د. سعود العماري

أصبحت مملكة البحرين، بتاريخها العريق وثقافتها الغنيّة، نموذجاً يُحتذى به في الحفاظ على التراث بفضل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله.

فقد شهدت المملكة العديد من المبادرات في مجال إعادة التأهيل والترميم والحفاظ على المواقع التاريخية الأيقونية، والتي عكست التزام مملكة البحرين في الحفاظ على إرثها الثقافي وصونه للأجيال القادمة.

انطلقت مسيرة الحفاظ قبل أكثر من عقدين بإعادة تأهيل وترميم معالم بارزة في المملكة مثل قصر الصخير التاريخي، وقصر الضيافة في القضيبية، وقصر عيسى الكبير المعروف باسم بيت الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، وبيت الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة في المحرق.

هذه المعالم التي كانت شاهدة على حقبة تاريخية ماضية مهمة في البلاد، أصبحت اليوم شامخة وجميلة، تجسد الاحترام العميق من شعب مملكة البحرين الأبيّ لتراثهم الثقافي وارتباطهم به.

ولعلّنا نلمس انعكاس هذا الارتباط في أمكنة مختلفة من المملكة، فقد شهدت مدينة المحرق، جوهرة التاريخ البحريني، جهودًا استثنائية ضمن هذه الرؤية الطموحة.

حيث تم إدراج مسار اللؤلؤ ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة -اليونسكو - في العام ٢٠١٢ كشاهدٍ تاريخيّ على تراث اقتصاد اللّؤلؤ الذي يعود إلى آلاف السّنين، ولأهميّته العالميّة كموردٍ اقتصاديّ، ومؤثّر في النّظام الاجتماعيّ، وهو مسار ثقافي بطول3.5 كيلومتر يعكس تاريخ تجارة اللؤلؤ في مملكة البحرين ويرتبط بالإرث الفريد لعصر صيد اللؤلؤ في مملكة البحرين، من خلال العمارة والتراث الحضاري لمدينة المحرق القديمة ، ويُعد هذا الاعتراف العالمي شاهداً على نجاح مملكة البحرين في الحفاظ على تراثها المادي والمعنوي ليبقى إرثاً نفخر به أمام العالم.

وتُكمل هذه الجهود مساهماتٌ متميزة من صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة ملك البلاد المعظم رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، برؤية ثاقبة وتوجيه كريم من سموها، حيث قامت بتوجيه مجموعة حنين المتخصصة في هذا المجال لترميم عدد كبير من بيوت المحرق، فأعادت لها بريقها وفتحتها للجمهور، لتصبح بذلك قدوة حسنة للبحرينيين المخلصين للمضي قدماً على خطى سموها الكريم.

ومن الشخصيات المشهود لها بالكفاءة في هذا المجال والتي حظيت بدعم من صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة ملك البلاد المعظم رئيسة المجلس الأعلى للمرأة منذ البداية، معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، التي عملت بجد لإعادة تأهيل مجموعة من المنازل التاريخية في المحرق.

وقد تضافرت هذه الجهود لاحقاً بدعم سخي من حكومة البحرين، لترميم سوق القيصرية في المحرق، وإنشاء بنية تحتية ضرورية، مثل مواقف السيارات، وبناء مركز للفنون والموسيقى، الذي أصبح اليوم مركزاً ثقافياً للفن والإبداع في البحرين.

ولا تقتصر جهود المملكة في الحفاظ على التراث على مدينة المحرق فحسب، بل شملت مواقع بارزة أخرى مثل قلعة بو ماهر، وقلعة عراد، إضافة إلى قلعة البحرين، وقلعة الشّيخ سلمان بن أحمد الفاتح والشّهيرة باسم قلعة الرّفاع، والتي أعيد ترميمها جميعاً لتقف شامخة شاهدة على تاريخ مملكة البحرين المعماري القديم.

كذلك تمّ ترميم مسجد الخميس، أحد أقدم المساجد التاريخية في المنطقة، ليُجسّد التزام مملكة البحرين بحماية معالمها الدينية والثقافية. وهنا، نوجّه تحيّة تقدير إلى سعادة الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار، الذي يعمل بشغف وطموح كبيرين مع فريق من المختصين لإعادة تأهيل وترميم المباني والمعالم التاريخية في مملكة البحرين.

إن هذه الرؤية الوطنية في الحفاظ على التراث تتجلّى أيضاً على صعيد المجتمع المحلي، حيث استلهم المواطنون البحرينيون منها وشاركوا بدورهم في جهود الترميم.

ومن الأمثلة البارزة على ذلك المعماري المحرّقي القدير أحمد بوجيري، الذي أشرف على ترميم مجموعة من البيوت في المحرق، ومنها بيت حنين سدرة، الذي فتح أبوابه مؤخراً للجمهور، ويضم تحفاً رائعة تحتفي بتاريخ البحرين.

بالإضافة إلى ذلك، يُعد بيت العلوي إضافة مهمة إلى نهضة المحرق الثقافية وإحياء تجارة اللؤلؤ في الماضي.

كما توجد مجموعة كبيرة من البيوت والمواقع التراثية المعروفة، لا يتسع المقال لذكرها جميعاً، ومن أبرزها: بيت مطر، وبيت سيادي، وبيت جمشير، وبيت يوسف فخرو.

وتُظهر ليالي المحرق السنوية، التي انطلقت في نسختها الثالثة قبل أسبوع، جمال هذه الجهود في الترميم. حيث تتحول المدينة إلى مركز ثقافي نابض بالحياة بفضل الاحتفالات والفعاليات المستمرة، والأنشطة الترفيهية المتعدّدة والممتدّة على طول مسار اللؤلؤ، كالمقاهي، والمعارض الفنيّة، والعروض الموسيقيّة التي تُضفي أجواءً احتفاليّةً تجمع بين الماضي المجيد، والحاضر المتألّق.

وفي اليوم الوطني لمملكة البحرين، نفتخر بهذه الإنجازات العظيمة والجهود الجبّارة التي يقودها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وبدعم كبير من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، الذي يدعم ويرعى هذه المبادرات الحكومية والمجتمعية، ومجموعةً من المسؤولين والمواطنين المخلصين، لضمان استمرار تألّق كنوزنا الثقافية كرموز للوحدة والتاريخ والتقدّم.

كما نترقب بحماس إعادة تأهيل سوق المنامة القديم بالقرب من باب البحرين ونتطلع إلى عودة هذا السوق التاريخي ليبهر روَاده بروحه النابضة وجماله الذي يعكس أصالة مملكة البحرين.

إن اليوم الوطني هو فرصة للتأمل في هذه النجاحات، والإعجاب بجمال معالمنا المُرمّمة، والاحتفاء بالقلب الثقافي والتاريخي لهذه المملكة العظيمة.

كل عام والبحرين بخير، وليستمر إرثها العريق مصدر إلهام للأجيال القادمة بإذن الله تعالى.

* كاتب وباحث مهتم بالتراثالعمراني في منطقة الخليج العربي