إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإن على فراقك يابو محمد لمحزونون، لكننا لا نقول إلا ما يرضي الله، اللهم أغفر لعبدك فاروق المؤيد وأرحمه بعظيم رحمتك وواسع مغفرتك.
لقد فقدت مملكة البحرين بل ومنطقة الخليج العربي كلها بالأمس واحدا من أغلى أبنائها، وأهم أعمدة اقتصادها الوطني على مدار أكثر من 50 عاما رجل الأعمال الكبير الوجيه فاروق يوسف خليل المؤيد، الذي استطاع أن يحفر اسمه بحروف من فخر ومن نور ومن ألق في جدار تاريخ الوطن، ويُسطّر ملحمة عظيمة على مدار أكثر من نصف قرن من النجاح الحقيقي والعمل الجاد المثمر سيتوارثها الأبناء والأحفاد، وتتحاكى به الأجيال وراء الأجيال مثلما تتحاكى عن سير العظماء في تاريخ هذا الوطن.
وفقدت أنا تحديدا "الأب الروحي" لأتذوق مرارة الفقد مرة أخرى بعد وفاة أبي رحمة الله عليه، لأن ما بيني وبين هذا الرجل العملاق خلقا وأدبا وأثرا لا يمكن أن تصفه الكلمات فعليا ولو كتبت فيه ، إن "أبو محمد" كان وسيظل أبد الدهر نعم المعلم والأب والصديق الناصح والمثل الأعلى الذي يتمنى أي شخص أن يصل إليه في نجاحه وأدبه وأخلاقه وطيبه ولينه وذكاءه ونباهته وقيادته وإدارته، لقد كان رحمة الله عليه مدرسة بل جامعة تتعلم منه كل شيء في الحياة والمجتمع والثقافة والعمل وأساليب الإدارة الناجعة.
كيف لا وقد كان رحمة الله عليه يدير أو يشارك في إدارة حوالي 40 مؤسسة وشركة ومصرفا "في نفس الوقت" جميعهم على مستوى عظيم من الحجم والتاريخ والنجاح، كيف لا والجميع يستعينون به وكأنه طوق النجاة في حال ما تعثرت أي شركة أو مؤسسة، إن اسم فاروق المؤيد على مدار نصف قرن من الزمان لم يرتبط إلا بالنجاح والتفوق، وكأنه "علامة مسجلة" مضمونة في السوق، مهما تقلبت الأحوال واشتدت الأمواج فهناك ربان دائم وقائد حكيم يقود بكل حنكة وخبرة، ودماثة خلق قبل كل هذا وبعده.
والراحل العملاق هو العلامة الأبرز للقطاع الخاص البحريني على مدار نحو 50 عاما استطاع خلالها أن يقود عددا لا حصر له من الشركات والبنوك في البحرين إلى الصفوف الأولى، وتحقيق نجاحات غير مسبوقة على صعيد الاقتصاد الوطني والخليجي، توجه بالحصول على جائزة محمد بن راشد الدولية لريادة الأعمال.
لكن النجاح لم يقتصر على كبار الشركات بل امتد إلى صغارها أيضا، وشهدت رحلته الطويلة اهتماما بالمؤسسات الناشئة فقد كان رحمه الله شديد الارتباط بصغار المؤسسات ورواد الأعمال في المملكة وهو الرئيس الفخري لجمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من اليوم الأول لتأسيسها ساعيا منذ أكثر من 13 عاما لدعم ومساندة هذه المؤسسات البحرينية عقب الأزمات الاقتصادية المتوالية التي مرت بها المنطقة والعالم أجمع، وهو ما دعاه أيضا إلى تأسيس مركز فاروق المؤيد لدعم المؤسسات الصغيرة في الجفير ثم أسس فرعه الثاني في مبنى بيت التجار "غرفة تجارة وصناعة البحرين"، إن تاريخ الراحل فاروق المؤيد إذا كان زاخرا بالنجاحات المبهرة على صعيد الشركات العملاقة التي أدارها بكل اقتدار وكفاءة وحنكة، فإن تاريخه على صعيد دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لا يقل أهمية ومساعداته التي لا حصر لها لأصحاب الشركات الصغيرة ورواد الأعمال لا تقل قيمة أبدا عن تاريخه المضيء في الاقتصاد الوطني وقيادة كبار المؤسسات والشركات والبنوك إلى النجاح الباهر.
وعلى صعيد العمل الخيري فالله وحده يشهد على هذا الرجل وكم قدم في السر والعلن من مساعدات وتبرعات لعمل الخير في البحرين، وكم مد من أيادي تحمل العطاء والحب للجميع، ودعم على مدار رحلته العديد الجمعيات الخيرية والمستشفيات ومراكز العلاج وغير ذلك، وكان أخرها تأسيس جمعية (حياة أفضل) الخيرية مع نخبة من رجال الأعمال في المملكة.
لكننا في نهاية الأمر نرضى بقضاء الله ونعزي أنفسنا ونعزي ابنائه مشاعل وهلا ومحمد ويوسف واخوانه وجميع أسرته الكرام ونقول أن الفقد للجسد فقط، أما الأثر والعمل النافع والجهد المثمر والسمعة الطيبة والتاريخ المشرف سيبقى دائما وأبدا في ذاكرة البحرين، وفي تاريخ البحرين لأن عطاء أمثال هؤلاء العمالقة الأفذاذ من أمثال الوجيه فاروق المؤيد فسوف يبقى ويبقى طويلا في ذاكرة الوطن.
ابنكم / أحمد صباح السلوم