أميرة صليبيخ

مازلت أذكر ذلك اليوم جيداً في عام 1988. كانت الساعة تشير إلى السابعة وخمسين دقيقة مساء عند دخولي لأول مرة في حياتي إلى مكتبة دار الحكمة الملاصقة لمنزل جدتي برفقة أبناء خالتي (الأشقياء الثلاثة) كما أحب أن أسميهم. كنت مبهورة وأنا أتجول في أركان المكتبة، أتأمل في ألوان الأغلفة وأتصفح القصص المختلفة ولكن للأسف لم تمضِ سوى دقائق حتى أعلن صاحب المكتبة أنها الآن الساعة الثامنة وقد حان موعد الإغلاق.

خلال العشرين ثانية اللاحقة حدث ما لم يكن في حسبان أحد حتى نفسي. لم أفكر كثيراً، وتسللت على غفلة من الجميع واختبأت داخل المكتبة، ولم أطمئن إلا بعد سماع صوت القفل معلناً حبسي! فقد كنت أحتاج أن أكمل القصة المشوقة التي كنت قد شرعت في قراءتها.

أعدت تشغيل الإضاءة وشرعت في الجلوس على الأرض لإكمال مغامرة أليس التي رأت أرنباً يرتدي ملابس فاخرة ينظر إلى ساعته ويقول: «لقد تأخرت كثيراً على الملكة». أدهشتني القصة وأردت أن أعرف ما قصة أليس هذه؟ وما السر وراء هذا الأرنب الناطق الأنيق؟ في هذه اللحظة فُتح باب المكتبة ورأيت أبي يظهر أمامي برفقة صاحب المكتبة والأشقياء الثلاثة وسمعت زئيراً لم أسمعه من قبل. لقد كان زئير الفرحة بعثورهم عليّ، وكانوا يسألون عن سرّ اختفائي، لقد كنت في جنة الدنيا!

عدت إلى منزل جدتي خائبة الرجاء لفساد ليلتي الحالمة، وعندما رأتني أمي وعلمت الأمر أدركت حينها شغفي الشديد بالكتب، فتعهّدت على أخذي شهرياً لشراء ما يحلو لي من الكتب. ووفت بوعدها.

أقول اليوم بعد مضي ثلاث وثلاثين عاماً على هذه الحادثة، إن تلك الليلة كانت من أجمل ليالي حياتي رغم قصرها، وإن خطوة جريئة مثل هذه كانت كفيلة بلفت أنظار أهلي لعشقي المبكر للقراءة. وأقول لأمي التي نمّت في حب القراءة منذ أن كان بذرة صغيرة: أماه لقد كبرت هذه البذرة وآتت أُكُلها بإصداري لعدد من الكتب، وعلى الرغم من أنكِ لم ولن تقرئيها لأنك تحت التراب، وأقول إن دخولي للمكتبة في ذلك اليوم لم يشبه الخروج منها أبداً، فارقدي يا أماه بسلام لحين ألقاكِ وأقرأ عليك كتابي.

وأقول لجميع الأمهات، دائماً تلمّسوا اهتمامات أطفالكم وخذوا بأيديهم، فالتعليم في الصغر هو الأساس الذي تُبنى عليه جميع سنواتهم اللاحقة حتى الممات.