استراتيجيتنا هي تأمين الطاقة باعتبارها أمناً قومياً عبر تنويع المصادر
الشبكات وإدارتها ستتغير خلال السنوات القادمة لتوائم الطاقة النظيفة
٪8 ارتفاع في الطلب على الكهرباء ولو اعتمدنا على النفط فقط سينفد
في حديث على هامش النسخة الـ 20 من مؤتمر «كهرباء الخليج 2024»، التقت «الوطن» مع الرئيس التنفيذي لهيئة الربط الكهربائي في «دول مجلس التعاون الخليجي» أحمد الإبراهيم الذي كشف عن تفاصيل مرحلة وصفها بمرحلة «الانتقال الطاقوي» لدول المنطقة، وبأنها رحلة بدأت ووصلت حتى الآن إلى منتصف طريق التحول للطاقة النظيفة والمتجددة، والذي يستلزم تغيير شبكات الكهرباء وخطط إدارة تتواءم مع طبيعة الطاقة الجديدة.وأكد أن استراتيجية الهيئة هي تأمين الطاقة باعتبارها أمن قومي، وذلك عبر تنويع مصادرها، حيث يرتفع الطلب بنسبة تصل إلى 8% سنوياً، وإذا استمر النمو فسيؤدي إلى استخدام النفط كله لتوليد الكهرباء، لافتاً إلى أن دول المجلس تنتج حالياً 8 آلاف ميجاوات من الطاقة الشمسية بما يوازي ضعف استهلاك البحرين.وأرجع سبب التفكير في مد الشبكة الكهربائية لأوروبا إلى اختلاف مواسم الطلب، حيث توجد فرصة استثمارية خلال الشتاء لبيع الفائض لأوروبا، نافياً أن تكون مصادر الطاقة المتجددة غير ذات جدوى اقتصادية لدول الخليج، حيث إن التقنيات والدراسات المستمرة تساهم في رفع كفاءة الإنتاج وخفض التكاليف. وإلى نص اللقاء:يعرف القارئ أن هيئة الربط الكهربائي هي الشركة المساهمة المملوكة من حكومات دول مجلس التعاون، لإنشاء وتشغيل شبكة الربط الكهربائي بين تلك الدول، فهل يمكن أن تطلعنا على أهمية تواجد الهيئة في فعاليات النسخة الـ 20 من مؤتمر «كهرباء الخليج 2024» والذي نظمته اللجنة الإقليمية لنظم الطاقة الكهربائية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية «سيجري الخليج»، وهل تقدم شيئاً جديداً يخدم هذا القطاع؟- اليوم نحن نعيش مرحلة انتقالية تسمى «مرحلة الانتقال الطاقوي»، حيث بدأت دول العالم ومنها دول الخليج العربي للتحول إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، وهذا يحتم علينا تغيير الشبكات العاملة في دولنا، وأن نغير خططنا لإدارة الشبكات كما كان الأمر في السابق لأنها ستتعامل مع مصادر طاقة مختلفة ذات طبيعة مغايرة، حيث تتعامل الشبكات اليوم مع الكهرباء المتقطعة، بينما ستدخل الكهرباء المستمرة على خطوط التوزيع مما يستوجب شبكات خاصة بهذا النوع من الكهرباء، وبالتالي نحتاج لاتخاذ إجراءات وأساليب جديدة في التوزيع.وهذا المؤتمر والمعرض يعالج هذه الإشكالية وكيفية التعامل مع التحول في نوع الطاقة وإنشاء الشبكة المستقبلية وصولاً إلى الحياد الصفري وخفض وسائل الطاقة الأحفورية.لكن هناك إشكالية في الطاقة النظيفة لكونها -حتى اليوم- غير ذات جدوى اقتصادية، أو تمتلك فاعلية تمكنها من أن تكون بديلاً عن الطاقة الكلاسيكية، وعلى سبيل المثال، كانت شوارع إحدى المناطق في مملكة البحرين تضاء بالطاقة الشمسية، لكن الجهة المعنية طرحت مناقصة لاستبدال شبكة إنارة الشوارع بالطاقة العادية بدلاً من الطاقة الشمسية، فلماذا تركزون على الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح رغم عدم جدواها حتى الآن؟