لاتزال صورة المرأة البحرينية صاحبة «البوشية» وهي تمشي في الأزقة القديمة، عالقة بالأذهان ضمن نسيج ذكريات الماضي الذي يحمل عبقاً أصيلاً تزيّنت به كتب التاريخ، إذ تميّزت بوجودها القوي ورونق حضورها وأصالتها رغم مرور السنين، وها هي اليوم تضيف على جمالها نجاحاً وتألقاً، بتحقيق الرؤية السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، وبدعم مستمر من صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، قرينة جلالة الملك المعظم، رئيسة المجلس الأعلى للمرأة. ونتيجة لما توليه مملكة البحرين من اهتمام كبير بالمرأة وفق هذه الرؤية الملكية السامية والدعم الكبير، نرى اليوم المرأة البحرينية قد تربّعت على قمة مراكز مهمة تفتخر بها مملكة البحرين محلياً وعالمياً، فتعزّزت مكانتها المجتمعية، إذ لعبت دوراً عظيماً في جميع المجالات العلمية والعملية وأكثرها تحدياً وهي المجالات الإنسانية، ولهذا الدور العظيم كان لزاماً أن تُكرّم المرأة اليوم على ما حققته من إنجازات رائعة أثبتت من خلالها أنها تستحق الريادة بكل جدارة.
البحرينية.. الأولى دائماً
بداية العلم والتعليم كانت مسؤولية المرأة البحرينية، فجاءت مريم الزّياني لتصبح أول معلمة بحرينيّة تقوم بتدريس البنات، وكان المنهج الدراسي قائماً على تدريس القرآن الكريم، ومبادئ الدين الإسلامي، والقراءة، والكتابة، والحساب، والخياطة، والرّسم والشؤون المنزليّة.
ثم انطلقت المرأة البحرينية في أول بعثة للتعليم العالي بالخارج عام (1956)، فتم ابتعاث 3 طالبات من خريجات الدفعة الأولى من المرحلة الثانوية إلى كلية بيروت للبنات، هن منيرة أحمد فخرو، ومي إبراهيم العريض، وصفية محمد دويغر، وتمكّنت الطالبات الثلاث بالإضافة إلى رابعة وهي أمل إبراهيم الزياني من مواصلة دراساتهن العليا حتى وصلن إلى درجة الدكتوراه. وقد عملت أمل الزياني بعد ذلك في السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية، وتدرجت صفية دويغر في مناصب إدارية عدة بوزارة التربية والتعليم، وانخرطت كل من منيرة فخرو، ومي العريض في مجال التعليم الجامعي. ولم يقتصر الأمر على العلم والتعليم، لكن المرأة البحرينية برزت بقوة في قطاعات أخرى، واستطاعت أن تنجح وتُثبت وجودها فيها، فكانت منى جاسم محمد الكواري أول قاضية بحرينية، والشيخة هيا راشد آل خليفة أول سفيرة يتم تعيينها من قِبل مملكة البحرين، وندى عباس حفاظ أول وزيرة في مجلس الوزراء البحريني عندما تم تعيينها وزيرة للصحة في عام 2004، إضافة إلى دورها الرائد في الإعلام، وموزة الزايد أول بحرينية وخليجية تساهم بكتابة المقالات في جريدة والدها «البحرين».
«الأعلى للمرأة.. دور مميّز وعريق
تأسس المجلس الأعلى للمرأة في 22 أغسطس 2001 بموجب الأمر الأميري رقم (44) لسنة 2001، والذي تمّ تعديله لاحقاً بالأمرين الأميريين رقم (55) لسنة 2001 و(2) لسنة 2002، إضافة إلى الأمر الملكي رقم (36) لسنة 2004. ويُعتبر تأسيس المجلس خطوة مهمة في مسيرة التنمية الشاملة التي شهدتها البحرين، حيث يجسّد الرؤية الثاقبة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، في تعزيز مكانة المرأة البحرينية وتوفير الدعم اللازم لها لتواصل تقدّمها في كافة المجالات. ويُعدّ إنشاء المجلس الأعلى للمرأة علامة فارقة في العمل النسائي، حيث تمّ بناؤه على خلفية من الخبرة والنشاط النسائي الأهلي الذي استمر لأكثر من ستة عقود.
