أ. د. فيصل الملا
عندما هممت بكتابة هذا المقال حول فوز منتخبنا الوطني ببطولة «خليجي 26» نازعتني أفكارٌ عدة حول المحاور التي ينبغي التطرق لها، ومثل هذه الصورة من نزاع الأفكار لا أحبها كثيراً وفي بعض الأحيان يصيب الكاتب إفلاساً معنوياً، ولذا وجهت قلمي للكتابة حول الليلة الاستثنائية التي عاشتها المدن والقرى البحرينية، ابتهاجاً بفوز المنتخب البحريني باللقب الخليجي للمرة الثانية في تاريخه.
إنما كيف أعبر عن سيول وفيضانات المشاعر بقطرات الحروف؟ هل أبدأ بالمشاهد المبكية والمفرحة التي لا تعد ولا تحصى ما بين هدف التعادل لمحمد مرهون وهدف الفوز له أيضاً. أم أبدأ بمظاهر الأفراح والاحتفالات التي عمت شوارع محافظات البحرين بعد إطلاق الحكم القطري- الذي أدار المباراة بامتياز- صافرة انتهاء المباراة، والتي على أثرها انطلقت مسيرات الفرح في الطرقات والشوارع الرئيسية، ورفعت السيارات أعلام البحرين، ودوت الأهازيج والأغاني الوطنية في مختلف أرجاء البلاد، ابتهاجاً بالإنجاز الكبير الذي حققته الكرة البحرينية، بعودتها إلى منصات التتويج، وحصد اللقب الثاني في تاريخها، وأيضا تثمينا للمستوى المشرف الذي قدمه لاعبو المنتخب البحريني، والروح الانتصارية التي تحلّوا بها من أجل إسعاد قياداتهم وشعبهم، وإهدائه الكأس؟
والله تعجز الكلمات عن وصف هذه الفرحة، دموع فرح نزلت من عين كل بحريني جالس أمام التلفاز، وكل بحريني تسابق بالسفر للكويت لحضور المباراة داخل الإستاد، يلبس الأحمر ويحمل في يديه وقلبه علم البحرين. ففي البيوت البحرينية اختلطت الصرخات فيه «باليباب»، وامتزجت الدموع بالضحكات وخرج الأطفال والرجال والنساء للاحتفال جميعاً بالتتويج البحريني، وسط أجواء من السعادة أعادت إلى الأذهان احتفالاتنا الوطنية، لقد كان الفرح بحرينياً بامتياز من شمال البحرين إلى جنوبها، من غربها إلى شرقها.
إن مظاهر توافد البحرينيين في مباراة البحرين وسلطنة عُمان في النهائي الخليجي غير المسبوق أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الرياضة على وجه العموم وكرة القدم على وجه الخصوص واحدة من الرياضات التي تعزّز الانتماء الوطني في نفوس المواطنين، وتجعلهم على قلب رجل واحد، فكانت الهتافات موحدة والجميع يرتدي الأحمر والأبيض، جاءوا من كل مناطق البحرين من مدنها وقراها، بكل تلاوينهم، رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً، عبّروا عن حبهم وانتمائهم لهذه الأرض الطيبة.
أن هذه الدورة من كأس الخليج قد أكدت للجميع أن مكانة البحرينيين عند أهل الخليج عالية لا تضاهيها أروع الصور وأبلغ الكلمات، لأول مرة يفرح المهزوم بالمنتصر، وهذا حصاد ما زرعه أهل البحرين بأخلاقهم وطيبتهم وكرمهم وحبهم للناس. ولا يختلف اثنان في الخليج على وصف البحرين وأهلها بهذه الأوصاف. حتى الذي لم يكن قد زار المنامة والمحرق أو سارت به قدماه قبالة سواحلها، أو شم تراب نخيلها، للبحرين مكانة مختلفة ومميزة في قلوب الخليجيين، ولو سألت واحداً منهم اليوم وقلت له ماذا تتمنى للبحرين، لرفع يده ودعا لها ولأهلها الخير والأمان والهدوء والطمأنينة. ففرحة أهل الخليج جميعهم بلا استثناء بنا هو النصر وهو الفخر لكل بحريني يعيش على هذه الأرض الطيبة.
خاتمة الرؤى، تهنئة لكل أهل البحرين بدءاً بجلالة الملك المعظم حفظه الله، وحكومتنا الموقرة، وقيادتنا الرياضية، ومروراً بكل من ساهم وله يد في هذا النجاح، وصولاً إلى الجماهير الوفية التي سارعت في التسجيل مبكراً وتحملت الانتظار والمشقة وعناء السفر وملأت مدرجات ملعب المباراة من أجل مساندة الأحمر البحريني، فهم كلمة السر في تتويجنا باللقب الخليجي للمرة الثانية، وهذه ليست بغريبة على أهل البحرين المخلصين والمحبين لتراب هذه الأرض. أن حصد اللقب الخليجي سوف يكون له الأثر الإيجابي البالغ على الرياضة البحرينية عامة وعلى كرة القدم بشكل خاص على اعتبار أننا مقبلون على جولات حاسمة من أجلال الوصول إلى كأس العالم 2026، وكلنا ثقة وأمل في منتخبنا في تحقيق المزيد من الإنجازات، وأسأل الله تعالى أن يكون العام الجديد عام انتصارات في كل المجالات، حياة تستمر.. ورؤى لا تغيب.