القوة أصبحت مفهوماً شاملاً بعد أن كانت تقاس عسكرياً في الماضي
قمة الكويت أمام فرصة متجددة لمواصلة الإنجازات والدور الإقليمي والعالمي
44 قمة اعتيادية و17 تشاورية و4 استثنائية و6 مشتركة منذ تأسيس المجلس
المجلس الأعلى عزز من قوة «التعاون» في مواجهة التحديات طوال مسيرته
مجلس التعاون يتمتع بقوة اقتصادية وثقافية كبيرة وموقع جيوسياسي هام
القمة تنعقد في مشهد مليء بالتحديات والفرص على وقع تقوية سفينة المجلس
عقد مجلس التعاون منذ نشأته عام 1981 وحتى قمة الكويت اليوم، 44 قمة اعتيادية و17 قمة تشاورية و4 قمم استثنائية و6 قمم مشتركة مع رؤساء دول أخرى، كلها جسدت عمق الروابط ووحدة الصف الخليجي، ومن المتوقع أن تضيف قمة الكويت قصة نجاح إضافية، لتثبيت أركانه كمنظومة تعاونية رائدة في المنطقة، ولاعب محوري ذي ثقل سياسي واقتصادي في ترسيخ الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة والعالم، حيث اكتسب المجلس ثقة واحترام المجتمع الدولي بفضل ما ينتهجه أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس من سياسة حكيمة ومتوازنة تقوم على نهج التعاون البناء والاحترام المتبادل وحفظ سيادة ووحدة الصف الخليجي وتعزيز المصالح المشتركة وترسيخ دعائم الاستقرار.
وإذا كانت قوة الدول تقاس في الماضي بـ«القوة العسكرية»، فالدولة القوية عسكرياً هي الدولة القادرة على حماية حدودها، أو مهاجمة دولة أخرى لكى تفرض عليها شروطها والاستيلاء على ثرواتها، وترهيب الدول الأخرى بقوتها العسكرية حتى لا تفكر في الاعتداء عليها، وهو ما يطلق عليه الردع، فإن مفهوم القوة يقاس في الوقت الحاضر بالمفهوم الشامل الذي يجمع القوى العسكرية والسياسية والاقتصادية والجيوستراتيجية والبشرية والثقافية «القوى الناعمة» وغيرها.
ويمتلك مجلس التعاون قوة اقتصادية عالمية فضلاً عن موقع جيوسياسي متميز وقوة ناعمة تنبثق من أدوارها الثقافية والإنسانية، ويسعى أعضاؤه إلى تعزيز قوة المجلس من خلال الطفرة الشاملة التي تشهدها دوله ومجتمعاته فيما يتعلق بمشاريع التنمية المستدامة في كافة المجالات، بغية الارتقاء بها وجعلها في مصاف الدول المتقدمة، من خلال والتوظيف الأمثل للثروات الطبيعية، وجعل المواطن الخليجي محوراً وهدفاً رئيسياً ومشاركاً فاعلاً في كافة جهود التنمية، من خلال تأهيله وتسليحه بالعلم والخبرات العملية التي تواكب متطلبات العصر الحديث وبما يعود بالنفع على دوله بالخير والنماء.
ومنذ انعقاد القمة التأسيسية الأولى في مدينة أبوظبي عام 1981، استطاع أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون ترجمة المبادئ والأهداف الطموحة للمجلس وتحويلها إلى واقع ملموس، عبر سلسلة من الإنجازات على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، تحت مظلة روح التعاون والإيمان بالمصير المشترك، والذي شكل الأساس الصلب للبيت الخليجي الكبير، وعزز من قوته في مواجهة مختلف التحديات الإقليمية والدولية التي مر بها العالم.
وحرص أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون، على دعم مسيرة العمل الخليجي المشترك لتعزيز التعاون المشترك، وصولاً للتكامل المنشود في كافة المجالات، واتخذت دول المجلس خطوات مدروسة تهدف لتنسيق وتوحيد سياساتها واستراتيجياتها لبلورة إطار عمل جماعي يلبي طموحات وتطلعات شعوبه ويعكس قوة ونفوذ الدول الأعضاء.
وفي ظل وضع إقليمي وعالمي يموج بالتحديات على مختلف الأصعدة الأمنية والسياسية والاقتصادية والبيئية، الأمر، يواصل المجلس الأعلى تعزيز دور المجلس وأهميته في الإقليم والعالم، باعتباره الإطار الأكثر فعالية في التعامل مع مختلف التحديات، وتحصين أمن واستقرار دول المجلس، وصون ودعم مسيرة التعاون وحماية مكتسباتها، والتعاطي مع مختلف القضايا والملفات الإقليمية والدولية ذات الأهمية وفق رؤية موحدة تكفل حماية مصالحه.
