زهراء حبيب:

بلغت سن الرشد وتبوأت أعلى المناصب وأثبتت نجاحها في مختلف المحافل وأصعبها وكسبت مقاعد في المجالس النيابة والبلدية ومن حقها اللجوء إلى القضاء والمطالبة بحقوقها، وأمام كل هذه المساحات المفتوحة تبقى لا قيمة لها في اختيار شريك حياتها دون موافقة ولي الأمر، فحتى تتجنب الحرام بالحلال لديها خيار واحد لا غير "عضل ولي أمرها".. دعاوى العضل في البحرين لا تشكل ظاهرة وأعدادها قليلة بمعدل دعوى أو دعويين في العام الواحد، لكن هذا الجانب لا يعني إنتفاءها فهناك فتيات لجأن لرفع دعاوى عضل ضد أبائهن وإخوتهن وأجدادهن بعد رفضهم تزويجهن إما لاختلاف النسب أو القبيلة أو العوائل، أم عدم قبول الرجل من جنسية أخرى، واختلاف المستوى المعيشي، وهناك ولي يرفض للانتقام أو طمعاً في راتبها، هذه الخطوة ربما تدفع الفتاة ثمنها طول عمرها حيث تكون منبوذة من قبل أسرتها للأبد.

دعاوى العضل بالبحرين متنوعة ومتابينة فى آن واحد، من بينها فتاة بلغت الأربعين من عمرها اضطرت للزواج بمذهب مختلف عن مذهبها لترفع تسلط شقيقها كونه ولي أمرها بعد وفاة والدها، وكان الشقيق يرفض تزويجها خوفاً من انقطاع الراتب التقاعدي المخصص لها بعد وفاة الأب ولاعتماده على ذلك المال بصورة كلية، وقصة أخرى لشابة رفض الأب تزويجها لشاب حسن الخلق والسمعة والسبب لانتمائه لمذهب آخر، ورفع دعوى للمطالبة بإلغاء عقد زواجهما، وأصدرت المحكمة حكمها بإلغائه بشرط تزويجهما خلال شهر وإلا رجعت الولاية للقاضي ليقوم بإتمام إجراءات الزواج، فيما اضطرت بحرينية من أصول باكستانية رفع دعوى عضل ضد والدها، الرافض تزويجها من شاب يحمل الجنسية الهندية، بسبب الخلاف الأزلي بين الهنود والباكستانيين.

مخالفة لدين الله

ومن الدعاوى التي نظرتها المحاكم الشرعية في البحرين فتاة رفض والدها تزويجها من شاب تقدم لها، انتقاماً من والدتها التي انفصلت عنه قبل عدة سنوات، فكان انتقامه بطريقة مختلفة بأن يجعل مصير ابنته معلقاً بموافقته.. وجميع هذه القصص تباينت أسبابها لكنها اجتمعت على ذات النتيجة بنساء رفعن دعاوى عضل ضد أولياء أمورهن في المذهبين الجعفري والسني الذي يشترط موافقة ولي الأمر، مع العلم بأن المذهب الجعفري يشترطه على الفتاة البكر فقط، بينما من سبق لهن الزواج فهن قادرات على تزويج أنفسهن دون ولي.. ويختلف المذهب الجعفري والسني في أوجه أولياء الأمر، ففي المذهب الجعفري يرجع للأب والجد من الأب، أما السني فهو متشعب للأب والأخ والعم، والابن حتى وغيرها.

ومن جهتها، قالت المحامية منار التميمي بأن العضل مخالفة للدين وإهدار لكرامة المرأة، فالعضل في اللغة هو المنع وعضلُ النساءِ أي منعهن من الزواج.

وأشارت إلى أن العرب في الجاهلية إذا مات الرجل جاء أحد أبنائه فألقى ثوبه على زوجة أبيه، فأصبحت له، وقد جاء الإسلام وكرم المرأة وحفظ كرامتها، وردّ لها حقها المسلوب ورفع عنها المظالم، لا تعضل كرهاً ولا تورث كرهاً ولها منزلتها أماً وأختاً، وزوجة وبنتاً، بل مطلوب معاشرتها بالمعروف. قال تعالى" (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا). وقد بلغ من تكريم الإسلام للمرأة أنه خصص باسمها سورة من سور القرآن الكريم وهي سورة النساء، ويكون العضل إذا منع الوليُّ زواج المرأة طمعاً في راتبها، وهذه صورة نراها كثيراً في مجتمعنا هذه الأيام أو أن يغلي مهرها طمعاً في المهر أو من أجل حبسها لتخدمه وتقوم على شؤونه وهذا أمرٌ حرَّمه الشرعُ الحنيف والعضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك فإن رغبت في كفء وأراد تزويجها لغيره من أكفائها وامتنع من تزويجها من الذي أرادته كان عاضلاً لها فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك ولا يكون عاضلاً لها والعضل محرم.