ويتميّز المجلس بأنه المؤسسة الرسمية المعنية بشؤون المرأة في البحرين، ليكون مرجعية رسمية لجميع مؤسسات الدولة. وقد أُتيحت له صلاحيات واسعة ومسؤوليات كبيرة في متابعة تقدّم المرأة البحرينية وضمان حقوقها، بما يُعزّز مبدأ تكافؤ الفرص ويُسهم في تحقيق التوازن بين الجنسين على المستوى الوطني.
يترأس المجلس الأعلى للمرأة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، قرينة ملك مملكة البحرين المعظم. ويضمّ المجلس كلاً من نائبة رئيسة المجلس الأعلى للمرأة الدكتورة الشيخة مريم بنت حسن آل خليفة، والأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة لولوة العوضي. كما يضم المجلس عدداً من الشخصيات البارزة، مثل رئيسة مجلس تنظيم مزاولة المهن الهندسية مريم أحمد جمعان، وعضو المجلس الأعلى للمرأة هدى الشروقي، وعميدة كلية الهندسة بجامعة البحرين الدكتورة الشيخة هيفاء بنت إبراهيم آل خليفة. ويضمّ المجلس أيضاً رئيسة اللجنة النسائية في الاتحاد البحريني لكرة القدم الدكتورة الشيخة حصة بنت خالد بن عبدالله آل خليفة، والرئيس والمالك لشركة الزياني للخدمات التجارية أفنان الزياني، ومدير عام الإدارة العامة للشرطة النسائية اللواء منى عبدالرحيم. ووكيل وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف للتخطيط والتوفيق الأسري والنفقة دانة الزياني، ووكيل محكمة التمييز القاضية معصومة عيسى، والمدير العام لمعهد الإدارة العامة الدكتورة الشيخة رنا بنت عيسى آل خليفة.
إلى جانب هؤلاء، يشارك في المجلس عضو المجلس الأعلى للمرأة د.بهية الجشي، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة بحرين ترست للعمل الخيري د.فاطمة البلوشي، والرئيس التنفيذي لمؤسسة إنجاز البحرين سمو الشيخة حصة بنت خليفة آل خليفة.
كانت ومازالت هنا
تسعى دائماً المرأة البحرينية إلى تحقيق النجاحات البارزة في مختلف المجالات، مما يعكس دورها المحوري في مسيرة التنمية الشاملة التي تشهدها المملكة. فقد أثبتت المرأة قدرتها على القيادة والإبداع في المناصب الوزارية، حيث تمّ تكليف عدد من السيدات بتولي وزارات مهمة، مما يعكس الثقة الكبيرة في قدراتهن وكفاءتهن. من بين هؤلاء السيدات، روان توفيقي التي تمّ تعيينها وزيراً لشؤون الشباب، ونور الخليف التي تولّت وزارة التنمية المستدامة. كما تمّ تكليف فاطمة الصيرفي وزيراً للسياحة، وآمنة الرميحي وزيراً للإسكان والتخطيط العمراني، إضافة إلى د.جليلة جواد التي تمّ تعيينها وزيراً للصحة، إضافة إلى ذلك، تساهم الرئيس التنفيذي لصندوق العمل «تمكين» مها مفيز بدور محوري في تعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة البحرينية، مما يعكس الريادة المستمرة للمرأة في شتى مجالات الحياة السياسية والاجتماعية في المملكة.
