يعتبر الفصل بين السلطات أحد المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام القانوني في مملكة البحرين، حيث يهدف إلى توزيع الصلاحيات بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، هذا الفصل يعزز من ضمان العدالة وحماية الحقوق العامة، وذلك وفقاً لنص المادة 32 من دستور مملكة البحرين التي نصت صراحة على مبدأ الفصل بين السلطات.
ومع ذلك تبرز إشكالية تتعلق بمدى سلطة اللجنة التأديبية في قانون المحاماة وتأثير قراراتها على حقوق أصحاب مهنة المحاماة باعتبارهم من أفرد المجتمع، وتظهر هذه الإشكالية من خلال تضارب النصوص الدستورية مع المادة 44 والمادة 45 من قانون المحاماة فنص المشرع في المادة 44 على أن يكون تشكيل اللجنة التأديبية من اختصاص الجهة المختصة، وكذا نصت المادة 45 على أن تقدم الدعوى التأديبية من الجهة المختصة ذاتها؛ مما يجعل هذه المواد مشوبة بعدم الدستورية لمعارضتها لنص المادة 32 من الدستور البحريني التي تقر صراحة على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية كما ذكرنا.
كما نود أن نشير إلى مدى أهمية تفسير القرار التأديبي الصادر من لجنة تأديب المحامين، هل هو حكم قضائي أو قرار إداري، فإذا ما اعتبرنا أن قرار التأديب الصادر قرار إداري، فيحق للمحامي الطعن على هذا القرار أمام المحكمة الإدارية وهو التفسير المعتبر الذي وجب الأخذ به؛ ومن ثم يتيح للمحامي الطعن على هذا القرار، ومن ناحية أخرى لا يمكن اعتبار هذا القرار بالتأديب حكماً، لأنه صادر من قضاة المجلس التأديبي؛ إذ إن قانون المحاماة نص على أنها لجنة ذات اختصاص قضائي تصدر قراراً تأديبياً، وليس حكماً قضائياً.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن قانون المحاماة نص على أن القرارات الصادرة بالتأديب هي نهائية إذا ما صدرت من المجلس التأديبي الاستئنافي، ولا يجوز الطعن عليها أمام محكمة التمييز، فإن ذلك يخل بمبدأ المساواة الذي أقره الدستور البحريني في المادة 18، والتي تتعلق بالمساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات.
والجدير بالذكر أنه من خلال التجارب العملية نجد أن بعض المحامين يتعرضون لعقوبات تأديبية قاسية، بينما يتلقى غيرهم عقوبات تأديبية مخففة، رغم تشابه الظروف مما يثير التساؤلات حول العدالة في تطبيق العقوبات التأديبية.
وتعتبر عملية تشكيل اللجنة التأديبية وإصدار القرارات النهائية حول العقوبات من النقاط الحساسة التي تتطلب مراجعة دقيقة، إذ إن الجهة التي تشكل اللجنة هي نفسها التي تقوم بتحريك الدعوى التأديبية، مما يظهر جلياً مدى تضارب المصالح إذ لا يجوز أن يجتمع في الإنسان أن يكون خصماً وحكماً في ذات الوقت.
وفي ضوء ما تم طرحه، يعد من الضروري إحالة هذه الإشكاليات إلى المحكمة الدستورية للفصل فيها، وهنا يتجلى دور المحكمة الدستورية الذي يكون حاسماً في حماية الحقوق وضمان التزام الجهات الإدارية بالنصوص الدستورية، إذ يمكن للمحكمة أن تساهم في توضيح مدى توافق القرارات التأديبية مع المبادئ الدستورية، وتحديد الحدود القانونية لصلاحيات اللجنة التأديبية.
الحلول المقترحة
لضمان تحقيق العدالة وحماية الحقوق ينبغي اتخاذ عدة خطوات هي:
1- إعادة النظر في تشكيل اللجنة التأديبية، فيجب أن يتم تشكيلها بطريقة تضمن استقلاليتها، بحيث لا تتداخل الجهة المعنية كجهة تعيين للجنة التأديب، وتكون هي من تقوم بتحريك الدعوى التأديبية.
2- تطبيق مبدأ المساواة والذي ينبغي وضع معايير واضحة وموضوعية لتطبيق العقوبات التأديبية، لضمان عدم التفاوت في العقوبات التأديبية الصادرة بحق المحامين.
3- مراجعة نص المادة 44 ونص المادة 45 من قانون المحاماة ومدى توافقها مع المادة 32 من الدستور البحريني والتي تتعلق بمبدأ الفصل بين السلطات.
وفي الختام، تبرز الحاجة الملحة إلى مراجعة الإطار القانوني الذي يحكم تشكيل وصلاحيات اللجنة التأديبية للمحامين في البحرين، بما يضمن توافقه مع المبادئ الدستورية وخاصة مبدأ الفصل بين السلطات وحماية حقوق الأفراد. إن استقلالية اللجنة وضمان حق الطعن على قراراتها وفقاً لمبادئ العدالة والمساواة، لا يعزز فقط الثقة في النظام القانوني، بل يضمن أيضاً نزاهة القرارات الصادرة عنها. لذلك، فإن إحالة هذه القضايا إلى المحكمة الدستورية يُعد خطوة حاسمة نحو ترسيخ مبادئ العدالة، وضمان التزام الجهات القانونية بتطبيق الدستور بشكل يعكس حماية حقوق الجميع دون تمييز.