في ظل التنافس العالمي الشديد على المعادن النادرة، طرح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إطارًا جديدًا للتعاون بين بلاده وأوكرانيا، يربط استمرار المساعدات المقدمة لكييف بإمكانية الوصول إلى هذه الموارد الاستراتيجية.
وخلال حديثه مع الصحفيين في المكتب البيضاوي، أعرب ترامب عن رغبته في التفاوض على اتفاق يضمن للولايات المتحدة حصة من المعادن الأوكرانية النادرة مقابل استمرار الدعم الأميركي.
ولم يكن هذا الاقتراح بعيدًا عن رؤية كييف، حيث سبق للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن اقترح في أكتوبر الماضي إقامة شراكة استراتيجية مع الحلفاء لاستغلال ثروات بلاده المعدنية.
ويكتسب هذا التوجه أهمية كبيرة نظرًا لما تمتلكه أوكرانيا من احتياطيات ضخمة من المعادن، ما يعزز موقعها كقوة عالمية في هذا المجال، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تقليل اعتمادها على الصين، التي تهيمن على سوق المعادن النادرة.
أوكرانيا كمصدر رئيسي للمعادن
تعد أوكرانيا من الدول الرائدة عالميًا في الموارد المعدنية، حيث تمتلك نحو 5% من إجمالي احتياطيات المعادن في العالم، بفضل تنوع تضاريسها الجيولوجية.
وتُقدر قيمة مخزونها من المعادن النادرة والليثيوم بما يتراوح بين 3 تريليونات و11.5 تريليون دولار، وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي. كما تحتوي أراضيها على نحو 20 ألف مستودع طبيعي يضم 116 نوعًا من المعادن، بينما كان يتم استغلال 15% منها فقط قبل اندلاع الحرب مع روسيا، وفقًا لمركز الناتو للتميز في أمن الطاقة.
وتملك أوكرانيا أكبر احتياطي من التيتانيوم في أوروبا، بنسبة 7% من الاحتياطي العالمي، وهي واحدة من الدول القليلة التي تقوم بتعدين خاماته، والتي تستخدم في صناعات استراتيجية مثل الفضاء، والطب، والسيارات، والصناعات البحرية. حتى فبراير 2022، كانت أوكرانيا موردًا رئيسيًا للتيتانيوم في القطاع العسكري.
كما تُعد أوكرانيا لاعبًا رئيسيًا في إنتاج الليثيوم، وهو عنصر أساسي في صناعة البطاريات، حيث تمتلك أحد أكبر الاحتياطيات المؤكدة في أوروبا، والتي تقدر بنحو 500 ألف طن.
وتحتل أيضًا المرتبة الخامسة عالميًا في إنتاج الغاليوم المستخدم في أشباه الموصلات، وكانت حتى وقت قريب موردًا رئيسيًا لغاز النيون عالي النقاء، الضروري لصناعة الرقائق الإلكترونية.
بالإضافة إلى ذلك، تمتلك أوكرانيا مخزونًا استراتيجيًا من معادن أخرى مثل الزركونيوم والأباتيت المستخدمين في التطبيقات النووية والطبية، والبريليوم المستخدم في الصناعات النووية والفضائية والعسكرية. كما تمتلك احتياطيات هائلة من خام الحديد والمنغنيز، وهما عنصران ضروريان لإنتاج الصلب الأخضر، حيث زودت في عام 2021 الاتحاد الأوروبي بـ 43% من وارداته من ألواح الصلب.
أما في مجال المعادن غير الحديدية، فتحتل أوكرانيا مراتب متقدمة في أوروبا، حيث تأتي في المركز الرابع من حيث احتياطيات النحاس، والخامس في الرصاص، والسادس في الزنك، والتاسع في الفضة. كما تحتوي بعض مناطقها على رواسب كبيرة من النيكل والكوبالت، بالإضافة إلى احتياطيات الغرافيت التي تشكل 20% من الموارد العالمية.
وتصنف أوكرانيا ضمن أكبر 10 منتجين عالميًا لبعض المعادن مثل البروم والمغنيسيوم المعدني والمنغنيز والخث وحديد الزهر والكاولين.
