محمد الرشيدات


يجب تحديث التشريعات لوقف سلسلة الأخطاء الطبية في العالم

فرق كبير بين الخطأ الطبي والمخالفة المهنية

بعض الدول تُخفي حالات الأخطاء الطبية حفاظاً على سمعتها العلاجية


أوضح الخبير القانوني العالمي المختص في ملف الأخطاء الطبية د. خالد الدويري أن ظهور المعضلات الطبية والقانونية الجديدة والمعقدة في ممارسة مهنة الطب على واقع صحّة الإنسان، وبالأخص في العلاقات بين المرضى والممارسين الصحيين، يتطلب التحديث عبر وضع قواعد قانونية تواكب تطور التقنيات الطبية، لما فيها من آثار إيجابية على صحّة المرضى كحق من حقوق الإنسان.

وأشار الدويري، في حوار خاص مع «الوطن»، إلى أن القانون الطبي ينصرف على كل الممارسات الطبية الصادرة عن مزاولي المهن الطبية، من طبيب وممرض واختصاصي مختبر وعلاج طبيعي وفني أشعّة وغيرهم الكثير، وحتى يقوم ممارسو هذه المهن الطبية بتنفيذ أهدافها النبيلة المتمثلة في شفاء المريض أو محاولة الوصول إلى البرء من أسقامه، من المنطقي الالتزام بترجمة جميع أشكال العناية المطلوبة منهم للمريض، وذلك حسب ظرفي الزمان والمكان والشخص المستهدف، إلا في بعض الحالات الاستثنائية يكون الالتزام هو تحقيق النتيجة المطلوبة، مشدداً في الوقت ذاته، على حتمية أن تُحكم الممارسات الطبية بقانون ضابط لها.

وقال إن علاقة الطبيب مع المريض تبدأ منذ اللحظات الأولى من التطبيب، لتمر بمراحل لاحقة مثل التشخيص والعلاج والمتابعة للحالة الصحية المعروضة، نحو الوصول إلى الشفاء التام أو بذل الجهد الطبّي المناسب للتخفيف من أوجاعها بكل مهنية وأمانة طبية تسكن عقل الممارس الصحّي، وأن يراعي ضميره وطبيعة ممارساته لـ«قانون طبي عصري» يعود بالنفع على العملية العلاجية عموماً، وعلى صحّة الإنسان على وجه الخصوص.

وأضاف أن من أهم واجبات الطبيب تجاه مريضه إخباره بكامل معطيات حالته المرضية ومراحلها وأسبابها، وذكر الوسائل والإجراءات التشخيصية والعلاجية الواجب اتباعها وفقاً لوضعه الصحي، مع بيان فوائد ومخاطر كل منها، إلى جانب تعريفه بالبدائل المناسبة والمتاحة بطريقة لائقة وبسيطة وواضحة، وذلك بالقدر الذي تسمح به حالته الجسدية والنفسية، وتقديم الشروحات له وتبصيره بخطة العلاج المزمع اتباعها، والأهم من هذا كلّه، نوعية المضاعفات المحتملة حتى لو كانت خفيفة، النادر حدوثها من غيرها، ضمن مسار التدخل الطبي وبعده، بهدف حصول الممارس الطبي على الموافقة المستنيرة من المريض نفسه أو ذويه عبر التوقيع على نموذج إقرار مؤرّخ تقوم بإعداده وزارة الصحّة في أي بلد كان، على أن يحق للمريض أو ممثّله القانوني رفض موافقته في أي مرحلة من مراحل التدخّل الطبي، ولكن ذلك لا يعفي الطبيب من الاستمرار في تقديم العلاج المحدّد ضمن الأصول.

وأجرت الوطن لقاءً مع الخبير القانوني العالمي المختص في ملف الأخطاء خالد الدويري، ليتحدث عن موضوع الأخطاء الطبية، الذي لطالما تم تداوله قديماً وما يزال هو مثار جدل وحديث مستفيض حوله لا يقف ولن ينتهي، يبقى السرد ممتداً إلى حين إبطال سلسلة الحالات البشرية التي تذهب ضحية خطأ طبي تصبح بسببه في عداد الموتى على حين غِرّة، وهو الأمر الذي من المؤكّد أن يقلل من قيمة مهنة المداواة، بل يدخل الإنسان في حالة من الرهاب قبل ذهابه إلى الطبيب المختص لعلاج مرضه، أو الدخول بعملية قد يخرج منها معافى وقد يحمل على الأكتاف جثة هامدة بلا حراك.

