سمعنا عن حكاية الرجل الذي جعل بعيره يحمل أمتاعاً تقيلة فوق طاقته غير آبه بكلام الناس بأن يخفف هذا الثقل عنه إلى أن جاء اليوم الذي سقط فيه هذا البعير بقشة فقط بعد أن قصمت ظهره مما أثار دهشة صاحبه والناس حوله، فهل يعقل أن تكون القشة قد قصمت ظهر البعير؟ والحقيقة هي أن القشة لم تكن هي التي قصمت ظهر البعير، بل كثرة الأحمال الثقيلة التي تعود صاحبه أن يضعها على ظهره.

وهناك عبرة هامة وراء هذا المثل الشعبي الشائع تنطبق على سلوك البشر أيضاً، فالإنسان يعيش وهو كاتم بقلبه أثقالاً من الهموم والحزن والخيبة في الحياة، ولكنه فجأة إذا وقعت القهوة من يده نراه ينفجر، أو إن وضعت زوجته ملحاً زائداً في الطعام، فإنه يطلقها بقرار صادم، أو إن نسي صديقه أن يدعوه إلى مناسبة اجتماعية مع بقية الأصدقاء، فيخاصمه مدى الحياة وسط دهشة الآخرين. إن كل هذه الأسباب في هذه الأمثلة تافهة لاتستحق رد الفعل المبالغ فيه هذا تجاهها، فما هو السبب الحقيقي يا ترى؟

إن الواحد منا يسعى إلى تكوين علاقات في الحياة قد يشوبها خلافات بسبب تباين في وجهات النظر، واختلاف في أنماط الشخصية؛ مما يسبب لنا شعوراً بالغضب والحنق، ولكنا نكبت داخلنا هذا الشعور، ولا نعمل على تفريغ مشاعرنا السلبية أولاً بأول، مما يؤدي إلى تراكمها يوماً بعد يوم إلا أن نجد أنفسنا في يوم ما ننفجر فجأة ودون سابق إنذار لأمر تافه، لا يكون هو السبب الحقيقي لانفجارنا، بل تلك التراكمات داخل النفس التي لم نكشف عنها في حينها، ولم نعبر عن مشاعرنا الحقيقية في الوقت المناسب، فأدى هذا السبب التافه إلى سلوك مصيري غير متوقع، كقطع علاقة أو طلاق أو خصام، أو انهيار نفسي،. لذا من المهم أن نواجه أصدقاءنا وأحباءنا بما يزعجنا منهم أولاً بأول، بغض النظر إن كنا على خطأ، أو على صواب، المهم أن نفتح قلوبنا لهم ونكاشفهم بما نشعر به حتى لاتؤدي هذه التراكمات النفسية إلى قطيعة أو خصام، فيكون أتفه سبب هو تلك القشة التي قصمت ظهر البعير.