انعكاسات المقترح الأميركي
يثير الاقتراح الأميركي بشأن التعاون في مجال المعادن النادرة جدلًا واسعًا حول أبعاده الاستراتيجية والاقتصادية، وتأثيره المحتمل على موازين القوى العالمية.
ويشير الخبير في الشؤون الأوكرانية، خليل عزيمة، إلى أن تصريحات ترامب تتماشى مع نهجه القائم على المصالح المتبادلة، كما تجد صدى لها في كييف، التي أعربت سابقًا عن استعدادها للتعاون مع الشركاء الاستراتيجيين في استغلال مواردها المعدنية.
وفي خطة سلام كشف عنها زيلينسكي في أكتوبر الماضي، طرح الرئيس الأوكراني فكرة "اتفاق خاص" مع الحلفاء، يسمح بالحماية المشتركة والاستغلال الاستراتيجي للموارد، دون الإشارة صراحة إلى المعادن النادرة. لكنه قدم أمثلة على بعض الموارد ذات الأهمية الاستراتيجية مثل اليورانيوم والتيتانيوم والليثيوم والغرافيت.
وقد سبق أن أجلت أوكرانيا توقيع اتفاقية تعاون في مجال المعادن مع إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، في خطوة فُسرت على أنها انتظار لمجيء ترامب إلى السلطة.
وفي ديسمبر، اجتمع وفد أوكراني مع رجال أعمال أميركيين في واشنطن، حيث عرض صفقات تجارية تتضمن منح تراخيص إنتاج المعادن الحيوية، إما مباشرة أو من خلال شراكات مع مستثمرين حاليين، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز".
الولايات المتحدة والصين.. صراع المعادن
قال مسؤول أوكراني رفيع المستوى، في تصريح لـ"نيويورك تايمز"، إن بلاده مستعدة للعمل مع الولايات المتحدة في صفقات المعادن النادرة، لكن بشرط تقديم ضمانات أمنية كافية لمنع وقوع هذه الموارد في أيدي روسيا.
وفي هذا السياق، هدد ترامب بفرض عقوبات صارمة ورسوم جمركية على روسيا إذا لم تتحرك لإنهاء الحرب في أوكرانيا، مؤكدًا أن الوصول إلى الموارد المعدنية يمثل مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة.
من جانبه، يرى عزيمة أن هناك فرصة حقيقية لتوصل كييف وواشنطن إلى تفاهم في هذا المجال، خاصة أن أوكرانيا بحاجة لتعزيز قدراتها العسكرية وسط أزمات اقتصادية تمنعها من تطوير مشاريع جديدة، في حين تسعى الولايات المتحدة إلى تأمين استثمارات طويلة الأجل مقابل مساعداتها العسكرية.
وتكمن أهمية هذه الخطوة في مواجهة الهيمنة الصينية، إذ تسيطر بكين حاليًا على ما بين 85% و90% من عمليات استخراج وتكرير المعادن النادرة، وتهيمن على 92% من صناعة المغناطيسات المشتقة منها، وذلك بفضل استثماراتها طويلة الأجل وسياساتها الصناعية التي تعتمد على انخفاض تكاليف الإنتاج واللوائح البيئية المتساهلة.
وفي ظل هذه المعادلة، يرى الخبراء أن موارد أوكرانيا يمكن أن تمثل فرصة للولايات المتحدة وأوروبا لكسر هذه الهيمنة، لكن تنفيذ هذه الاستراتيجية يواجه عدة تحديات، أبرزها الحاجة إلى استكشاف دقيق لتحديد حجم الاحتياطيات القابلة للاستغلال، بالإضافة إلى العقبات الجيوسياسية، خصوصًا أن العديد من هذه الموارد تقع في المناطق الشرقية والجنوبية من أوكرانيا، حيث يحتدم الصراع.
كما أدى تقدم القوات الروسية إلى سيطرة موسكو على احتياطيات هامة من المعادن، حيث باتت قريبة من مناجم الليثيوم في منطقة دونيتسك.
ومنذ اندلاع الحرب، تشير تقارير عديدة إلى أن الدوافع الروسية تتجاوز الأبعاد السياسية والعسكرية، لتشمل السيطرة على الموارد الاستراتيجية، تمامًا كما حدث بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، حين حصلت موسكو على احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي تقدر بنحو 13 تريليون متر مكعب.