وأكدت بأنه لا يجوز لولي المرأة أن يمنعها من الزواج بالكفء الذي رضيت به والأصل في الولي أنه حريص على مصلحة موليته والولي ليس له أن يمتنع عن تزويج من هي تحت ولايته من غير سبب مشروع فإذا لم يقتنع القاضي بالسبب أمر الولي بالتزويج وإلا زوج القاضي.

وأشارت إلى أن القانون منع الولي أن يزوج المولى عليها جبراً عنها أي يزوجها من لا ترضاه زوجاً لها سواء كانت المرأة ثيباً أو بكراً سواء كانت صغيرة أوكبيرة، حيثُ إنهُ من المقرر وفقاً لنص المادة رقم (12) الفقرة (ج) من قانون أحكام الأسرة البحريني أنهُ " إذا غاب الولي الأقرب غيبة منقطعة، أو جهل مكانه، أو لم يتمكن من الاتصال به، أو عضل انتقلت الولاية إلى القاضي.. كما نصت المادة( 15) من نفس القانون الفقرة (ب) ليس للولي أن يزوج موليته من نفسه إلا برضاها وبإذن من القاضي وقد نصت الفقرة (ج) من نفس المادة لا يجوز للولي أن يمتنع عن التزويج من غير سبب شرعي.. وتنص الفقرة (د) من المادة (15) (لا يجوز للولي تزويج من له الولاية عليها جبراً، ثيباً كانت أو بكراً، صغيرة كانت أو كبيرة ولهذا ينبغي أن يبين الولي سبب رفضه للخاطب، فإن كان سبباً معقولاً وجيهاً لم يكن عاضلاً، وإن ردّه لغير سبب، أو لسبب غير معتبر، كان عاضلاً.

واستدلت التميمي بقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:" إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة، وفي مجتمعاتنا العربية التي تسودها العادات والتقاليد والأعراف قد تخجل المرأة من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج وعضل الولي، وهذا أمر واقع، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد، أيهما أشد أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج وهذا حق شرعي لها.

وأفادت بأن المرأة لا تصل لمرحلة رفع دعوى عضل إلا بعد أن طرقت كل أبواب الحلول الودية، منوهة إلى أن 95% من الحالات يكون الأب متعنتاً لرأيه ويرفض اختيارها.

وبينت بأنه بناء على قانون 22 لسنة 2015 تحال دعاوى العضل لمكتب التوفيق الأسري، لحل الأمر ودياً والصلح بين الفتاة ووالدها، لكن هناك أباء وولاة أمر لا تحايد موقفها الرافض، فتحال للمحكمة.

وطالبت ولاة الأمر خوف الله بالفتاة، ومراعاة حقوق المرأة وصونها.

طمعاً في راتبها

وعلى الصعيد ذاته، قالت المحامية فوزية جناحي إن قضايا العضل لا تشكل ظاهرة في البحرين فهي قليلة، ومن أهم الأسباب رفع دعاوى العضل هو تعنت ولي الأمر بتزويج الفتاة سواء بسبب إنتمائه لجنسية أخرى خوفاً من ابتعادها عنه، أو عدم تكافؤ المستوى المعيشي، والبعض يرغب في الاحتفاظ براتب ابنته.

ومن القضايا التي تولت الدفاع فيها عن فتاة بحرينية، لرفض الأب تزويجها لأكثر من 5 رجال بسبب اختلاف المستوى المعيشي، وكان ابن عمها من بينهم، فرفعت دعوى عضل وكان الشاهد عمها على رفض والدها لعدة زيجات، وعليه تم تزويج الفتاة بعد تأكد القاضي من أخلاق الشاب وحسن سيره وسلوكه.

