محمد الرشيدات
العاهل في بكين لإيصال الصوت العربي لقادة العالم
هي المحطة الملكية الثانية بعد روسيا الاتحادية التي تَحقّقَ المُراد المنشود منها على المديين القريب والبعيد، والتي تأتي ضمن جولة عالمية يقوم بها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظّم كرئيس للقمّة العربية بدورتها العادية الـ33، وتحديداً إلى الصين التي باتت رقماً صعباً في معادلة السياسة الدولية وما يرافقها من نهضة اقتصادية مضطردة جعلت منها نموذجاً يُحتذى، وقوّة لا يُستهان بها، لها ثقلها المؤثّر، وميزانٌ يرجّح كفّتها على عديد الأصعدة الهامّة، ما يؤكد زيادة أوجه التفاهمات معها، وما زيارة عاهل البلاد المعظّم إلى بكّين ولقاء رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ، إلّا نظرة ثاقبة يتحلّى بها جلالته بضرورة تقوية أواصر التقارب في وجهات النظر والتطلعات وعلى جميع المسارات بين البلدين الصديقين، والبناء على ما تحقق خلال 35 عاماً من بدء العلاقات البدلوماسية بين المنامة وبكّين، والتي أصبحت من الصور الناجحة في فضاء العلاقات الدولية القائمة على أسس ثابتة من الاحترام المتبادل والتفاهم والتنسيق المشترك.
زيارة جلالة الملك المعظّم إلى الصين ستمنح دعائم متينة لبناء العلاقات الثنائية الراسخة والمتجذّرة منذ عقود، ونقلها إلى مراحل أوسع وأشمل بما يتناسب مع عمق روابط الصداقة التاريخية القائمة بين البلدين، وبالشكل الذي يتواءم مع طموحات الشعبين الصديقين، عبر جهد متواصل لاستكشاف وتنمية الفرص الواعدة التي يمكن أن تنهض بهذه العلاقات من جهة، وترسيخ دور المملكة في دعم أواصر الصداقة والتعاون بين الصين والدول العربية والخليجية لتحقيق المنفعة المتبادلة من جهة ثانية.
مبتغىً ملكي مدروس، يستهدف موازين القوى في العالم، يستجمع الآراء ويحث على توحيد المواقف كما الخطى تّجاه متنوع القضايا العالقة إقليمياً ودولياً، والتي تحول دون رؤية أشراط التنمية واقعاً ملموساً، وتحدّ من سرعة الخطوات الدولية المتّجهة نحو بسط السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط تحديداً وباقي دول المعمورة على وجه العموم، التي تشهد نزاعات ما زالت تخيّم ظلالها الحالكة مهدّدةً أرواح المدنيين وقاصمة ظهر عيشهم الآمن ليظلوا أسرى الحروب والدمار، دونما حدوث تقدّم وازدهار.
جلالته عازمٌ على إيصال الصوت العربي لقادة العالم المؤثّرين، والدفاع عن قضاياه وسماع نداء استغاثاته المستمرّة، ولعلّ ما يحدُثُ في الأراضي الفلسطينية وما يشهده قطاع غزّة من شماله إلى جنوبه من حرب مدمّرة تكفّلت بإخراج سيناريوهاتها المؤلمة السياسات الإسرائيلية المتعنّتة أحادية الجانب، هو الموضوع الأبرز الذي يحرص عاهل البلاد المعظّم على أن يجد بارقة أمل وفسحة وافية من عنق الضيق الذي يتعرّض له المدنيون في القطاع، وأساليب التهجير التي تتبنّاها إسرائيل بحقّهم، ناهيك عن منع إيصال المساعدات الإنسانية لهم، الأمر الذي يُنذِرُ بتوسّع رقعة كارثة بشرية أكثر مما هو عليه الحال المؤسف الآن.