وتأتي قمة الكويت في مرحلة دقيقة تمر بها المنطقة والعالم بأسره، حيث تتزايد التحديات وتتفاقم الأزمات مما يستدعي الوقوف صفاً واحداً والعمل بروح المسؤولية المشتركة لمواجهتها، حيث تتطلب الأخطار المحدقة بالأمن والاستقرار الإقليمي تنسيقاً ومواقف موحدة لمواجهة التهديدات المتصاعدة في المنطقتين الخليجية والعربية، وهنا يقف مجلس التعاون أمام فرصة متجددة لمواصلة البناء على ما تحقق من إنجازات ورسم دور إقليمي وعالمي مؤثر عبر قرارات ومخرجات تعزز الاستقرار والازدهار في الحاضر والمستقبل.
ويكمن نجاح النموذج التكاملي الخليجي، في ارتكازه على رؤية واضحة وأهداف مرحلية تسعى إلى تحقيق النماء والتقدم في مختلف المجالات، وبما يرتقي بحياة شعوب دول المجلس، ويجعله في مصاف الدول المتقدمة، وذلك في إطار العمل على تنفيذ توجيهات وتطلعات أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، من أجل بلوغ الأهداف المرجوة والتي نص عليها النظام الأساسي للمجلس.
وحقق مجلس التعاون الخليجي الكثير من الإنجازات، الاقتصادية والتجارية والصحية والتعليمية، فضلاً عن الإنجازات الأمنية والعسكرية، في إطار توحيد الأنظمة والقوانين في مجال الأمن والتعليم والصحة والتأمينات والتقاعد والتجارة والزراعة والصناعة والاستثمار وتداول الأسهم وفي المجال العدلي والقانوني وتملك العقار.
ويتطور دور المجلس والأمانة العامة يوماً بعد يوم، وما يحققه من إنجازات، بما ينعكس بالإيجاب على تقوية دوره الكبير في العلاقات الإقليمية والدولية. وهذا لا يتحقق دون وجود إرادة لدى قادة دول المجلس، وإيمانهم بأهمية التعاون الخليجي وتحقيق المصالح المشتركة لشعوبهم.
وإضافة إلى مبادرات تعزيز القوة الاقتصادية والعسكرية والثقافية، اتجه مجلس التعاون الخليجي إلى عقد شراكات مع عدد من المنظومات، مثل: عقد قمة مشتركة مع دول الاتحاد الأوروبي مؤخراً وقبلها قمة مع دول آسيا الوسطى وسبقتها قمة مع دول «الآسيان» ومع الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وكلها ترسخ قوة ودور مجلس التعاون وأعضاءه، وتساعده على إبراز دوره في معالجة القضايا الإقليمية والعالمية.
ويظهر مجلس التعاون دائماً في مقدمة الركب، في حل قضايا المنطقة ومساعدة الدول العربية، ومن الأمثلة على ذلك قيام المملكة العربية السعودية بالتعاون مع مملكة النرويج والاتحاد الأوروبي بإطلاق مبادرة لتطبيق حل الدولتين، التي بدأت تأخذ طريقها في حشد التأييد الدولي للاعتراف بدولة فلسطين، بعد مساندة أشقائها من أعضاء المجلس للمبادرة السعودية.
وفي إطار الشراكات الدولية أيضاً ناقش قادة دول مجلس التعاون خلال قمتهم مع قادة الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل 16 أكتوبر الماضي، سبل تجنب «حرب شاملة» في الشرق الأوسط، وضم جدول الأعمال مواضيع تتعلق بالتجارة والطاقة والبيئة، في إطار مساعي الطرفين لتعزيز الاستقرار والازدهار، باعتبار الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون، وما زالت المحادثات بشأن اتفاقية للتجارة الحرة جارية بينهما.
وفي ظل مشهد القوة وتحولات المفهوم من العسكري إلى الشامل، تأتي قمة الكويت في مشهد إقليمي وعالمي جديد بات مليئاً بالتحديات والتهديدات والفرص على حد سواء، مما يفرض تقوية سفينة المجلس وإدارة دفتها نحو وجهة تناسب مصالح وأمن المجلس وأعضاءه.