رائد البصري
يُحكى أن أحد الآباء كان يستعد للاحتفال بزواج ولده وفلذة كبده الوحيد الذي وُلد بعد عشرين عاماً من زواجه، كل الجيران يعلمون جيداً مدى حب الأب لابنه وكيف كان مشغولاً بالتحضير لهذا اليوم السعيد.
دعا جميع أقاربه وجيرانه لوليمة الغداء، لكن لم يحضر أحد من بيت جاره الملاصق لبيته إلا الابن الصغير، حضر وخرج بسرعة من الوليمة بعد أن أكل منها القليل.
كان والد العريس يراقب المشهد، وقال في نفسه: ما هذا الجار الذي لا يقف مع جاره في هذا الموقف، ولم يكلف نفسه بالحضور ولو حتى ابنه الأكبر، أصاب والد العريس الانزعاج من جاره ومرت في ذهنه خواطر كثيرة، في تلك الأثناء لمح والد العريس حركة دخول وخروج غير اعتيادية وغريبة في بيت جاره، ولمح أحدهم وأراد أن يسأله، ولكن تذكر موقفهم السلبي فتركه، بعد العشاء واكتمال مراسيم الفرح وبعد أن غادر جميع المدعوين وعادوا أدراجهم، وإذا بجنازة تخرج من بيت جاره من غير عويل ولا صراخ ولا ضجيج، فتعجب والد العريس وهرع ليسألهم من المتوفى؟ فرد عليه الابن الكبير لجاره: إنك تعلم أن والدي مصاب بمرض خطير منذ فترة وقد توفي عصر اليوم ولكن عندما شعر بدنو أجله أقسم علينا وأوصانا بالحفاظ على الهدوء وعدم إظهار الحزن إذا وافاه الأجل؛ لتكتمل فرحتكم بولدكم لأنه يعرف مدى حبك لولدك الوحيد، وأوصانا والدي بألا تخرج الجنازة إلا بعد انتهاء العرس حتى لا تتعكر فرحتكم، هنا وقعت الحادثة كالصاعقة على والد العريس لسوء ظنه بجيرانه، وما فعله جاره بخصوص زواج ولده.
كم من الأحداث تمر علينا نسيء الظن بها، وقد نظلم شخصاً بريئاً، وبعد فترة نرى الحقيقة، فلا نستعجل بالحكم، بل من صفات المؤمن أن يلتمس العذر بل الأعذار لغيره، هكذا أُمرنا.يقول الشاعر:
باع الرجل بيته برخص التراب وهاجر، من حينا.
«يلومونني أن بعت بالرخص منزلي».. ولم يعلموا جاراً هناك ينغصُ
فقلت لهم: كفوا الملام فإنما.. بجيرانها تغلو الديار وترخص