- بعض التقنيات المعنية بإنتاج الطاقة النظيفة لم تصل إلى مرحلة النضوج أو التطبيق الكامل، وهو ما حدث في المثال الذي طرحته، حيث لم يكن المشروع بالكفاءة المطلوبة، لكننا في هذا المؤتمر نتحدث عن المدى البعيد، والتقنيات المستحدثة في الإنتاج والتخزين وكذلك الاستفادة من التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، وكل هذه التقنيات نحتاجها لتعمل معاً لتحسين ورفع كفاءة إنتاج الطاقة والتي لا تقتصر فقط على الطاقة الشمسية.وهنا أود التنويه إلى أن السوق الخاص بمنتجات الطاقة الشمسية واسع ويضم منتجات رخيصة وأخرى كالتي نستخدمها في محطات الطاقة الشمسية وهذه تنتج طاقة بمستوى عالٍ وتكلفة منخفضة وبالتالي تخفض الكلفة الخاصة بإنتاج الكهرباء بشكل عام، وتمكننا من إدخال تقنيات جديدة تسهم في فعالية تدفق الطاقة.وهل فعلياً يتم إنتاج طاقة نظيفة وتقوم الهيئة بتوزيعها وبيعها على الدول؟- نحن كهيئة مهمتنا الربط بين شبكات دول مجلس التعاون الخليجي، ولدينا حالياً في دول المجلس ما يناهز 8 آلاف ميجاوات من الطاقة الشمسية والتي تعادل ضعف استهلاك البحرين، وخلال السنوات الـ 6 القادمة سنشهد مشاريع قادمة، حيث تتجه المملكة العربية السعودية لأن يبلغ نصف إنتاجها من الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، وهذه الأمور تتم وفق دراسات محسوبة تشمل خفض التكلفة وخفض انبعاثات الكربون والتي تؤثر بشكل مباشر على التغير المناخي حول العالم.وقبل أيام تداولت وسائل التواصل الاجتماعي هطول ثلوج بمنطقة الجوف بالمملكة العربية السعودية، وهو حدث غير مسبوق في شهر نوفمبر، فضلاً عن الأعاصير والسيول التي تشهدها دول العالم ويرجع سببها إلى التغير المناخي بحسب الدراسات العلمية، ونحن اليوم في مرحلة تطويرية للتقنيات وصولاً إلى الاعتماد على الطاقة النظيفة، ونتقدم يوماً بعد آخر من خلال المعلومات والدراسات والبحوث التي نجريها بإدخال مواد جديدة وإجراء تجارب للوصول إلى أفضل إنتاج بأقل تكلفة، وهذه رحلة نقوم بها وحالياً نحن مازلنا في منتصف الطريق ونعمل للوصول إلى نهايته.اليوم تتغير الإدارة الأمريكية وتأتي بفكر صناعي لا يعترف بتأثير المناخ على العالم، فكيف ترى مستقبل الطاقة النظيفة خلال السنوات الأربع القادمة على الأقل؟- أتوقع أن يكون هناك اعتدال أكثر من الإدارة السابقة، وحتى لو كان هناك توجه مختلف إلا أن بقية دول العالم -ومن ضمنها دول الخليج العربي- تدرك أهمية خفض الانبعاثات الكربونية وتسير في الاتجاه لخفض الاعتماد على الطاقة الأحفورية واستبدالها بالطاقة النظيفة.لكن دول الخليج العربي ليست في حاجة للاستغناء عن الوقود الأحفوري الذي يتوفر لديها بكثافة ولا يمثل تحدياً في استيراده مثل نسبة كبيرة من دول العالم، فلماذا تضع دولنا الطاقة النظيفة ضمن أولوياتها – ولو على الأقل في تلك المرحلة – رغم عدم الحاجة لمثل هذه الخطط؟