وهناك فتاة (16 سنة) والشاب (17 سنة) تعمدا لإقامة علاقة حميمية لتحمل الفتاة، ليضعا والدها تحت الأمر الواقع ليوافق على تزويجهما، وبعد أن علم الأب بذلك ثار غضباً وكان يرغب بذبحها لكن عاد لرشده وقبل تزويجها على مضض ومن عام 2000 حتى اليوم الأب نبذ الفتاة، ويرفض رؤيتها أو الحديث معها، كما رفض تقديم شهادته بأن ابنته كانت ترغب بالزواج وهو كان رافضاً حتى لا يعتبر طفلها ابن زنا، وصوناً لحق طفولته وبالرغم من كل المحاولات أصر على رفضه، وفي النهاية تم نسب الطفل للأب بعد إثبات النسب، وواصلت ابنته حياتها وأنجبت 5 أطفال وهي بعيدة عن حضن والدها، ولا تعد هذه الحالة الأولى فهناك حالات لنساء مرت بهن الأعوام وواجهن مختلف المصاعب الأسرية بعيداً عن أسرهن، لرفض الأب حتى اليوم العفو عنهن، فهن عضلن عن أمره.

ولفتت جناحي إلى أنه بعد أن يتولى القاضي ولاية الأمر على الفتاة، لا يقوم بتزويجها إلا بعد التأكد من سمعة الشاب وكفاءة للزواج بالفتاة.

وأكدت بأن قضايا العضل ظهرت على الساحة في الفترة الأخيرة بسبب زيادة وعي المرأة بحقها في اختيار الزوج، فتجرأت على العادات والتقاليد لتعضل ولي أمرها تحقيقاً لشرع الله.

وحثت ولاة الأمر في تقوى الله بالفتاة، فالمرأة بلغت مراكز عليا في المجتمع فهي ذات كفاءهة لتحديد شريك حياتها.

قبيلة أخرى

وعن اختلاف المذهب السني والجعفري في تحديد ولاة الأمر، قالت المحامية ابتسام الصباغ إن ولي الأمر في المذهب الجعفري تكون للأب والجد من الأب، أما السني فيكون الأب، الجد من الأب، الابن وإن نزل، الأخ الشقيق، الأخ لأب، ابن الأخ لأب، العم الشقيق، العم لأب، ابن العم الشقيق، ابن العم لأب.

وبينت أن المذهب الجعفري يشترط الولي وهو الأب، والجد من الأب في حال الفتاة البكر، لكن الثيب" من سبق لها الزواج" تستطيع تزويج نفسها، وفي حال وفاة الأب أو الجد من الأب الفتاة البكر تزوج نفسها أيضاً، لذلك تشكل قضية " العضل" لدى المحاكم الشرعية الجعفرية قليلة مقارنة بالدائرة السنية.

فيما المذهب السني يشترط موافقة ولي الأمر سواء لزواج البكر والثيب.

وشاطرت الصباغ نظيراتها بأن دعاوى العضل لا تشكل ظاهرة بمعدل دعويين سنوياً.

ومن الحالات التي استقبلتها فتاة يرفض والدها تزويجها انتقاماً من والدتها المنفصلة عنه قبل عدة سنوات، ومع مرور السنوات أراد الانتقام منها بوقف حال ابنته.

وبعض الآباء يرفضون تزويج بناتهن من عوائل وقبائل أخرى، بسبب وجود عادات وأعراف لدى تلك القبائل بالزواج من ذات القبيلة.

ومن سلبيات رفض ولي الأمر تزويج الفتاة والشاب، وقوع الطرفين في الحرام بتكوين علاقة غير شرعية وينتج عنها حمل الفتاة، وهي حالات مرت على القضاء الشرعي في البحرين.

ومن تلك الحالات فتاة رفعت دعوى عضل ضد ولي أمرها، فقضت محكمة أول درجة بتزويجها، فاستأنف الأب الحكم أمام المحكمة الاستئنافية التي ألغت حكم أول درجة بالتزويج، بعد أن اقتنعت بأسباب الأب، وهو ما دفع الشاب والشابة لإقامة علاقة غير شرعية وحمل ابن زنا، فرضخ الأب للواقع وتم تزويجهما.

ودعت الصباغ الجهات المعنية بزيادة وعي ولاة الأمر بحق المرأة في تقرير مصيرها في اختيار شريك الحياة، ومراعاة سنها فهناك نساء يبقين لسن الأربعين بدون زواج بسبب الرفض القاطع للولي بتزويجهن.