الشامل، ولتبدأ مرحلة مشرقة في تاريخ الوطن ركازها الديمقراطية، وغايتها نماء الوطن وازدهاره، اعتمادًا على سواعد وأفكار أبنائه، في تناغم جعل البحرين نموذجًا في التنمية يشار إليه بالبنان.
ثم جاءت الخطوة الأكثر تقدمًا من جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه ، والتي أعلن عنها في كلمته السامية في الانعقاد التاسع لمجلس الشورى في 3 أكتوبر 2003، بوضع "ميثاق العمل الوطني" ليكون، كما وصفه جلالته، ميثاقًا للوطن ووثيقة للعهد، وركيزة لعقد اجتماعي جديد في مسيرة الوطن يرسخ ويوثق أصالة البحرين وتميزها وتراثها الحضاري، ويؤكد وحدة الوطن أرضًا وشعبًا، فضلا عن أنه يمثل دليل عمل لمستقبل الوطن، يحدد معالم الطريق، ويستكمل مؤسسات الدولة ونظمها، ويرسم آفاق الغد الأفضل للبحرين وشعبها، وكان جلالته حريصًا على الاستفادة من أهل الخبرة والمشورة من كل قطاعات المجتمع في وضع ميثاق العمل الوطني، ليخرج إلى النور حاملاً معه بداية مرحلة جديدة في مسيرة العمل الوطني، تقوم على المشاركة الشعبية في صياغة الحاضر والمستقبل.
وتجلى هذا التوافق بين الرؤية السامية والإرادة الشعبية في إجماع شعب البحرين على ميثاق العمل الوطني، من خلال التصويت عليه في فبراير 2001 بنسبة وصلت إلى 98.4%، ثم تواصلت مسيرة التطور الديمقراطي بإقرار الدستور عام 2002 وتعديلاته عام 2012، لتكتمل مقومات الدولة الحديثة والعصرية التي أرادها جلالته، ولتنطلق مسيرة البناء والنماء على أسس صلبة، كانت فيها البحرين ولا تزال، مثالًا لمدى قدرة الدول والشعوب على تحقيق الإنجاز، ولتترسخ أسس دولة ديمقراطية عصرية تؤمن بالانفتاح، وتحافظ على الهوية الوطنية، دولة نهجها التسامح الديني والفكري والحضاري، دولة تضع الإنسان في صدارة أولوياتها، دولة تؤمن بأن المواطن هو عماد التنمية وغايتها الأسمى.
إن مظاهر التطور التي شهدتها البحرين في مجال العمل الديمقراطي، والتي كان المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم لبنتها الأولى، تجاوزت الآفاق، وأصبحت عملية رصدها وتقييم آثارها ودلالاتها أمرًا يحتاج إلى مئات المراجع والدراسات والأبحاث العملية والأكاديمية والمقالات التحليلية.
ولعل من أبرز هذه المظاهر أن المشروع الإصلاحي وضع الأسس الراسخة لدعائم الدولة الديمقراطية الحديثة، والتي بدأت بميثاق العمل الوطني ثم الدستور، وما تلاهما من إجراءات وقرارات سباقة، ومن بينها عودة الحياة البرلمانية، والعمل بنظام المجلسين التشريعيين باعتباره أحد النظم السياسية المعمول بها في أغلبية الدول الديمقراطية العريقة والناشئة التي تضمن التوازن، وإجراء الانتخابات النيابية والبلدية، بما أتاح لجميع المواطنين المجال لممارسة دورهم الوطني تصويتًا وانتخابًا وبما رسخ مفهوم المشاركة الشعبية، ولتمارس السلطة التشريعية منذ ذلك الحين دورًا مهمًا في صناعة التشريعات والقوانين التي تنظم مختلف مجالات الحياة، ولتسهم لأكثر من عقدين في إنجاز وحماية المكتسبات الوطنية.
ومكّن المشروع من إرساء أسس دولة القانون والمؤسسات بآليات وقواعد متينة من خلال اتباع نظام الفصل بين السلطات، وتحديد الأدوار الدستورية لكل سلطة منها، بما يضمن لها العمل في إطار من الحرية التامة وفق الدستور والقانون، وبما يكفل سلاسة العمل السياسي، وهو النظام المتعارف عليه في الأدبيات والممارسات الديمقراطية، إذ أنه يوفر قــدرًا مــن التعــاون فيمــا بين هذه السلطات، ويضمن في ذات الوقت وجود توافـق وانسـجام بينها، ووجـود رقابـة متبادلـة لضمـان وقـوف كل سـلطة عنـد حدودهـا، دون أن تتجاوزهـا أو تعتـدي علـى الأخرى.