- رغم توفر النفط في بلداننا، إلا أننا نرى ارتفاعاً سنوياً في استهلاك الكهرباء بنسبة كبيرة، حيث سجلت بعض الدول العام الماضي ارتفاعاً في الطلب على الطاقة الكهربائية بنسبة تتراوح ما بين 4-8%، وإذا ما استمر هذا الطلب المتنامي فسوف يؤدي إلى استهلاك الوقود الأحفوري الذي يمثل المصدر الرئيس للدخل في دول الخليج حيث يسهم بنسبة 80-90% من مصادر الدخل للدول الأعضاء، وفي تلك الحالة سنستخدمه كله في توليد الطاقة الكهربائية، وسيكون له تأثير على الناتج القومي، ولذلك وضعت الدول الخليجية استراتيجية لخفض الاعتماد على النفط في إنتاج الكهرباء والاتجاه إلى المصادر الأخرى مثل الطاقة النووية والشمس والرياح.هذا ما كنت أود السؤال عنه بشأن طاقة الرياح، فلئن كانت المنطقة تحظى بشمس مشرقة على مدار العام، إلا أن الرياح تكاد تكون منعدمة، فهل سيكون لهذا النوع من إنتاج الطاقة مكاناً في منظومة الإنتاج الخليجي النظيف؟- بحسب الدراسات التي أجريت فهناك عدة مناطق لديها القدرة على إنتاج الطاقة النظيفة من الرياح، ومنها على سبيل المثال سلطنة عمان وبعض المناطق في دولة الإمارات العربية المتحدة ومناطق في المملكة العربية السعودية، وتتميز المناطق التي شملتها الدراسة باستمرارية الرياح فيها، وهو أمر أساسي في إنتاج الطاقة من الرياح لتكون ذات جدوى، وربما في السابق أنشئت بعض المحطات التجريبية، إلا أن دولة الإمارات العربية المتحدة شرعت في تنفيذ مشروعها، حيث أعلنت في مناقصة عن إنشاء أول محطة إنتاج للطاقة من الرياح.وماذا عن الطاقة النووية حيث بدأت دول في المنطقة تفكر في استخدامها لإنتاج الكهرباء بالتزامن مع ارتفاع الطلب؟- بالفعل فقد قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بإنشاء أول محطة طاقة نووية في منطقة الخليج العربي والعالم العربي وهي محطة براكة بمنطقة الظفرة، وقد بدأت الوحدة الأولى من المحطة عملياتها التجارية في أبريل 2021، كما بدأت العمليات التجارية للوحدة الثانية في مارس 2022، وتم ربط الوحدة الثالثة من محطة براكة بالشبكة الكهربائية في أكتوبر 2022، وبدأت عملياتها التجارية في فبراير 2023، ومن المقرر أن تدخل الوحدة الرابعة حيز التشغيل خلال السنوات القادمة، وتتجاوز الطاقة الإجمالية لها 5600 ميجاوات وهو يمثل 125% من إنتاج البحرين، واليوم تجري المملكة العربية السعودية مباحثات للدخول في إنتاج الطاقة النووية.أساس استراتيجيتنا هي تأمين الطاقة باعتبارها أمناً قومياً ولتحقيق هذا الهدف يجب علينا تنويع مصادر الطاقة، فلا يمكن أن نحصر الاعتماد على مصدر واحد، وفيما حدث بدولة ألمانيا مؤخراً مثال على ذلك، حيث كانت تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 50% لإنتاج الطاقة الكهربائية، وبعد النزاع الروسي الأوكراني حدث خلاف سياسي أدى لانقطاع الإمدادات الروسية لأوروبا وبالأخص ألمانيا، مما تسبب في مشاكل كبيرة خاصة بتوفير الطاقة للمواطنين واضطرت ألمانيا لإعادة تشغيل محطات قديمة لا تتمتع بالكفاءة كانت قد خرجت من الخدمة، وتسبب ذلك في رفع الكلفة على المستهلك، ولذلك فإن تنويع مصادر الطاقة يعتبر أمناً استراتيجياً للدول.