كشف الباحث نوح خليفة في ضوء إنتاجه العلمي التغير الاجتماعي بقرى شمال البحرين أن الأدوار الثقافية والدينية للمرأة بالمحافظة الشمالية تمر عبر 238 مأتماً مقابل 60 للرجال مبيناً أن دور العبادة تشهد حضور كبير وتزايد مقرون باقبال أكبر من قبل مختلف الفئات العمرية في الوسط القروي مقارنة بالمراحل التاريخية السابقة.
وقال خليفة إن المرأة ناشر قوي للثقافة والمعتقد في وسطها القروي في ضوء الإمكانيات المتاحة باعتبارها تمثل شريحة كبيرة ذات حضور مكاني عبر المقار الدينية وقيمي عبر أدوارها التربوية موضحاً أن انتشار التعليم الأهلية نتاج نخب محلية تحمل على عاتقها أدوار ووظائف تجاه تنمية الثقافة المحلية من خلال مشاريع شخصية بالاعتماد على برامج وفعاليات دينية وخلق مناخ ثقافي يدعم الهوية المحلية القروية.
وأوضح خليفة وجود عوامل دفعت باتجاه ذوبان مجتمع الوسط القروي في قالب ديني يجمع الصغار والكبار وهو عامل وحد مختلف الأعمار وحولها إلى مؤثر فاعل في المجتمع وأبرزها تلك العوامل إتكال بعض الأسر على المؤسسة الدينية في تسهيل مهامها التربوية إضافة إلى تفرغ المجتمع للممارسات المحلية مقارنة بانشغال المكثف في المجال المهني الزراعي قديماً، وكذلك تزايد التفاف سكان المجال القروي على المجالات المهنية التقليدية كالبحر بين فئات من الكفاءات التقليدية وفئات من المتقاعدين تقاعد مبكر في ظل التسهيلات التقاعدية واقبالهم على عودتهم للمجال المحلي بمهن ثانوية متعددة تمثر ناشر قوي للحراك الداخلي بالقرى وكذلك وجود شريحة واسعة من ربات البيوت المقبلات على الثقافة المحلية.
وبين خليفة ان المرأة رغم أنها متعلمة في أحيان كثيرة إلا أن المجتمع يرغب أكثر بانجذابها لمجتمعها الأسري والمحلي ويعتبر هذا عنصر ثبات واستمرارية للأدوار النسائية مراوحاً أن الأدوار النسائية تأخذ طابع الثبات والاستمرارية بين شريحة واسعة من النساء من ناحية طبيعة الأدوار والوظائف لكن على المستوى الآخر فإن الأدوار التعليمية الأهلية الدينية لا تشهد ثباتاً بل تزايداً مطرد في نظام العمل وتطور في طبيعة الأدوار التي تتجه نحو التثقيف والتوعية تجاه مختلف الشئون العامة بشكل عام.
على مستوى آخر قال خليفة إن الذكور بالرغم من ارتباطهم بعدد أقل من المآتم يتمثل في 60 مأتماً إلا أن المؤثر في ارتباطهم بالمؤسسة الدينية والعلاقات التبادلية التي يقيمها مجتمعهم أثناء الصلوات يتمثل في أن المساجد القروية تتبادل الأئمة المختصين في الصلوات الخمس والمناسبات والخطب بشكل مستمر الأمر الذي ضاعف الحضور الأهلي في هذه المؤسسات الدينية وكثف مجالات الالتقاء الأهلي.
من جهة أخرى كشف خليفة عن وجود ورثة حولوا مساكن آبائهم الغير مسجلة إلى أوقاف دينية ونتج عن ذلك تضاعف عدد المساجد والمآتم واشتراك الأهالي مع المؤسسة الدينية في مهام تدين المجتمع بسبب الولاء للمآتم التي تعود إلى عوائلهم وآبائهم مبيناً استمرارية وجود أعداد من البيوت الغير مسجلة التي تعود إلى ورثة تخلف آبائهم عن تسجيليها بعد قرارات حكومية تاريخية ببدء تسجيل الأراضي وإصدار وثائق تثبت ملكيتها حيث كان الأهالي في البحرين يقيمون في انحاء متفرقة بشكل عشوائي وبدون وثائق حكومية تثبت ملكيتهم للأراضي وهو عامل مؤثر في إمكانية تفكير الأهالي في تحويل تلك المساكن إلى أوقاف دينية خصوصاً في حال تآكلها وكلفة ترميمها وإعادة بنائها أو تزايد الخلافات بين الورثة حول كيفيات استغلالها.