وبسؤال الوطن للدويري حول فحوى الالتزامات التي يقع على الطبيب العمل بها، أوجزها الدويري بنقاط ست: أن يؤدي الطبيب واجبات عمله وفقاً للممارسات الطبية والعلمية والفنية المعمول بها عالمياً، بما يتناسب مع درجته ومستواه وحتى تخصصه العلمي وخبرته العملية، إضافة إلى استخدام الوسائل التشخيصية والعلاجية المُناسبة لحالة المريض وفقا لضوابط وإجراءات معتمدة، فضلاً على التقيّد بمجمل اللوائح والسياسات الصحية المتعلقة بتقديم العناية المخصّصة للمريض، وعدم إفشاء أي سرّ خاص بالمريض، سواء أكان هذا السر قد علم به أم اكتشفه بجهده الشخصي، وربّما قد ائتمنه المريض عليه، ولكن من وجهة نظر الدويري يمكن إفشاء الممارس الصحّي لسرّ يتعلّق بالمريض إذا كان هناك تنفيذٌ لأمر مكتوب من النيابة العامّة أو المحكمة، أو إحدى جهات التحقيق المختصة والمثول أمامها، نظراً إلى ما تتطلّبه طبيعة عمل المزاول الطبي من تبادل للمعلومات والبيانات بين الزملاء من الطاقم الطبي وفي المنشأة الصحيّة بشكل عام، وحتى مع ذوي المريض أو ممثّله القانوني.

ومن بين تلك الالتزامات أيضاً عدم الامتناع عن علاج المريض أو مساعدته، وتقديم كل ما يحتاج إليه من عناية وإن كانت خارجة عن اختصاصه بهدف إنقاذ حياته، ناهيك على أنه يُحظر على الطبيب إجهاض أي امرأة حامل إلا في حالات استثنائية مقيّدة لذلك العمل يكون فيها الإجهاض لازماً لإنقاذ حياة الأم، إذا ثَبُتَ بالتقرير الطبّي أن الحمل سيلحق بها أضراراً جسيمة، أو إذا تأكّد الطبيب أن الجنين سيولد مشوّهاً بدنياً أو سيُصاحبه قصورٌ عقلي، وذلك بعد أخذ الموافقة الخطّيّة من الزوج والزوجة معاً.

هناك مفهوم خاطئ ومغلوط للتفريق بين الخطأ الطبي والمخالفة المهنية، موضحا أن الخطأ الطبي هو الإهمال والتقصير بعدم اتباع الأصول الطبية، والذي لا يُسأل عنه الطبيب إلّا إذا توافر باقي أركان المسؤولية الطبية من ضرر وعلاقة سلبية، وأما المخالفة المهنية، فهي عدم التزام المنشأة الصحيّة بالأنظمة والتعليمات الصادرة عن الجهات المعنية، بهدف تقديم أفضل خدمة طبية متماشية مع معايير الجودة العالمية، بما يعود بالنتائج الإيجابية على صحّة المريض المستهدف، مثل تقديم خدمة طبية غير مرخّصة، واستمرار العمل بالسجل الصحّي بعد انتهاء مدّته، وهو الأمر الذي ينطوي عليه إقرار مسؤولية قانونية تلزم دفع مبالغ المخالفة للدولة.

من وجهة نظرك، كيف ترى أهمية تطبيق التأمين الإلزامي على أعمال أصحاب المهن الطبية؟

- هذا هو أمر أساسي في قوانين المسؤولية الطبية، ويجب الأخذ به ووضع الآليات المناسبة لتطبيقه، وهنا من الضروري التنويه إلى أنّه لا يمكن منح الترخيص القانوني لمزاولة أي مهنة طبية قبل إجراء التأمين الإلزامي، هذا ضمن نطاق القطاع الخاص، أمّا على الصعيد الحكومي فبطبيعة الحال يكون التعويض مقدّماً من خزينة دولة ما تحت مظلّة التشريعات المسهّلة لذلك.