وأعلى المشروع من شأن الحريات العامة والخاصة، ومن بينها حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان وحرية الصحافة والإعلام واحترام الملكية الخاصة، وذلك في إطار دستوري وقانوني عصري يضمن أن تكون هذه الحريات في إطار من المسؤولية التي تخدم الصالح العام، وقد صدر في عام 2002م، الأمر الملكي السامي بإنشاء المحكمة الدستورية لتكون لبنة أساسية لمراجعة القوانين والتأكد من مطابقتها للدستور، كما أنشـئت المؤسسـة الوطنيـة لحقـوق الإنسان في العام 2009، وأنشـئت وحـدة التحقيـق الخاصـة في العام 2012، واللجنة التنســيقية العليــا لحقــوق الإنســان، كما تم تدشـين الأمانة العامـة للتظلمـات فـي 2013، وأنشئت مفوضيــة حقــوق الســجناء والمحتجزيــن في ذات العام.
وفي ذات السياق، اعتمـد مجلـس الـوزراء الخطــة الوطنيــة لحقــوق الإنسان للأعوام 2022- 2026، وتشــمل أربعــة محــاور، تتنــاول: الحقــوق المدنيــة والسياســية، والحقــوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيــة، وحقــوق الفئــات الأولى بالرعايــة، وحقــوق التضامــن. وتحتــوي الخطــة علــى 17 هدفــًا رئيســيًا، ينــدرج ضمنهــا 34 هدفًــا فرعيـًا و102 مشــروعًا يشــمل جميــع الجهـات والقطاعـات ، وفي العام 2023 أصدر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله، قرارًا بإنشاء وتشكيل اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، والتي تختص بالتنسيق بين الجهات الحكومية في كافة المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان بحسب اختصاص كل جهة، وتقوم اللجنة بمراجعة التزامات مملكة البحرين الدولية في مجال حقوق الإنسان، والتأكد من الالتزام بالمعايير الدولية في هذا الصدد.
كما اتخذت مملكة البحرين في عهد جلالته حفظه الله إجراءات سباقة في مجال الحقوق والحريات، من بينها القانــون رقــم (18) لسنة 2017 الصادر عن جلالة الملك المعظم بشـأن العقوبـات والتدابيـر البديلـة، والـذي منـح وزارة الداخليـة صلاحية طلـب اسـتبدال عقوبـة المحكـوم عليـه بعد تنفيذ نصـف مـدة العقوبـة أو العقوبـات المحكـوم بهـا، ثم التوســع في فبراير 2022 فــي تطبيــق العقوبــات البديلــة بإضافــة الســجون المفتوحــة إلــى برامــج التأهيــل والتدريــب للمحكــوم عليهـم بعقوبـات بديلـة ، إلى جانب وضع قانون العدالة الإصلاحية للأطفال عام 2021، فضلاً عن الإجراءات التي اتخذتها مملكة البحرين علــى صعيــد مكافحــة الإتجار بالبشــر، وهو الأمر الذي مكــّنها مـن المحافظـة علـى الفئـة الأولـى فـي تقريـر وزارة الخارجيـة الأمريكية لمكافحـة الاتجار بالأشـخاص لعـام 2022م، ولتكـون الدولـة الوحيـدة علـى مسـتوى الوطـن العربـي التـي حافظـت علـى مثـل هـذا التصنيـف لخمـس مـرات علـى التوالـي، والوحيـدة علـى مسـتوى الشـرق الأوسط وشـمال أفريقيـا.
وأسهم المشروع الإصلاحي في وضع دعائم نظام مؤسسي للرقابة المالية والإدارية يهدف للتحقق من سلامة استخدام المال العام والالتزام بضوابط العمل الإداري وتعزيز الشفافية في مختلف مؤسسات المملكة، ومن هنا تم إنشاء ديوان الرقابة المالية والإدارية في العام 2010، والذي يهدف إلى تحقيق الرقابة على سلامة ومشروعية استخدام المال العام وحُسن إدارته والإسهام في رفع كفاءة أداء الجهات المشمولة بالرقابة والارتقاء بجودة الخدمات التي تقدمها، وذلك للحفاظ على مقدّرات مملكة البحرين ورفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، وهو يستند في ممارسة اختصاصاته إلى المعايير المعتمدة دوليًا، وأفضل الممارسات المهنية العالمية، وهو ما شكّل تطورًا ديمقراطيًا مهمًا كان له أثره الواضح في الحفاظ على المال العام وصيانته.