ومن خلال المناصب الرفيعة التي تشغلها المرأة البحرينية في مؤسسات الدولة، برزت أيضاً في مجلس الشورى، حيث تتولّى الكفاءة العالية مسؤوليات كبيرة، مما يعكس الدور الفاعل الذي تلعبه المرأة في صناعة القرار. فمن بين هؤلاء، النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى د.جهاد الفاضل، ورئيس لجنة الشؤون التشريعية والقانونية دلال الزايد، ورئيس لجنة الخدمات د.جميلة السلمان. كما تترأس لينا قاسم لجنة شؤون المرأة والطفل، بينما تشغل إجلال بوبشيت منصب نائب رئيس لجنة شؤون المرأة والطفل. إضافة إلى ذلك، نجد كلاً من د. إبتسام الدلال، وسبيكة الفضالة، ود.فاطمة الكوهجي، ونانسي خضوري، وهالة رمزي كعضوات في مجلس الشورى، مما يعزّز حضور المرأة البحرينية في الحياة السياسية ويُسهم في اتخاذ القرارات التي تخدم مصلحة الوطن والمواطنين.
هذه التعيينات هي دليل على التقدّم المستمر للمرأة البحرينية في شتى القطاعات، وتؤكد على أن المرأة البحرينية قادرة على تقديم الإسهامات الكبيرة لتحقيق التنمية المستدامة في المملكة.
وحظيت المرأة بثقة الرجل البحريني ليختارها ممثلاً عنه في مجلس النواب من مختلف الدوائر في المملكة، فاستطاعت أن تُساهم بشكل كبير في تطوير التشريعات واتخاذ القرارات التي تصبّ في مصلحة الوطن والمواطنين. واليوم لدينا في المجلس المنتخب نائبات متميّزات، فمن محافظة العاصمة، تشغل النائب إيمان شويطر منصب النائب عن الدائرة العاشرة، والنائب جليلة السيد عن الدائرة الثامنة، والنائب زينب عبدالأمير عن الدائرة السابعة. وفي المحافظة الشمالية، تمثّل النائب باسمة مبارك الدائرة الحادية عشرة، والنائب حنان فردان الدائرة الثانية عشرة، والنائب مريم الصائغ الدائرة الخامسة. كما تمثّل النائب مريم الظاعن محافظة الجنوبية عن الدائرة الثانية، والنائب لولوة الرميحي محافظة الجنوبية عن الدائرة العاشرة.
وتواصل المرأة البحرينية تحقيق التميّز في مختلف المجالات الدبلوماسية والإدارية، حيث تتولّى العديد من المناصب القيادية. فمن بين هؤلاء، رئيس قطاع الشؤون الآسيوية والمحيط الهادئ منيرة الدوسري، ومدير إدارة الشؤون الأكاديمية اليازية عبدالملك. كما تتولّى السفيرة الدكتورة الشيخة منيرة بنت خليفة بن حمد آل خليفة منصب المدير العام لأكاديمية محمد بن مبارك آل خليفة للدراسات الدبلوماسية، والسفيرة فاطمة الظاعن، مدير عام للتعاون الدولي. وأيضاً السفيرة د.أروى إبراهيم، رئيس قطاع شؤون حقوق الإنسان، والسفيرة نانسي جمال، رئيس قطاع الشؤون الاستراتيجية، بالإضافة إلى السفيرة إيمان مطر، مدير إدارة التطوير المؤسسي، والسفيرة رنا علي، مدير إدارة نظم المعلومات. ومريم المناعي، رئيس قطاع الاتصال، في تعزيز التواصل المؤسسي.
ومن خلال مشاركتها الفاعلة في المؤسسات الحكومية، والدبلوماسية، والقطاع الخاص، تواصل المرأة البحرينية تحقيق الإنجازات التي تُسهم في دفع المملكة نحو التقدم والازدهار. فقد أثبتت البحرينية أنها قادرة على قيادة عملية التحول والتنمية المستدامة، مع تعزيز دورها في صياغة السياسات واتخاذ القرارات التي تخدم مصلحة الوطن والمواطن.
إن البحرين، بفضل جهود المرأة الطموحة، تستعد لدخول مرحلة جديدة من التقدّم والابتكار، حيث تواصل المرأة البحرينية إلهام الأجيال القادمة وفتح آفاق واسعة من الفرص والتحديات التي تسهم في بناء مستقبل مشرق لأبناء البحرين، فحق علينا أن نحتفي بها كل يوم.