إن اعتمادنا على الوقود الأحفوري في منطقة الخليج كان يمثل 100%، واليوم بدأنا إدخال مصادر الطاقة المتجددة والنووية، ولو تأثر أحد المصادر فالبقية موجودة، وهذا يمنحنا أمن أكثر.السؤال الذي يهم كل مستهلك وكل مواطن سواء في الخليج أو العالم العربي أو العالم أجمع، هل يمكن أن تعود أسعار الكهرباء إلى الانخفاض مرة أخرى مع وجود تقنيات وبدائل متنوعة، وهل للهيئة دور في ذلك؟- الهيئة ليس لها دور في تحديد أسعار التعرفة الخاصة بالكهرباء، ولكن مساهمتنا توفر التكلفة على الدول، سواء التكلفة الاستثمارية أو تكلفة الوقود، وبالتالي فلدى الدول الفرصة لإدارة شبكاتها بكلفة منخفضة، وبالتي تخفض من فاتورة استهلاك الوقود، وفي المقابل فلابد أن تكون لكل دولة خطتها الوطنية في هذا الصدد.لكن الهيئة أيضاً لها تأثير غير مباشر على خطط الدول الأعضاء وتكلفة إنتاج الطاقة- بالفعل فنحن نوفر على الدول مجتمعة ما يتراوح بين 200-300 مليون دولار سنوياً، وهذا الوفر سببه الربط الكهربائي الذي نديره في الهيئة، وهذه الأموال ليست لمصلحة الهيئة ولكنها تعود على الدول إجمالا.التوسع في العراق والحديث عن التمدد للشبكة وصولاً إلى أوروبا، قد يفتح الآمال للوصول إلى دول أخرى أقرب مثل الدول العربية وأفريقيا، فهل هناك خطة أو استراتيجية قريبة لهذا الأمل، ولماذا أوروبا تحديدا؟- اليوم لدينا مشروع الربط مع جمهورية العراق في الجنوب والذي يعتبر المرحلة الأولى لهذا الربط وقد تتبعه مراحل أخرى للربط مع وسط وشمال العراق ومن ثم الدخول إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، وهذا يعد مساراً، كما أن لدينا دراسات للربط مع المملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية ومنها إلى اليونان ثم أوروبا وهو مسار آخر يندرج ضمن نطاق مشروع السوق العربية المشتركة للكهرباء الذي يأتي تحت مظلة جامعة الدول العربية ونحن جزء مساهم فيه بشكل كبير.مبادرات الربط هذه تجعل السوق العربية المشتركة تبدأ بعدة دول ومن بعد ذلك دول أخرى، أما «لماذا الوصول إلى أوروبا»، سواء كان عبر تركيا أو مصر وصولا لليونان ومنها لأوروبا، فالإجابة تكمن في اختلاف مواسم الطلب على الكهرباء، حيث يرتفع الطلب الأوروبي في فصل الشتاء بسبب الحاجة للتدفئة، وينخفض في المنطقة العربية بنسبة 60% وتتوفر طاقة يمكن بيعها في هذا الوقت لأوروبا، ويحدث العكس في الصيف حال توفرت لدى أوروبا كميات من الطاقة الرخيصة فيمكن شراؤها، حيث تتميز أوروبا بوجود مشاريع عملاقة للطاقة المتجددة، وتنخفض لدينا تكلفة الإنتاج في الشتاء إلى النصف بالمقارنة مع موسم الصيف، وهذا يمنحنا فرصة استثمارية أفضل وتعظيم المردود من الاستثمار.هذا يعني أن الهيئة أيضاً تدير عملية الصفقات التي تجرى بين الدول المنتجة والمستهلكة.- بالفعل تدير الهيئة الصفقات عبر منصة تجارة الطاقة للدول الست الأعضاء ونعمل على إدخال العراق فيها لتكون جزءاً منها، ونقوم بإنشاء سوق تجارية للصفقات الخاصة بقطاع الطاقة.