كما أتاح المشروع الفرصة لجميع فئات المجتمع بممارسة دورها في تنمية الوطن، ولا سيما المرأة والشباب، حيث تم تأسيس المجلس الأعلى للمرأة في 22 أغسطس2001، وهو ما شكّل علامة فارقة في مجال العمل النسائي في مملكة البحرين. حيث نص أمر تأسيسه على أن يكون المجلس برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلال الملك المعظم، مما ساعده على تحقيق النجاح وإطلاق المبادرات الرائدة في مجال تمكين وتقدم المرأة وتحقيق التوازن وتكافؤ الفرص بين الجنسين في مختلف القطاعات.
أما في قطاع الشباب، فإن مملكة البحرين منذ بداية المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم تبنت رؤى لدعم الشباب والاستثمار في قدراتهم وطاقاتهم وتحفيز إبداعاتهم وتشجعهم على الانخراط في الأعمال وتحصيل العلوم والثقافة والمهارات العلمية والحياتية، وتزويدهم بالخبرات والمهارات العملية المناسبة لسوق العمل، وهو ما تجسد في العديد من المبادرات ومن بينها "الاستراتيجية الوطنية لتمكين الشباب" ، و"جائزة الملك حمد لتمكين الشباب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة"، التي تم اطلاقها في العام 2017، وغيرها من قرارات وإجراءات عززت من دور وإسهامات الشباب في العمل الوطني.
ومن أبرز ملامح المشروع الإصلاحي أيضًا أنه تبني نهج ديمقراطي مرن يتسم بالديناميكية والقدرة على التطور بما يتناسب مع تطورات كل مرحلة، بما يتوافق مع الخصوصية والهوية الوطنية من جهة، وبما يضمن للمسيرة الديمقراطية مواكبة التغيرات والمستجدات الإقليمية والدولية من جهة أخرى، وفي هذا السياق اهتم المشروع الإصلاحي بالثقافة والتنشئة السياسية في مختلف المراحل الدراسية لبناء أجيال على قدر من الفهم والإدراك للقيم الديمقراطية"، وانطلاقًا من ذلك تم إنشاء معهد البحرين للتنمية السياسية عام 2005، والذي يهدف إلى نشر ثقافة الديمقراطية ودعم وترسيخ مفهوم المبادئ الديمقراطية السليمة في البلاد، ورفع مستوى الوعي السياسي والتنموي والنهوض بالمسيرة السياسية في المملكة، وزيادة المعرفة بين جميع أفراد المجتمع وتوعيتهم بالعمل السياسي وبحقوقهم وواجباتهم التي كفلها الدستور ونظمتها التشريعات ذات العلاقة.
" في هذا اليوم الخالد في تاريخ الوطن، تتجدد مشاعر الفرح بحس المسئولية، إلى جانب الشعور بالثقة في تصاعد البناء، وبالفخر بما تنجزه التجربة البحرينية الملتزمة باستقرار وتطور مؤسساتها، وبترسيخ أمنها وحفظ استقرارها، صوناً وإعلاءً للمصلحة العليا للبلاد"،... إن هذه الكلمات السامية التي تضمنها خطاب جلالة الملك المعظم خلال الاحتفال بالأعياد الوطنية في ديسمبر الماضي، أوجزت ما حققته مملكة البحرين من نجاحات على مدى 25 عامًا منذ تولي جلالته مقاليد الحكم، وعبرت عن مقدار اعتزازه، أيده الله، بما وصلت إليه المملكة من تطور ديمقراطي ومسيرة تنموية وضعتها في مصاف الدول المتقدمة.. لقد وعد جلالته شعب البحرين منذ اليوم الأول بمملكة عصرية ومتقدمة، وقد أوفى جلالته حفظه الله بوعده، وستظل مسيرة النماء والتطوير مستمرة بذات الزخم ـ بإذن الله ـ لصالح الوطن والمواطن في ظل قيادة جلالته الحكيمة.