وهذا ما لا يألو به جلالته أي جهد في سبيل حل القضية الفلسطينية العادلة ونصرتها، وإقامة دولتها المستقلّة على حدود الرابع من يونيو من العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، داعياً إلى ضرورة تكاتف الضمائر الحيّة في العالم من أجل وقف فوري وعاجل للعمليات الإسرائيلية التي امتدّت لتصل إلى مدينة رفح مؤخّراً، وهو ما أفقد الغزّيين آخر ركن آمن للنزوح إليه، وعليه ترتئي هذه الزيارة الملكية إلى بكّين إلى تسريع الخطى لإنقاذ ما بقي من المدنيين العُزّل، ممن يشكّل الأطفال والنساء النسبة الأكبر بينهم، وهذا ما شدّدت عليه مضامين إعلان البحرين الذي تبنّى وأبدت من خلاله المنامة رغبتها في استضافة مؤتمر دولي للسلام تشترك في إنجاحه جميع الأطراف الدولية لوقف التصعيد العسكري في المنطقة وخطورة انعكاساته على الأمن والاستقرار الإقليمي، بما يُجنّبُ المنطقة وشعوبها مخاطر الحرب وزيادة حدة التوتر.
الزيارة كذلك، من شأنها أن تشحذ الهمم عند الدول الصديقة لدعم طلب دولة فلسطين للحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة، الأمر الذي يُعدُّ إنصافاً طال انتظاره لحقوق الشعب الفلسطيني في الحياة والحرية والكرامة الإنسانية، بأن تكون له دولة ذات سيادة يلامسها التطوّر من كل جانب وبحكم مستقل على أساس حل الدولتين ووفقاً لقرارات الشرعية الدولية والمرجعيات المعتمدة.
إلى جانب ما ذكر، سيعمد عاهل البلاد المعظّم خلال لقائه الرئيس الصيني إلى إظهار الرفض العربي الكامل لأي دعم للجماعات المسلحة أو الميليشيات التي تعمل خارج نطاق سيادة الدول وتتبع أو تنفذ أجندات خارجية تتعارض مع المصالح العليا للدول العربية، أو فرض النفوذ، أو تقويض السيادة، أو المساس بالمصالح العربية، بالإضافة إلى إبداء الموقف العربي الثابت في قطع أوصال الإرهاب بأشكاله كافّة، عبر تجفيف مصادر تمويله، ودعم الجهود الدولية الرامية إلى محاربته، ومواجهة تداعياته بكل حزم وعزم لإبطال تهديده المُحدث على السلم والأمن الدوليين.
بإضافة إلى ذلك، التأكيد الملكي على حتمية التمسك بحرية الملاحة البحرية في المياه الدولية وفقا لقواعد القانون الدولي واتفاقيات قانون البحار، وضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب وبحر عمان والخليج العربي، وإظهار الموقف العربي الموحّد والمستنكر لشتى أساليب التعرض للسفن التجارية بما يهدد حرية الملاحة والتجارة الدولية ومصالح دول وشعوب العالم.
عاهل البلاد المعظّم قد حلّ ضيفاً على الصين ورئيسها الذي يُقدّر عالياً مساعي البحرين بقيادتها الحكيمة لبسط نفوذ الحق وتحجيم منابت الباطل، فالرئيس شي جين بينغ لديه الرغبة الحقيقية في تعميق الثقة السياسية مع المنامة، مؤكّداً على حيوية موقعها الاستراتيجي ومكانتها المتميزة كملتقى للحضارات والثقافات في المنطقة، إضافة إلى سياستها المتوازنة وتوجهاتها المنصبّة على بناء علاقات متميزة ومد جسور التواصل والتقارب مع مختلف دول العالم، مما جعل منها شريكاً قديراً وذا أهمية، وضمن لها أن تتبوأ مكانة متميزة كمساهم رئيس في دفع العلاقات الخليجية والعربية مع جمهورية الصين الشعبية الصديقة على سبيل الحصر في هذا المقام.