في السياق ذاته، حذر الباحث نوح خليفة من تمدد الأدوار الدينية أكثر فأكثر في مجتمع قرى شمال البحرين منبهاً إلى أن الأدوار الدينية أخذت طابع المشاريع الشخصية الربحية في أغلب بعض الأحيان، سواء مشاريع التعليم الديني أو التعليم المدرسي ممثل في المعاهد التي تعود الى مدرسين تقاعدوا تقاعد مبكر.
ودعا خليفة المجتمع النسائي إلى رفص رجعية المرأة والعمل على تحريرها من التقوقع في الأطر التقليدية التي لا تدعم بروزها الفردي ولا تقدمها إلى حياة العصر الجديد وحماية حقوقها من الإحتكام للأسوار الداخلية في ظل طفرات العولمة والانفتاح وتعدد خيارات النجاح وتحقيق الذات لها ولأسرتها.
وبين خليفة أن المجتمع يحتكم إلى ثقافة الأكثرية والشريحة المثقفة تحتاج إلى قواعد وأدوات تساعدها على التحرك التنويري والعمل في ضوء تغيرات العصر الحديث والارتباط بالنظم الوطنية الحكومية التي تدعم التطور والنماء الانساني عبر مجالهم القروي المحلي الذي يحتكم فيه الأكثرية إلى قيم العمل المحلي "دينيا واجتماعيا واقتصاديا".
وراوح خليفة أن اخراج المرأة من موجات الرجعية وتحريرها من أطر الثقافة المحلية الممتزجة بالتأثيرات الدينية لن يتم إلا عبر البوابة الاقتصادية فالمرأة تحتاج إلى المزيد من الاستقلالية في المقابل فإن الأكثرية ربات بيوت بإرادة ورغبة المجتمع الذي لا يقبل عمل المرأة إلا في مجالات محدودة على المستويين التاريخي والحديث حيث أن المجتمع مازال ينبذ المرأة أو البنت الخارجة عن أطر الالتزام المطلق.
وقال خليفة إن المرأة تحتاج الى إعداد ثقافي وانتاجي عبر الإعلام وبرامج تنمية وتوعية وارشاد بحيث تتنوع أمامها مصادر المعرفة والاطلاع عوضا عن الاحتكام الى مصدر واحد عبر برامج تلفزيونية وإذاعية ومن خلال إطلاق جمعيات تختص في تنمية المرأة الريفية وإطلاق مؤسسات ثقافية حكومية جاذبة تنشغل بتنوير المجتمع.
وأضاف خليفة ان الوسط القروي بحاجة الى مراكز حرفية وانتاجية تساعد على انخراط المرأة مهنيا وانتاجيا وانشغالها كساهمة في أنشطة الأسرة مبينا أن المدارس والجامعات أقدر المؤسسات على ممارسة أدوار ثقافية بانحاء البحرين عبر نشر كلياتها ومقارها في أجزاء متنوعة وإطلاق برامج أكاديمية متخصصة تلائم سوق عمل كل محافظة.
وقال خليفة إن أنظمة التقاعد المبكر عمقت العودة للممارسات المحلية في المساجد والمآتم والأسواق والبحار والشباب أقبلو عليه وعلى المهن الثانوية والممارسات الدينية والسياسية بشكل أسس للحراك المحلي الداخلي وشيوع قدرات أكبر للإنسان على تأسيس المجال والتأثير في هويته على نحو يدعم الحضور المحلي ويقدم المزيد من الخيارات للمجال القروي كهوية منفردة باقتصاديات محددة ونظم ثقافية داخلية.