كل عام وأنتم بخير، وكل عام وأنتم بصحة وعافية، وكل عام وأنتم بفرحة غامرة وسعادة عامرة، وكل عام وأنتم في أمن وأمان وسكينة واطمئنان، وكل عام وهذا الوطن أجمل من العام الذي قبله وأرقى وأعلى. والحمد لله الذي بلّغنا شهر الخير، الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك.
الشهر الذي قبل أن يهَل هلاله علينا تهَل علينا الخيرات والبركات، وكأن الكون بأسره يتجهز لاستقبال هذا الشهر الفضيل، حتى إننا نستشعر أجواءه قبل أن يهَل علينا هلاله، فتصبح الأجواء أكثر روحانية في المجتمعات الإسلامية، تتزين المساجد وتستعد للصلوات والإفطار الجماعي والحلقات الدينية، وتبدأ صور التكافل الاجتماعي في أوَج نشاطها لمساعدة الفقراء والمحتاجين في المجتمع، ويعيش الناس في هذا الشهر متكافلين، متراحمين يتسابقون في العبادة وأعمال الخير على اختلاف أشكالها وصورها راجين من وراء ذلك الأجر والثواب من الخالق عز وجل.ومن عاداتنا الشعبية المتوارثة، تبادل الهدايا والتوزيعات الرمضانية وهي عادة جميلة تُقرب الناس من بعضهم، وتعزز الأجواء الإيمانية بينهم.
ومع مرور السنوات أصبح الناس يتفَننُون في طُرق تقديمها باستخدام العلب والأكياس المزينة والمنقوش عليها بعض العبارات الجميلة التي تناسب الموسم الإيماني، يضعون بداخلها الكعك والحلويات المشكلة والفاخرة، والملابس الملونة والمطرزة، والعطور وغيرها، كلٌ وذوقه وطريقته في الاختيار والتقديم، والذي أتمنى أن لا نبالغ فيه حتى لا تفقد هذه العادة بساطتها ومعناها العميق في التعبير عن المودة والرحمة، وتعكس روحانية شهر القرآن. فكلما زادت المبالغة والكلفة، وخرج الأمر عن الشعبية والبساطة فقَد رونقه وجماله والهدف السامي من ورائه.
كذلك من الملاحظ، التركيز في هذه التوزيعات على ما يُأكل ويُلبس وما يتزين به فقط، ونسيان الجانب الروحاني والإيماني وهو الأهم، وما يميز هذا الشهر عن باقي شهور السنة الأخرى من عبادات وطاعات، والتي ينبغي أن تكون طابعاً وعنواناً في كل ما نقدمه ونهديه كونه شهر القرآن وفيه أنزل، مثل إهداء السبح التي تساعد على الذكر، والكتب والكتيبات والقصص الدينية، أو الثقافية والعلمية ذات الصلة، وكل ما يفيد الصائم صغيراً كان أو كبيراً، ويعينه على الصيام والقيام، ويجيب على تساؤلاته وكل ما هو غريب ومبهم، فنحن بذلك نضرب عصفورين بحجر واحد، نزيد من روحانية الشهر من ناحية، ونشجع على القراءة والثقافة من ناحية أخرى.
وهكذا يكون رمضان شهراً نُنمي فيه عقولنا، ونغذي أجسادنا ونرقى بأرواحنا، فلنجعله رمضان مختلفاً بأفكارنا المتجددة وسلوكياتنا الواعية.