لكونك خبيراً قانونياً عالمياً مختصّاً في ملف الأخطاء الطبية، ما هي الوصفات المناسبة برأيك للتغلّب على موضوع الأخطاء الطبية؟

- بدايةً، يجب أن يكون هناك قوانين صارمة تحكم العلاقة الطبية بين الطبيب والمريض من حقوق وواجبات، ضمن رقابة مؤسسية فاعلة، فضلاً على تهيئة الظروف والإمكانات الملائمة للأطباء وللعاملين في المهن الطبية المتنوعة لتأدية أعمالهم على الوجه الأكمل، من خلال وضع المرئيات المناسبة لهم، ومن ثَمَّ تثقيفهم وإطلاعهم على أحدث التشريعات القانونية الصحية، إلى جانب إقامة العديد من الدورات التدريبية من باب الكسب المستمر للمعلومة، بالإضافة إلى إشراكهم في الندوات والمؤتمرات المحلية والإقليمية والعالمية، وصولاً إلى تقديم الحوافز المالية لهم.

هل يُسأل الطبيب عن كل خطأ طبي يرتكبه؟

- تنقسم الأخطاء الطبية إلى ثلاثة أقسام، فمنها اليسير، والبسيط، والجسيم، والطبيب يُسأل فقط عن البسيط والجسيم، أما اليسير فلا يتم الالتفات إليه لعدم إحداث ضرر مباشر على صحّة المريض، والذي من السهولة بمكان تجاوزه.

هل توجد إحصائيات مثبتة دولياً تفصح عن عدد الأخطاء الطبية؟

- هناك تكتّم عالمي على تلك الأعداد، وللأسف الشديد بعض الدول تمنع رفع أي دعوى ضد الأطباء الذين ارتكبوا أخطاءً طبية حتى لا تؤثّر على سمعتها وعلى واقع السياحة العلاجية فيها.

ما هي الإجراءات القانونية المناسبة لرفع دعاوى قضائية تجرّم الطبيب على أي خطأ طبي فعله؟

- هنا من الواجب تطبيق القاعدة القانونية «الجنائي يعقل المدني»، إذ يجب أولاً اللجوء إلى النيابة العامّة، لكون الفعل الطبي وقع على سلامة جسم الإنسان، ومن ثمّ الاحتكام للقضاء لإتمام المطالبة المدنية للتعويض عند ثبوت ذلك الخطأ لاستكمال تنفيذ أركان المسؤولية الطبية.

من هي جهات الاختصاص المعنية بعمل تقرير لإثبات الخطأ الطبي والمخالفة المهنية من عدمها؟

يكون ذلك إمّا عن طريق تشكيل لجان للنظر في الحالة المعروضة، أو عبر اختيار ثُلّة من الأطباء والخبراء الأكفاء ممن يعملون في لجان طبية ثابتة تابعة لهيئات رسمية، والبحرين لديها نموذج ناجح على هذا الصعيد.

محليا، ما رأيك بالتشريعات المنظمة لموضوع المسؤولية الطبية في مملكة البحرين؟

- البحرين تُعتبر من أقدم الدول العربية في تبنّي سياسات وقوانين مرنة وحازمة في ذات الوقت تنظّم وتؤطّر آلية عمل مهنة الطب، والعمل ما يزال جارياً على تحديث تلك القوانين واستحداثِ أُخرى، إلى جانب وجود جهات رسمية تحفظ لمهنة الطب مكانتها، ولعل خير دليل هو وجود الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية «نهرا» التي تم إنشاؤها في عام 2009، كهيئة مستقلّة، مهمّتها تنظيم توفير الرعاية الصحية في المملكة، وضمان الملاءمة والاستمرارية والكفاءة والسلامة في تقديم الخدمات الصحية على حدّ سواء في المؤسسات الصحيّة الحكومية والخاصّة.

محطات في سيرة د. خالد الدويري

حاصل على الدكتوراه في الأخطاء الطبية من جامعة غرناطة - إسبانيا

عمل عميداً لكلية الحقوق، وعميداً لكلية الدراسات العليا والبحث العلمي

رئيساً لقسم القانون ومشرفاً أكاديمياً

لبرنامج الماجستير في الأكاديميه الملكية للشرطة

له العديد من المؤلفات والمؤتمرات والندوات والمحاضرات

العلمية المحلية والإقليمية والدولية في مجال الأخطاء الطبية